مذكرات نبيل شعث «حياتى.. من النكبة إلى الثورة» (5 - 6): أيام النكسة ومعركة الكرامة - بوابة الشروق
الخميس 2 مايو 2024 9:26 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مذكرات نبيل شعث «حياتى.. من النكبة إلى الثورة» (5 - 6): أيام النكسة ومعركة الكرامة

السياسى الفلسطينى البارز، ومفوض العلاقات الدولية فى حركة فتح الدكتور، نبيل شعث
السياسى الفلسطينى البارز، ومفوض العلاقات الدولية فى حركة فتح الدكتور، نبيل شعث
عرض ــ محمد نبيل حلمى
نشر في: الإثنين 17 أكتوبر 2016 - 10:01 ص | آخر تحديث: الإثنين 17 أكتوبر 2016 - 10:06 ص

- تمنيت أن يستقيل عبدالناصر بعد 1967 وبعد التنحى بكيت
- قدت مسيرة إلى الاتحاد الاشتراكى يوم 6 يونيو وطلبت السفر إلى الجبهة أو حماية القاهرة من الاجتياح
- علاقتى بياسر عرفات وقربى منه أشعلت غيرة الزملاء
- اجتمعت مع عبدالناصر وكلفنى بالمشاركة فى لجنة لدراسة أسباب الهزيمة.. وناقشنا استخدام خراطيم «المياه» لإذابة التلال الرملية التى بناها الإسرائيليون
- حلمى السعيد اتهمنى بتدبير انقلاب فى مؤسسة تابعة للرئاسة.. وبعدها ابتسم وقال لى: «برافو عليك»
فى الحلقة الخامسة من مذكراته يتناول السياسى الفلسطينى البارز، ومفوض العلاقات الدولية فى حركة فتح الدكتور، نبيل شعث، سنوات نكسة يونيو 1967، وكيف عاش تجربتها وتفاصيلها، كما يرصد الرجل فى مذكراته التى صدرت أخيرا عن «دار الشروق» تحت عنوان: (حياتى.. من النكبة إلى الثورة)، فترة عمله بالمعهد القومى للإدارة العليا، والمهام التى طلبها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر من اعضاء المعهد لدراسة اسباب الهزيمة، كما يتناول شعث بداية استعادته لنشاطه فى حركة فتح بعد سنوات من التجميد.. وإلى الحلقة الخامسة.
أعلنت مكبرات الصوت على السفينة إسبيريا فى السابعة من صباح يوم 26 تشرين الأول (أكتوبر) 1965 أننا نقترب من ميناء الإسكندرية، وأنه يمكن رؤية شواطئها بوضوح من على سطح السفينة. سارعت وزوجتى وابنتى الصغيرة رندا إلى السطح لكى نرى الإسكندرية الحبيبة.
كان الوالد والوالدة والعائلة كلها فى انتظارنا فى ميناء الإسكندرية: آل شعث وآل زيتون. كم كبرت أختى زينب وازدادت «حلاوة». الوالد كبر وخط الشيب رأسه، الوالدة تلوح لنا مرحبة من فوق رصيف الميناء وهى تبكى وتضحك فى الوقت ذاته، بدت لى أكثر شبابا وحيوية، وشباب العائلة يلوحون وينادون ويقفزون لكى نراهم. كان هناك أهل العائدين معنا من الخريجين المصريين، وكان الاستقبال للجميع عاطفيا وفرحا. كانت فى انتظارنا أيضا هديتان من الوالد لوح بهما واكتشفنا بعد نزولنا من السفينة محتواهما: الأولى عقد إيجار منزل عنوانه 8 شارع السلاملك فى جاردن سيتى بالقاهرة، وهو البيت الذى ربيت فيه أولادى بعد ذلك وما زال بيتى فى القاهرة. أما الهدية الثانية فقد كانت عرضا من الدكتور فؤاد شريف للالتحاق بالمعهد القومى للإدارة العليا الذى كان يرأسه.
(..) سعدت جدا بالعمل مع فؤاد شريف، وقد أعطانى غرفة ملاصقة لمكتبه، بعيدا عن مكاتب الأساتذة الآخرين. وكان يشركنى فى كل ما يعمل: فى برامج التدريب، فى جلسات التخطيط الإستراتيجى وفى اللقاءات مع الخبراء والزائرين. كان يعلمنى، وكان يصر على سماع رأيى فى كل ما يعمل. كنت أجيبه بموضوعية وبجرأة يبدو أنها أعجبته كثيرا. كان يصطحبنى معه فى سهرات «عشاء العمل» التى كان يقيمها لزواره الأجانب. كان يعاملنى كابنه ومساعده الفنى.
أثار ذلك كله غيرة بقية الأساتذة واستثار حساسيتهم فابتعدوا عنى وقاومونى، واضطررت إلى اتخاذ قرار بالابتعاد عن فؤاد شريف والبدء من جديد. تذكرت هذا الموقف بعد سنين، عندما نمت علاقتى بقائدى ياسر عرفات، وكم كلفتنى هذه العلاقة نتيجة غيرة الزملاء، والمنافسة على الموقع القريب من القائد.

صعوبات

الحقيقة أننا عشنا أياما صعبة بعد عودتنا إلى مصر، واجهتنا صعوبات التأثيث وقلة الأموال، وأنقذنا قرض من الوالد قدره ألف جنيه سددتها عند بيع السيارة التى أحضرتها معى من أمريكا. كان راتبى فى المعهد 37 جنيها شهريا بعد خصم الضرائب، وكان على أن أضيف لهذا المبلغ حتى نستطيع أن نعيش. اضطررت للعمل فى جامعات ومعاهد أخرى «بالقطعة» وبالساعة، شأنى شأن الأساتذة الآخرين. كنت أحمل حقيبة مثقلة بالكتب والمذكرات للانتقال من محاضرة إلى أخرى، وكان أجر المحاضرة يتراوح بين جنيه مصرى واحد وثلاثة جنيهات على الأكثر. اضطررت يوما لدعوة مجموعة من الأهل الزائرين من لبنان للغداء فى أحد المطاعم فطار راتب شهر كامل!!
كان علينا أن ننتظر شهورا لكى نتسلم ما اشتريناه من أثاث بسيط، ولذلك استعرنا من الوالد كراسى وطاولة من «البوص»، وأسرة صيفية استخدمناها مؤقتا إلى أن وصل أثاثنا. كان استيراد السلع الاستهلاكية الأجنبية نادرا، ولم يكن متوافرا فى الأسواق إلا المنتجات المحلية، وما هو متوافر منها كان محدودا وبجودة متدنية للغاية.

هى الحرب

فى 22 أيار (مايو) أغلق عبدالناصر مضائق تيران فى خليج العقبة أمام الملاحة إلى إسرائيل ردا على تحرشها بسوريا واعتداءاتها عليها. فى 16 أيار (مايو) طلبت مصر من الأمم المتحدة سحب قواتها من مراكز المراقبة على الحدود فى سيناء، وكان رد «يوثانت» أمين عام الأمم المتحدة بأن قواته هناك إما أن تبقى فى مكانها وإما أن تنسحب كلية من سيناء وقطاع غزة. وفى 18 أيار (مايو) طلبت مصر من قوات الأمم المتحدة أن تنسحب نهائيا من الأراضى المصرية، مما أدى إلى تصاعد الأزمة وتنامى المخاوف من نتائجها.
يبدو أن ذلك كان ما توقعته إسرائيل، فأعلنت فى الكنيست أن قرار عبدالناصر يعتبر عملا عدوانيا يشكل إعلان حرب على إسرائيل.
(..) انطلق الهجوم الإسرائيلى بقاذفات القنابل وطائرات سلاح الجو الإسرائيلى فى الثامنة إلا ربع من صباح يوم 5 حزيران (يونية). بدأت إسرائيل فى قصف مطارات مصر وطائراتها الحربية فقضت على السلاح الجوى المصرى والمطارات العسكرية المصرية فى ساعات. وفى نفس اليوم اقتحمت إسرائيل قطاع غزة وسيناء.
كنت فى برنامج الإدارة العليا العربى فى فندق سان ستيفانو صباح يوم الخامس من حزيران (يونية). اتصلت بأبى أبلغه بهجوم الطائرات الإسرائيلية، وبالأخبار المصرية عن إسقاط عشرات الطائرات منها. عدت إلى المنزل أبشر بالهزيمة الإسرائيلية، ولكن الوالد كان متشائما وحزينا. قال لنا: «علام تتفاءلون، وهم الذين اختاروا توقيت الحرب، وضربوا أهدافنا قبل أن نتحرك، واستفادوا من عنصر المفاجأة؟!». تذكرت مقال الوالد حول احتمالات هجوم إسرائيلى على مصر والأقطار العربية الذى رفض هيكل نشره فى الأهرام.
قررت أن أكون مع هذه القوات عند تحريرها لغزة. كان قطار القاهرة يحمل سرية من أساتذة وإداريى المعهد القومى للإدارة العليا.
القطار تأخر اليوم كله إلى أن وصل القاهرة. كان يتحرك قليلا ثم يقف، ويقال لنا إن ثمة غارة جوية إسرائيلية تهددنا. قطعنا المائتى كيلومتر فى تسع ساعات. واستمعنا طوال الطريق إلى الراديو الترانزستور الذى كان يعلن كل ربع ساعة عن أعداد الطائرات المقاتلة الإسرائيلية التى أسقطت. حسب رواية الإذاعة المصرية تحطم سلاح الجو الإسرائيلى كله خلال ساعات قليلة، لماذا إذن تعطل القطار طيلة النهار؟
(..) فى اليوم التالى قدت مسيرة إلى الاتحاد الاشتراكى، فرع الأزبكية، الذى ينتمى إليه المعهد جغرافيا. كان هناك رئيسه، د. عبده سلام، الذى استمع لنا وقال إن الوضع فى منتهى الخطورة، ولكن لا تعليمات لديه. طلبنا منه أن يدبر سفرنا إلى الجبهة أو أن يشركنا فى حماية القاهرة من الاجتياح، فطلب منا حماية المعهد!! كل الدلائل كانت تشير إلى هزيمة منكرة ولكننا كنا مستعدين لقبول شائعات بأن الانسحاب المصرى السريع من سيناء كان تكتيكيا وأن هدفه هو جر الجيش الإسرائيلى إلى كمين، كنا نرفض تصديق الحقيقة المرة.
عدت إلى الإسكندرية يوم 7 حزيران (يونية)، لأستمع مع الوالد والوالدة وصفاء والعائلة إلى خطاب عبدالناصر فى اليوم التالى. حاولت عند وصولى أن أطمئن الوالد بإقناعه بأن طلب مصر وقف القتال كان خدعة من عبدالناصر، وأنه كان كمينا مصريا مضادا لإسرائيل. ولكن الوالد قال لنا: انتهى الأمر وهزم العرب اليوم، وليس عيبا أن يبكى الرجال ضياع الوطن. نعم، حتى الرجال يبكون الوطن، وليس البكاء مبررا فقط لخسارة المال والولد. وكرر الوالد «اصمتوا وابكوا وصلوا لا أريد أن أستمع إلى حججكم وتحليلاتكم». صمتنا جميعا فى أسى نستمع إلى الوالد الذى استمر فى حديثه: «هزيمة اليوم سيدفع ثمنها العرب فى السنين القادمة، وسوف تؤخر تحرير فلسطين سنين طويلة». أحسست بالخوف ثم بالغضب. قلت: «هذا يعنى أن كل ما قيل لنا فى الماضى لم يكن صادقا، وكذب علينا عبدالناصر. أين صواريخ الظافر والقاهر والناصر»؟
تجاهل الوالد الاستنكار، فقد كان مؤمنا بعبدالناصر وقيادته للعرب بالرغم من كل ما حدث، وكانت دموعه تغلبه وتصعب عليه الحديث ولم يكن يريدنا أن نراه ضعيفا. قلت له: «على عبدالناصر أن يستقيل» فلم يرد. ما أن ألقى عبدالناصر خطابه وأعلن عن استقالته فعلا عبر شاشة التلفزيون حتى تحول غضبى منه إلى حزن شديد. تحولنا جميعا من الغضب منه إلى البكاء عليه، وعلى حالنا. بعد انتهاء خطاب الاستقالة مباشرة، بدأنا نسمع أصوات الآلاف فى الشوارع وعلى أسطح القطارات المتوجهة للقاهرة والتى تمر بجوار بيتنا فى وابور المياه بالإسكندرية. الجميع يرفض الاستقالة التى تقر بالهزيمة. قررت أن أتوجه إلى القاهرة صباح اليوم التالى لكى أشارك فى رفض الهزيمة. ووصلت فى صباح اليوم التالى بالقطار إلى القاهرة. كان ميدان رمسيس حيث محطة القطار المركزية بالقاهرة كأنه فى مهرجان النصر وليس فى تظاهرة رفض الاعتراف بالهزيمة!! شارك الملايين من المتظاهرين فى المواكب المنظمة، حاملين اللافتات المكتوبة الموحدة الكلمات والشكل، ترفض القبول بالاستقالة والهزيمة.

فريق أبحاث

شكل عبدالناصر فريقا برئاسة د. نزيه ضيف وزير الخزانة مقره معهد التخطيط القومى، وعين د. رمزى زكى نائبا له، وكانت مهمة اللجنة دراسة أسباب الهزيمة وكيفية التحول عمليا إلى النصر. عرض د. رمزى على د. ضيف أمر مشاركتى فى اللجنة وكنت الأصغر من بين أعضائها، فوافق فورا، وفرحت جدا بالعرض الذى كان يتطلب تطوعا كاملا لأداء العمل المطلوب، وقبلته فورا.
اجتمع بنا الرئيس عبدالناصر، وكان لقاؤنا به قصيرا. أراد أن يعبر لنا عن إصراره على الإعداد للمعركة، وعن اهتمامه بدورنا وثقته بنا، وتصميمه على تجنيد كل القوى المصرية والعربية من أجل تحقيق النصر. أحسست بعظم المسئولية التى حملها على أكتافه. تفهمت حزنه، بل ووحدته، وتمنيت لو أننى أستطيع أن أكون إلى جانبه لأقدم له كل ما تعلمته، لعل ذلك يساعده فى مهماته القادمة من أجل الوطن، بل الأمة بأسرها.
انطلقت اللجنة بعدها تعمل ليل نهار، وبحثت موضوعات عسكرية واقتصادية وسياسية مترابطة، من خلال المدخل العلمى لبحوث العمليات الذى تم تطويره خلال الحرب العالمية الثانية. اقترحنا تحويل الجيش المصرى إلى جيش متعلم ومحترف بتجنيد المتعلمين فى الجيش واستمرارهم فى أداء الخدمة العسكرية حتى قيام المعركة وتحقيق النصر.
درسنا فكرة استخدام خراطيم «المياه» لإذابة التلال الرملية التى بناها الإسرائيليون كحاجز على الشاطئ الشرقى للقناة. ناقشنا فكرة بناء مخابئ الطيران للطائرات المصرية، وتحصين المطارات، وأفكار أخرى عديدة، استخدم الكثير منها فى معركة 1973.

أوضاع المعهد

بعد مغادرة فؤاد شريف المعهد، تولى د. إكرام السيد يوسف رئاسته. كان سلبيا منفرا، وكاد المعهد أن يصل إلى التصفية تحت قيادته. تضاءل عدد الأساتذة حملة الدكتوراه من 32 إلى 9. كان زعيما لفريق التشكيك والمعارضة فى عهد فؤاد شريف، وظل يتصرف كممثل للمعارضة حتى عندما وصل إلى سدة الحكم. حاولت جهدى مساعدته فى التحول إلى قائد إيجابى دون جدوى، وكان ذلك سببا مباشرا لبحثى عن دور خارج المعهد للمساهمة فى معركة «إزالة آثار العدوان». عقدنا اجتماعات مطولة بين الأساتذة بحثا عن حل دون جدوى. وفى النهاية قررت أن أقود انقلابا ضده مع زميلين من أساتذة المعهد: د أحمد حسنى ود محمد حسن ياسين.
ذهبت إلى الدكتور إكرام مطالبا إياه، باسم أساتذة المعهد، بالاستقالة من رئاسة مجلس الإدارة والتنازل عن منصب المدير العام. قلت له: «فلتعد أستاذا محترما مبجلا، فأنت غير قادر على إدارة المعهد، وسوف تقضى عليه، ومصر فى حاجة للمعهد فى المرحلة الصعبة القادمة».
توجه إكرام بعدها بالشكوى إلى رئيس الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة حلمى السعيد، الذى كان يرأس المعهد ممثلا للرئيس عبدالناصر، مطالبا بطردى من المعهد.
استدعانى حلمى السعيد مع الأساتذة أحمد حسنى ومحمد حسن ياسين، وتركهم فى غرفة الانتظار وأدخلنى وحدى. ساد الصمت للحظات، ثم ترك مقعده وبدأ يمشى فى مكتبه، ثم استدار لى وقال بغضب بالغ: حضرتك بتعمل انقلاب فى مصر فى مؤسسة عليا تابعة لرئاسة الجمهورية؟ ألا تعلم أن هذه جريمة خيانة عظمى فى وقت الحرب؟
شرحت له بهدوء ماذا فعل إكرام يوسف بالمعهد، وهو فى نظرى مرفق مهم لدعم حرب إزالة آثار العدوان. بدأ صوتى يرتفع تدريجيا وأنا أصف ما فعله إكرام بعد مغادرة فؤاد شريف. وقلت له: «أنا مستعد لتحمل نتائج ما فعلت، باسم الأساتذة جميعا. لقد ذهبت للدكتور إكرام أطلب منه الاستقالة من إدارة المعهد، ليبقى أستاذا وخبيرا محترما، ولكى يتيح لنا الفرصة لإعادة بنائه». بعد شرح يمتلئ حماسة لما قمت به، تحول فجأة حلمى السعيد من الغضب إلى الابتسام، وأقبل على يهنئنى، وقال لى: «برافو عليك!». وقرر أن يسلمنى مسئولية إدارة المعهد مع د. أحمد حسنى، الذى أصبح رئيسا، ود. محمد حسن ياسين الذى أصبح مديرا للتدريب، وتوليت إدارة مركز الأبحاث، وأصبحت عضوا فى مجلس الإدارة وقيادة المعهد.
معركة الكرامة
كانت معركة الكرامة نقطة انطلاقى للعودة الكاملة للنضال داخل الإطار الفلسطينى، أى فى صفوف حركة «فتح». سعيت من جديد لتنشيط دورى بحركة فتح التى انتميت لها وأنا فى الولايات المتحدة عام 1961. كانت هناك اتصالات مكثفة مع أطراف فلسطينية أخرى حاولت جذبى للعمل معها.. التقيت بالشقيرى الذى دعانى للانضمام للجنة التنفيذية. وتصاعد الضغط علىَّ بعد معركة الكرامة لتجنيدى للعمل الفلسطينى فى ثوبه الجديد.
ولكن شابا يانعا كان طالبا فى كلية الهندسة بجامعة القاهرة وصديقا للعائلة واسمه «منير الشرفا»، هو فى الحقيقة المسئول المباشر عن عودتى إلى العمل من خلال فتح، الحركة التى انتميت لها منذ العام 1961. قام منير بمناقشات مستفيضة معى بدأت بتساؤله: أين نبيل شعث؟ وكيف يظل بعيدا عن القضية؟ وعن فتح؟ ولماذا الحيرة والصعوبة فى اتخاذ القرار؟ اشترك مع منير فى التأثير علىَّ من جديد شباب فتحاويون من بينهم عمر السراج وإياد الشرفا ومحمد صالح شحادة، وكلهم من الطلبة الجامعيين فى القاهرة.
ليس الأكبر سنا والأكثر خبرة وحدهم هم الذين يحفزون ويستقطبون الأصغر سنا وخبرة. وقد كان هؤلاء الشباب هم مصدر إلهامى، وهم بإصرارهم وحكمتهم الذين أنهوا حيرتى وحفزونى على العودة للطريق الذى قررته لحياتى.
فى يوم 9 آب (أغسطس) 1968 كنت قد بلغت الثلاثين من العمر. اليوم أدخل حقبة مهمة من حياتى، ولا بد لى أن أتخذ قرارا مهما. كان العرب يسمون الإنسان كهلا عندما يتخطى الثلاثين. قررت فى ذلك اليوم «أنا الكهل» نبيل شعث أن أعود إلى ممارسة عضويتى فى حركتى فتح، مجددا التزامى بالنضال تحت رايتها إلى أن تتحرر فلسطين. ذهبت لهايل عبدالحميد، معتمد حركة فتح بالقاهرة، وعرضت عليه مرة ثانية استعدادى للعمل، فأرسل أحد شبابه واسمه إبراهيم الطرى إلى منزلى لاستطلاع ماذا يمكن لى عمله. سألنى عن تعليمى فقلت له إننى حاصل على الدكتوراه من أمريكا، فقال: إذن أنت تتقن اللغة الإنجليزية؟ قلت نعم، قال: «فلتقم إذن بترجمة بياناتنا»، قلت «أنا حاضر»، وبدأت العمل فى الترجمة فورا.
كنت أقول لزملائى: «إذا أردنا خطابا مقنعا للعالم فنحن نحتاج «للفكرة» وللرؤية، ليس لرد ديماغوجى لا نؤمن بعدالته أو إمكانية تطبيقه، وإنما لما يمكن لنا أن نتبناه ونقنع شعبنا بقبوله». عدت بذاكرتى لمحادثاتى الطويلة والعميقة مع أصدقائى من الأساتذة والباحثين الأمريكان أثناء عملى فى فيلادلفيا، وبعضهم من اليهود. كانت «الفكرة» تدور حول العيش المشترك لمن يلتزم بدولة واحدة ديمقراطية تنبذ العنصرية والاحتلال والطرد القسرى، وتنهى الاحتلال والهيمنة العسكرية.

اقرأ ايصا:

مذكرات نبيل شعث «حياتى.. من النكبة إلى الثورة» (4 - 6): هكذا أصبحت عضوا فى فتح

مذكرات نبيل شعث «حياتى.. من النكبة إلى الثورة» (3 – 6): البحث عن هوية

مذكرات نبيل شعث «حياتى.. من النكبة إلى الثورة» (2 ــ 6): على ضفاف الإسكندرية

مذكرات نبيل شعث «حياتى.. من النكبة إلى الثورة».. فى ظلال يافا «بلد الغريب»

الأربعاء.. «الشروق» تحتفل بإصدار «حياتي من النكبة إلى الثورة» لـ«نبيل شعث» في نقابة الصحفيين

بدء حفل إصدار كتاب «حياتي من النكبة إلى الثورة» لنبيل شعث بنقابة الصحفيين

 



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك