الهجرة غير الشرعية تؤرق المغرب وإدماج المهاجرين الأفارقة في المجتمع أبرز مشكلة - بوابة الشروق
الأحد 16 يونيو 2024 7:49 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الهجرة غير الشرعية تؤرق المغرب وإدماج المهاجرين الأفارقة في المجتمع أبرز مشكلة


نشر في: الأربعاء 16 أغسطس 2023 - 5:39 م | آخر تحديث: الأربعاء 16 أغسطس 2023 - 5:39 م

ربما كان عام 2013 عاما فارقا بالنسبة للمهاجرين الأفارقة بالمغرب، ففيه أصدر المجلس الوطني المغربي لحقوق الإنسان تقريرا أعلنت الرباط بعده عن استراتيجية تضمن حقوق الإنسان بعدما انهالت عليها انتقادات من منظمات حقوقية لطريقة تعاملها مع المهاجرين غير الشرعيين.

ورغم أن المتخصصين في شؤون الهجرة يجمعون على أن المغرب عمل بوضوح على تحسين وضعية المهاجرين الأفارقة بعد ذلك العام، فإنهم يعتبون عليه تراجعه في سنوات لاحقة عن تسوية وضعهم وعجزه عن "إدماجهم".

ويرى بعض المختصين في هذا المجال إن استقرار المهاجرين الأفارقة في المغرب ما هو إلا "استقرار اضطراري"، فهم ممنوعون من العبور إلى أوروبا وعاجزون عن الرجوع لبلدانهم، فيما اعتبر آخرون أن المغرب تميز عن دول أخرى فيما يتعلق بمحاولة احتواء المهاجرين على المستويين الأمني والحقوقي.

يقول حسان عماري، رئيس جمعية (مساعدة المهاجرين في وضعية صعبة)، إن المرحلة ما بين عامي 2005 و2013 "يمكن وصفها بسنوات الجمر والرصاص" مشيرا إلى استعمال قوى الأمن القوة المفرطة في تعاملها مع المهاجرين غير الشرعيين القادمين من دول أفريقيا جنوب الصحراء.

وفي حوار مع وكالة أنباء العالم العربي (AWP) أشار إلى أحداث عنف على حدود مدينتي سبتة ومليلية، الواقعتين تحت السيادة الإسبانية، مع الناظور والفنيدق بشمال المغرب "حيث تم تسجيل عدة حوادث مأساوية للمهاجرين الأفارقة، تُعتبر انتهاكا لحقوق الإنسان من طرف السلطات الأمنية المغربية بالتنسيق مع السلطات الأمنية الإسبانية".

واقتحم عدد من المهاجرين في 30 سبتمبر أيلول 2005 السياج الفاصل بين المغرب وسبتة ومليلية، مما أدى إلى اشتباكات بين قوات الأمن المغربية والحرس المدني الإسباني.

وفي السابع من فبراير شباط 2006، أعلن المغرب عن قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسبانيا بسبب ما اعتبره "استفزازا" فيما يتعلق بقضية الهجرة غير الشرعية، وتم استدعاء السفير الإسباني في المغرب وسحب السفير المغربي من مدريد، وتوترت العلاقات بين البلدين بقوة.

وفي الأشهر التالية، ثارت احتجاجات على طول الحدود المشتركة، مما زاد من التوتر بين السلطات المغربية والإسبانية والمهاجرين غير الشرعيين.

واتُخذت بعد ذلك إجراءات لتعزيز الأمن ورقابة الحدود في سبتة ومليلية وتشديد قوانين الهجرة بين المغرب وإسبانيا، لكن ظلت قضية المهاجرين قائمة وتلقى اهتماما كبيرا على المستوى الدولي.

وبعد تحرك مجموعة من الجمعيات وتقديم تقرير في هذا الصدد للأمم المتحدة، وبعدما انهالت انتقادات منظمات حقوقية دولية على المغرب، أصدر المجلس الوطني المغربي لحقوق الإنسان في عام 2013 استراتيجية تشدد على احترام حقوق الإنسان.

* وضع هش

قال عماري "رغم انتقادنا آنذاك للجمعيات والمنظمات الحقوقية ولهذا التقرير الذي اعتبرناه غير شامل وكامل، فإننا اعتبرنا هذه الخطوة نقلة نوعية، حيث ظهر مفهوم جديد بالمغرب في هذا الشأن وبشكل رسمي آنذاك سُمي بالاستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء".

وأضاف أنه أصبح من حق اللاجئين التمتع ببعض الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، كالحق في التعليم والسكن والصحة.

لكنه قال إنه في عامي 2018 و2019 بدأ المغرب يتراجع عن مجموعة من المكتسبات التي ناضلت من أجلها الجمعيات الحقوقية وجمعيات المجتمع المدني، وبدأ يتعامل مع المهاجرين "بنوع من العنف والإبعاد"، خاصة إبعادهم إلى مناطق بالجنوب المغربي مثل تزنيت وإفني ومراكش والرشيدية.

كانت منظمة العفو الدولية قد أصدرت في مارس آذار الماضي تقريرا تناول أوضاع المهاجرين واللاجئين لعام 2022-2023، أوردت فيه أنه في يونيو حزيران 2022 حاول نحو ألفي شخص، معظمهم من السودان، عبور الحدود بين مدينة الناظور في شمال المغرب وجيب مليلية الواقع تحت السيادة الإسبانية. وردت قوات الأمن من الجانبين "باستخدام القوة المفرطة" ما أسفر عن مقتل37 شخصا من أفريقيا جنوب الصحراء وفقد 77 آخرين بحسب التقرير.

وذكر التقرير أن المجلس الوطني المغربي لحقوق الإنسان تحدث عن إصابة 217 شخصا، بينهم 140 من قوات الأمن المغربية. وأضاف "رشقت قوات الأمن الناس بالحجارة، وضربتهم وأطلقت عبوات الغاز المسيل للدموع عليهم في أماكن مغلقة. وحُرم المهاجرون الذين أصيبوا على أيدي قوات الأمن من المساعدة الطبية، ونُقل العديد منهم قسرا في حافلات إلى وجهات مختلفة في المغرب".

وقال عماري إنه في السنوات الأخيرة تم تشديد سياسة الهجرة إلى دول الشمال، مما دفع شبكات الهجرة لتغيير مساراتها، فبعدما كان المسار الأكثر نشاطا هو البحر المتوسط، أصبح هناك مسار آخر هو الهجرة إلى جزر الكناري بالمحيط الأطلسي عبر مدن جنوب المغرب، وهو ما زاد من تفاقم الأحداث المأساوية، إذ لقي العديد من الأفارقة حتفهم أو فُقدوا.

وأضاف "سياسة تشديد الخناق التي تنتهجها الدول الأوروبية تنعكس على الدول المغاربية انطلاقا من اتفاقيات الشراكة، وهو ما دفع المغرب إلى انتهاج السياسة التي كان ينتهجها من قبل، وهي الإبعاد نحو الجنوب، الأمر الذي يعطي شبكات تهريب المهاجرين فرصة لاستغلال وضعهم الهش".

* من بلد عبور إلى بلد استقرار

محمد شارف، رئيس جمعية الباحثين في الهجرة والتنمية المستدامة، يشدد على ضرورة أخذ البعد التاريخي لعلاقات المغرب بدول أفريقيا جنوب الصحراء بعين الاعتبار. وقال "المغرب كان ولا يزال بلد استقبال... فقد استقبل بعد الاستقلال أفواجا كبيرة من الطلبة الأفارقة من دول جنوب الصحراء، ومنهم من استقر في قطاعات مختلفة".

ويضيف "في السنوات الأخيرة وبعد إغلاق الحدود الأوروبية منذ عام 1986 إلى اليوم، تغيرت الأوضاع وأصبح المغرب ليس فقط بلد استقبال بل بلد عبور أيضا".

ويستطرد شارف في الحديث مع وكالة أنباء العالم العربي قائلا إن المغرب سعى لحل إشكالية الهجرة غير الشرعية، حيث قدّم ورقة للاتحاد الأفريقي تم الاتفاق عليها بموريتانيا، وركزت على تأسيس مرصد أفريقي للهجرة تم إنشاؤه بالرباط أواخر عام 2020.

وهو يرى أن مسألة الهجرة "لا يمكن تدبيرها على مستوى البلد القطب، وإنما على المستوى الجهوي الاقتصادي الكبير أو على المستوى القاري"، مشيرا إلى أن من بين التوصيات التي جاءت بالورقة المقدمة للاتحاد الأفريقي "ضرورة وجود مخاطِب أفريقي يتحدث مع أوروبيين ومع قارات أخرى في هذا الملف".

وعن مسألة تحول المغرب من بلد عبور إلى بلد استقرار قال "أعتقد أن هذه حتمية تاريخية وجغرافية، فأمام إغلاق الحدود أمام المهاجرين من طرف مجموعة من الدول كما هو الحال بالنسبة لتركيا وتونس وليبيا أو بالنسبة القارة الأميركية خاصة المكسيك، فالبلدان التي كانت فقط بلدان عبور صارت بلدان استقبال واستقرار. فهذه الحالة لا تخص المغرب فقط".

على الجهة الأخرى، يعتبر الإعلامي والباحث في شؤون الهجرة حسن بنطالب فكرة تحول المغرب من بلد عبور إلى بلد استقرار "مغالطة كبيرة" لأن استقرار المهاجرين به "استقرار اضطراري" إذ كان أغلبهم يحاول العبور إلى أوروبا وبعد غلق الحدود وجدوا أنفسهم عالقين، فلا هم قادرون على الهجرة إلى القارة الأوروبية ولا هم يستطيعون العودة لبلدانهم.

وقال لوكالة أنباء العالم العربي إنه منذ عام 2000 كانت هناك بداية سياسة جديدة للمغرب على المستوى الخارجي، وظهر ما يُطلق عليه "البعد الأفريقي"، من خلال إعادة إحياء روابط المغرب مع دول القارة.

وكان للأمر أيضا بُعد دولي فيما يخص علاقة المغرب مع الاتحاد الأوروبي بعد أن تحول ملف الهجرة من "ملف اقتصادي اجتماعي إلى ملف سياسي جيوستراتيجي مهم يدخل في إطار العلاقات الدولية، وله أبعاد أمنية واستراتيجية وسياسية واقتصادية كبيرة" بحسب بنطالب.

وأضاف "كان من الضروري أن يُظهر المغرب لشركائه الأوروبيين أنه قادر على إدارة هذا الملف، وبالتالي كانت كل هذه العوامل تصب في سياسة المغرب تجاه هجرة الأفارقة".

وهو يرى أن أهم ما قد يواجه المغرب مستقبلا في هذا الملف "هو مُشكل الاندماج"، مشيرا إلى أنه بعد تبني سياسة 2013 وبعد اتخاذ مجموعة من التدابير والبرامج ومشاريع العمل للنهوض بحقوق المهاجرين الاقتصادية والاجتماعية "لم تنجح هذه التدابير في صوغ نموذج معين للاندماج".

والمسؤولية ليست في اعتقاده مسؤولية الدولة وحدها بل المهاجرين أيضا، مشيرا إلى أن نسبة منهم لا تبدي رغبة كبيرة في هذا الاندماج، مدللا في هذا على اللغة "فمعظم المهاجرين الأفارقة المقيمين بالمغرب لا يتحدثون العربية، وأغلبهم لا يطمحون إلى آفاق بالمغرب".

* الإدماج

يقول خالد مُنى، عالم الأنثروبولوجيا وأستاذ علم الاجتماع بكلية مولاي إسماعيل للفنون والعلوم الإنسانية في مكناس، إن تدفق المهاجرين الأفارقة من دول جنوب الصحراء على المغرب بدأ أواخر تسعينيات القرن الماضي، قبل أن تحدث بعدها مجموعة من التحولات.

وقال لوكالة أنباء العالم العربي "في فترة التسعينيات كان المغرب بلد عبور المهاجرين المغاربة غير الشرعيين إلى أوروبا، وكانت هذه الهجرة غير مكثفة، إلى حدود عام 2003 حيث أصبحت الهجرة بأعداد هائلة وفرضت أوروبا عام 2005 ما يسمى بسياسة الحدود الأوروبية الممتدة إلى الدول الأفريقية، في محاولة منها لمحاصرة هذه الهجرة ببلدان الانطلاق وبلدان العبور".

وأضاف أن أوروبا باتت في تلك الفترة "تنظر للهجرة بنوع من التخوف، على اعتبار أنها تشكل تهديدا لأمنها القومي".

ومنذ عام 2009 تقريبا "أصبح عدد كبير من المهاجرين الأفارقة غير قادرين على تجاوز الحدود المغربية والعبور نحو الضفة الأخرى، مما أدى إلى استقرار عدد منهم بالبلاد في وضعية كارثية إلى عام 2013 حين أصدر المجلس الوطني المغربي لحقوق الإنسان تقريرا يتحدث عن الوضعية اللا إنسانية للمهاجرين الأفارقة بالمغرب" بحسب خالد منى.

وتابع قائلا إن الهجرة أصبحت فيما بعد "ورقة سياسية يتم توظيفها في العلاقات الثنائية بين الدول، ونفس الشيء انطبق على إسبانيا التي تضغط بهذه الورقة على الاتحاد الأوروبي من أجل الدعم المادي أو ما تسميه مراقبة وحماية أوروبا".

واستطرد "رغم أن المغرب لم ينجح مئة بالمئة في هذا الشأن، إلا أنه تميز مقارنة ببلدان مغاربية أخرى كالجزائر وتونس في محاولة فهم ومواكبة الهجرة على المستوى الأمني وعلى المستوى الحقوقي الذي تلعب فيه الجمعيات الحقوقية بالمغرب دورا كبيرا من خلال دفاعها عن حقوق ووضعية المهاجرين الأفارقة ومحاربة كل أشكال خطاب الكراهية والعنف التي تمارس ضدهم".

وأكد أيضا أن الإشكالية التي تظل قائمة هي "الإدماج في النسيج الاقتصادي والاجتماعي وحتى الثقافي"، مشيرا إلى أن القطاع الاقتصادي بالمغرب "غير مهيكل ولا يسمح بإدماج هؤلاء المهاجرين بطريقة صحيحة".

ويشكل المهاجرون من جمهورية الكونغو الديمقراطية وساحل العاج أكبر نسبة من أبناء أفريقيا جنوب الصحراء القادمين إلى المغرب، كما يأتي إليه مهاجرون من أفريقيا الوسطى ومالي وغينيا والكاميرون ودول أخرى وإن كان بنسب أقل، بحسب أرقام المندوبية السامية للتخطيط.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك