«سيرة المهمشين» فى «لصوص متقاعدون».. عالم كامل ملىء بالدهشة - بوابة الشروق
الجمعة 2 مايو 2025 7:17 ص القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

«سيرة المهمشين» فى «لصوص متقاعدون».. عالم كامل ملىء بالدهشة

كتبت ــ أسماء سعد:
نشر في: الجمعة 16 يونيو 2023 - 9:31 م | آخر تحديث: الجمعة 16 يونيو 2023 - 9:31 م

نصوص تحفل بحس السخرية الممزوج بالتجرد الموضوعى
رواية ساهمت فى ذيوع وانتشار اسمه، طبع عليها من روحه وعقله، حيث الخفة المتناهية التى لا تفتقد إلى عمق إبداعى، رواية «لصوص متقاعدون» للكاتب الراحل حمدى أبو جليل، والتى تعد كتابة ملتصقة بالذات، لدرجة يصعب على القارئ معها ألا يلاحظ الحضور الطاغى للكاتب فى النص.
مفارقة بالغة أن يستهل الكاتب الراحل روايته البديعة، بعبارة: «الموت أحد البدائل المطروحة أمام الواحد دائما كوسيلة سهلة للخلاص من خطر ما.. الموت غاية كل خطر وهو فى الوقت نفسه الوسيلة المثلى للتصالح مع الأخطار»، حيث انطلق أبو جليل ليبنى عالما كاملا مليئا بالدهشة عن مهمشين يعيشون على أطراف المدينة، فى سياق زمنى ومكانى محاط بكثير من التحفظات.
شكل المهمشون أساس وركيزة ذلك العمل الروائى، الصادر عن دار الشروق، الذى جاء مطعما بالسخرية، حيث استطاع أبو جليل بلغة رشيقة تجمع بين العامية والفصحى، أن يحافظ على انتباه القارئ، مع تحدٍ آخر نجح فيه أبو جليل أن يحافظ على «ابتسامة» هادئة ترتسم على وجه القارئ طوال رحلة المضى فى سرد «لصوص متقاعدون»، حيث حس فكاهى لا يخلو أبدا من عمق يتعلق بتوضيح أبعاد الشخصيات المرسومة بعناية، وهو الإحساس الذى يتسرب إلى القارئ على الدوام فى «لصوص متقاعدون.
يسرى يقين لدى القارئ بمجرد مطالعة نصوص «لصوص متقاعدون»، بأن بها إبداعا خالصا، وأن السخرية لها مواضع عدة لها دلالات داخل الحبكات الخاصة بالرواية، وأن للضحك وارتياد المناطق البكر من حيث مكان الأحداث ومن حيث الشخصيات ومن حيث أسلوب القص، يعد أحد أبرز مميزات الرواية.
ساهمت «لصوص متقاعدون» فى تقديم أبو جليل لعموم القراء بالداخل والخارج، حيث جرى ترجمتها إلى الإنجليزية والفرنسية والإسبانية، حيث ميز القراء والنقاد أنها تكاد تقوم بالكامل على لعبة كسر الإيهام، على الرغم من قدرتها على بناء عالم متخيل مكتمل، حيث يحرص أبو جليل على رسم دقيق لشخصياته التى تكاد تستشعر أن لها ظلا فى الواقع، حيث تظهر فى أعمال أبو جليل الشخصيات الرئيسة وهى تعيش على الالتفاف والتحايل مثل جمال فى «لصوص متقاعدون».
اقتحم حمدى أبو جليل فى روايته مناطق إبداعية حازت على العديد من الإشادات النقدية، حيث يقول الكاتب والشاعر بهاء جاهين عنها: ارتاد أبوجليل منطقة بكرًا مغرية لقلم روائى يبحث عن نماذج أدبية طازجة ألا وهى منشأة جمال عبدالناصر أو كما يسميها العامة «منشية ناصر»، حيث يضع الكاتب قلمه بعد أن كتب عملًا فكاهيًّا فريدًا يجمع بين العمق فى فهم الشخصيات والتجرد الموضوعى الذى يجعل ما هو قابل للتشنج الأخلاقى قابلًا أيضًا.
ويتضح فلسفة أبو جليل فى مناقشة قضايا شديدة الجدية، بلمحات ذكية ولغة جذابة، عبر المقتطف التالى: إلى فترة قريبة كنت أظن أن حياة الواحد منا تسير على خط معاكس لماضيه، وكلما تقدم به الزمن تأكد من استحالة عودة هذا الماضى مرة أخرى، وكنت أتخيل هذه المسألة على النحو التالى: حاضر حياتنا هو قطار نركبه، وماضينا تلك المشاهد والشخصيات التى تتوارى بمجرد اندفاع قطارنا من جانبها، ومن فوق مقاعدنا يكون كل شىء مندفعا، الماضى للخلف والنسيان، والحاضر للماضى، وحياتنا لنهايتها المحتومة، ولكن تكرار معارك هذا البيت جعلنى أشك فى ذلك، بل وأتأكد عن قرب من إمكانية عودة الماضى، ومن أن حياة الواحد ما هى إلا مجموعة من المشاهد المكررة.
سيطر على أبو جليل النزعة التى يقوم من خلالها بإعمال السخرية كأحد أدوات النص، وحينما سبق للشروق أن أجرت معه حوارا، ووجهت له سؤالا مباشرا عن أن القارئ يجد فى رواية لصوص متقاعدون، تعمد توظيف السخرية، وما الذى يقصده من وراء ذلك، فأجاب: سخرية فى الأدب ليس معناها أن أتعدى على أحد بالنقد، ولكن السخرية فى الأدب وسيلة مناسبة لفهم متناقضات الإنسان دون الانحياز، السخرية ليست مع الخير أو الشر ولكنها تكشف المفارقة بينهم.
لا يتعمد حمدى أبو جليل فى روايته المذكورة إقحام السخرية، ولكنه كما قال: أحب السخرية وهى غير متاحة دائما حتى لى، أقصد الزاوية الساخرة، تلقى الحياة من الزاوية الضاحكة متاح لكنه عصى المنال فى نفس الوقت، لا أريد من الرواية إلا أن يضحك القارئ، أقصد أن يبتسم القارئ وهو يقرأها، ربما فى كثير من الأوقات أستغرق وقتا كبيرا فى الكتابة بحثا عن هذه النبرة الساخرة الملائمة للانطلاق فى الكتابة.
الجدير بالذكر أن الكاتب الراحل حمدى أبو جليّل، هو روائى وكاتب قصص قصيرة، ودع عالمنا عن عمر يناهز 56 عاما، وقد ولد فى الفيوم سنة 1967، وكان كتابه الأول عبارة عن مجموعة من القصص القصيرة التى نشرت فى عام 1997 تحت عنوان «أسراب النمل«، أما مجموعته الثانية «أشياء مطوية بعناية فائقة» والتى صدرت فى عام 2000 وفازت بالعديد من الجوائز الأدبية.
صدر له عدة مؤلفات من بينها: «الفاعل» و«لصوص متقاعدون» الصادران عن دار الشروق، و«طى الخيام»، و«الايام العظيمة البلهاء»، و«نحن ضحايا عك»، و«قيام وانهيار الصاد شين».



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك