مع بدء المؤتمر الصوفي العام: التصوف مصدر ثري للإبداعات في الأدب والفن - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 3:24 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مع بدء المؤتمر الصوفي العام: التصوف مصدر ثري للإبداعات في الأدب والفن

أ ش أ
نشر في: الأربعاء 18 سبتمبر 2019 - 11:21 ص | آخر تحديث: الأربعاء 18 سبتمبر 2019 - 11:21 ص

تبدأ اليوم الأربعاء، فعاليات المؤتمر الصوفي السنوي العام بمركز مؤتمرات الأزهر الشريف في القاهرة ، فإن المؤتمر يركز هذا العام على دعم الدولة في مواجهة المخططات التي تستهدف تقسيم الشعب المصري، ويؤكد أهمية دور التصوف في تعزيز القيم الأخلاقية السامية، ومجابهة التطرف بقدر ما يحفز لفتح ملف التصوف كمصدر ثري للإبداعات في الأدب والفن.

وحسب بيان صحفي صدر عن "المشيخة العامة للطرق الصوفية" فإن المؤتمر يعد بداية لسلسلة من المؤتمرات يتم تنظيمها على مستوى الجمهورية لتأكيد أهمية دعم الدولة ونشر القيم الأخلاقية والتسامح، فيما قدر الدكتور عبد الهادي القصبي، شيخ مشايخ الطرق الصوفية ورئيس المجلس الأعلى للطرق الصوفية ورئيس ائتلاف دعم مصر، عدد المتصوفة على مستوى العالم ككل في ضوء البيانات المتاحة بما يصل إلى 200 مليون شخص.

ويتفق العديد من المثقفين في مصر والعالم العربي على وجه العموم على أهمية الدور الذي ينهض به التصوف في تعزيز قيم التسامح ومواجهة التطرف، فيما لم يكن من الغريب أن يتعانق الأزهر بوسطيته منذ 8 قرون مع الصوفية لما تمثله من قيم روحية وأخلاقية.

وينوِّه باحث أكاديمي كبير في الأدب الشعبي هو الدكتور أحمد شمس الدين الحجاجي، الأستاذ بقسم اللغة العربية بكلية الآداب في جامعة القاهرة، بانخراط العديد من المتصوفة المصريين على مر الأعوام والأجيال في الأنشطة ذات الطابع الوطني والدفاع عن وطنهم فيما يعد "التصوف الحقيقي من أقوى القوى الاجتماعية في العالم الاسلامي".

وإذا كان التصوف محور اهتمام ثقافي ودراسات في حقول ثقافية متعددة على مستوى العالم ككل فهناك حاجة ماسة لتأمل الصورة الحقيقية للصوفية بكل زواياها وعمقها التاريخي، واستخدام أدوات معرفية عربية - إسلامية في التفسير والتحليل والتنظير، بينما تضم الكثير من المكتبات العريقة كتب التصوف جنبا إلى جنب مع مراجع التراث ودواوين الشعر.

وعلى طريق المعرفة ولج مفكرون مصريون وعرب من أبواب ثقافة التصوف ساعين للنهل من هذا العالم الثري، وتحتفظ الذاكرة الثقافية العربية بإسهامات جليلة لأستاذ الفلسفة الراحل الدكتور عبد الرحمن بدوي، صاحب كتب "تاريخ التصوف الإسلامي" و"ابن عربي" و"شهيدة العشق الإلهي".

وكان الأديب المصري الراحل الدكتور زكي مبارك، قد قدم للمكتبة العربية كتاب "بين التصوف والأدب"، كما قدم الإمام الأكبر الراحل وشيخ الجامع الأزهر الدكتور عبد الحليم محمود، سلسلة غنية من كتب التصوف والثقافة الصوفية، فيما أبحر هرم الرواية المصرية والعربية نجيب محفوظ في التصوف ضمن بحاره الإبداعية، كما بدا مثلا في رواية "ليالي ألف ليلة" ليكون التصوف بإشراقاته الروحية مصدر إبداعات روائية عديدة للنوبلي المصري.

وفيما اتخذ شاعر عربي كبير هو السوري ادونيس، الذي يقف الآن على مشارف عامه التسعين من رموز صوفية أقنعة له ومحورا لقصائده فإن الشاعر المصري الراحل صلاح عبد الصبور، اختار "مأساة الحلاج" عنوانا لمسرحية شعرية من روائع إبداعاته.

وكتب التصوف حافلة برموز وأعلام التصوف مثل محيي الدين بن عربي وجلال الدين الرومي والحلاج وابن الفارض والنفري وابن الجوزي ورابعة العدوية وأبو الحسن الشاذلي وأبو العباس المرسي والسيد البدوي وصولا لعبد الحليم محمود ومحمد متولي الشعراوي.

وحتى في الثقافة الغربية ثمة اهتمام كبير وواضح بالتصوف، ويعكف بعض المفكرين هناك خاصة من المتخصصين في قضايا التصوف والصوفية على بحث دور التصوف في تذليل العقبات أمام الحوار بين المختلفين دينيا وعقائديا مثل ذلك الكتاب الذي أصدره المستشرق الإيطالي وأستاذ التصوف الإسلامي الدكتور جوزيف سكاتولين، بعنوان "تأملات في التصوف والحوار الديني".

وإذا كان المستشرق الفرنسي الراحل لويس ماسينيون قد اشتهر بكتابه الصادر في جزءين بعنوان: "عذاب الحلاج شهيد التصوف في الإسلام" فإن للدكتور جوزيف سكاتولين، عدة كتب وإصدارات في التصوف منها :"ديوان ابن الفارض" والتجليات الروحية في الإسلام"، وكذلك جاء كتابه "تأملات في التصوف والحوار الديني" في جزءين يتناول الجزء الأول موضوع الحوار الديني وأبعاده في عصر العولمة، بينما يركز الجزء الثاني على عالم التصوف والحياة الدينية الروحية.

ويدرك الغرب أن التصوف جزء حيوي فى نسيج العالم الإسلامي، ومن ثم فهو أحد العوامل المؤثرة في تشكيل الخطاب الثقافي والعلاقات الدولية فاللافت بالفعل أن التصوف الإسلامي أمسى موضع دراسات متعددة فى جامعات غربية، وتتردد هناك مصطلحات مثل سياسات التصوف وانعكاساتها على الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، كما تتردد أسماء الطرق والجماعات الصوفية في هذه الدراسات مثل النقشبندية والجيلانية والقادرية.

ولعل ثمة حاجة لمزيد من الاهتمام البحثي المصري والعربي ككل في مجالات الثقافة والمأثورات الشعبية والأنثربولوجي والفلسفة والتاريخ والاجتماع بالواقع الصوفي في القارة الإفريقية، فيما تؤكد مؤشرات عديدة على قوة وفاعلية وأهمية دور التجمعات الصوفية في الحياة الإفريقية، وخاصة في تلك المناطق الواقعة غرب القارة السمراء، وتؤكد كتابات تاريخية متعددة على أن دور الحركات الصوفية مشهود في نشر الإسلام في أفريقيا وآسيا الوسطى ووصولا لنهر الفولجا في روسيا وحتى تخوم الصين.

ولئن ذهب بعض المعنيين بالتصوف إلى أن "الذين تركوا بصمات واضحة وثابتة في الثقافة الإسلامية هم العلماء الذين جمعوا بين قلب الصوفي وعقل الفيلسوف لأن القلوب ترطب حسابات العقول، ولأن العقول تضبط خطرات القلوب" فإن هذه المقولة دالة على أهمية المزج ما بين القواعد العلمية الذوقية والمصطلحات الفنية المشتقة من صميم التجربة الوجدانية الصوفية المتميزة.

ولاحظ بعض النقاد والكتاب "النفس الصوفي الواضح في إبداعات مطرب مصري معاصر هو علي الحجار وخاصة في السنوات الأخيرة تؤكد كتابات ثقافية في مجال الموسيقى والغناء على أن "تحرر الموسيقى الغنائية المصرية من الروح التركية، بدأ بشكل مكثف في أوائل القرن العشرين على أيدي الطرق الصوفية"، فيما استخدمت هذه الطرق الموسيقى عن وعي عميق يحكمه دور مقصود.

وحسب رؤية مثقف ومبدع مصري كبير مثل الراحل خيري شلبي فإن الطرق الصوفية أعادت الموسيقى إلى أصولها كعنصر فاعل في توصيل الذاكرين إلى مرتبة الوجد الصوفي ووضعوا مقامات شهيرة وقسموا هذه المقامات تبعا لمراحل بلوغ الوجد الصوفي.
ومن عباءة المنشدين خرج الذين طوروا الغناء العربي ووصلوا به إالى ذروة عالية من القدرة على التأثير القوي في الوجدان حتى أن الذين نبغوا في الغناء الدنيوي هم أولئك الذين هضموا المقامات الصوفية واستوعبوا تجلياتها ومعظمهم كان يعمل في بطانات المنشدين القدامى ثم أصبحوا بدورهم أعلاما لهم بطاناتهم الخاصة التي يتخرج فيها أعلام جدد.
فليس صدفة إذن أن أعلام فن الموسيقى والغناء في مصر في أوائل القرن العشرين وأواسطه كانوا شيوخا ومنشدين مثل الشيخ محمد عبد الرحيم المسلوب والشيخ درويش الحريري والشيخ يوسف المنيلاوي والشيخ محمود صبح والشيخ ابو العلا محمد والشيخ علي محمود والشيخ زكريا احمد والشيخ سيد درويش.
ومن هنا لم يكن من الغريب أن يلفت عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين للأهمية الثقافية لفنون التلاوة والتجويد والإنشاد والموسيقى على وجه العموم كتشكيل للزمان وهو مجال أسهم فيه المتصوفة بالكثير بقدر ما تتوزع إسهاماتهم الثقافية على مجلات عدة وبعضها لا يخلو من تداخل وتشابك مثل مجالات البلاغة والفن والجمال.

وفي سياق اهتمام ثقافي عربي بالتصوف كمصدر للإبداع، يشير محمد أشويكة في كتابه "السينما المغاربية..قضايا الفرادة والتعدد" إلى أن التصوف كمدد إبداعي يتوهج في إبداعات مثقف وأديب ومخرج سينمائي تونسي كبير هو الناصر الخمير.

ويوضح اشويكة أن الأعمال السينمائية للناصر الخمير توظف العنصر الإبداعي الصوفي ضمن مختلف عناصر الفن الإسلامي كالعمارة والموسيقى، وتعبيرا عن رؤية ترى أن المرجعية الصوفية بمقدورها أن تنقذ الإنسان المعاصر من القلق الوجودي الذي ينهشه، وهى رؤية تبدو واضحة أيضا في مهرجان سماع الدولي الذي تستعد القاهرة لدورته الجديدة.

وواقع الحال أن مهرجانا فنيا وثقافيا مصريا "كمهرجان سماع الدولي للإنشاد والموسيقى الروحية" والذي ستعقد دورته الـ12 من 21 وحتى 27 من شهر سبتمبر الجاري بمشاركة 24 دولة، أمسى إلى علامة دالة ومضيئة على الخارطة الثقافية المصرية "ليؤكد على الشخصية الحضارية المصرية التي تشجع التنوع والانفتاح إنما يعيد للأذهان أيضا العلاقة الوثيقة بين التصوف والإبداع.

وكلما عقد هذا المهرجان تتردد أسماء معالم ثقافية وتراثية مصرية مثل: "قلعة صلاح الدين"و "بئر يوسف"و"شارع المعز"و "مجمع الأديان"، فيما تتفاعل الجماهير مع فنون وثقافات الدول المشاركة في هذا المهرجان من شتى أنحاء العالم، ليتجلى المعنى الكبير للثقافة بأطيافها المتعددة وألوانها المدهشة.

وكانت وزيرة الثقافة إيناس عبد الدايم قد لفتت إلى أن هذا المهرجان الذي يتزامن انطلاقه كل عام مع اليوم الدولي للسلام نجح في جذب الجمهور، وهو "مهرجان مختلف ويصنع حالة من السلام الروحي تدفع النفس إلى السمو".

فيما عرف رئيس المهرجان الفنان انتصار عبد الفتاح بتميزه واهتماماته في "ليالي المقامات الروحية والإنشاد الديني وألوان الموسيقى والغناء الروحي، فإنه ينوِّه بأن هذا المهرجان الذي يهتم بالتراث الروحي في شتى أنحاء العالم إنما يؤكد على الجوهر السامي للأديان.

والأصوات "تمتزج وتنصهر وتتوحد في لحظة إنسانية" بقدر ما يؤكد هذا المهرجان الفني الثقافي على الريادة الحضارية لمصر الخالدة وسعيها لنشر السلام، وتشجيعها في الوقت ذاته للتنوع الثقافي والحضاري، فيما أمست صروح ثقافية وفنية مصرية مثل دار الأوبرا المصرية تقدم عروضا فنية ذات مضمون روحي عميق، ومن بينها أناشيد صوفية "لسلطان العاشقين ابن الفارض" ينشدها الشيخ محمود التهامي.

ومن التجليات الإبداعية الفنية للتصوف ذلك الفن المعروف برقصات "المولوية" التي أمست على وجه الخصوص جزءا من "ليالي الأوبرا الرمضانية" في مصر، فيما يتفاعل الجمهور بقوة وإيجابية مع فنان مثل عامر التوني الذي يبدع في هذا الفن الصوفي وسط أجواء روحانية ومزيج مدهش من الإنشاد والابتهالات في تناغم موسيقي وحركي بالغ الحساسية الإبداعية.

وفي هذا المشهد الثقافي - الفني على أرض الكنانة تتوهج ثقافة التصوف وتتجلى كمدد إبداعي عبر عروض يشهدها الجمهور، بما يعيد للأذهان حقيقة التصوف وتجلياته الفنية الإبداعية الجامعة ما بين كل البشر..إنها قلوب تنهل من شهد المحبة ونفوس تذوب عشقا وشوقا لحبيب ليس كمثله حبيب.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك