على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، رفع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خارطة (شرق أوسط جديد) تظهر فيها مساحة بالأزرق الداكن بجوارها سهم يشير إلى أنها دولة "إسرائيل".
وخلت الخريطة من أي إشارة لمناطق يمكن أن يقيم الفلسطينيون عليها دولتهم المنشودة، بما في ذلك الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة.
كان نتنياهو يتحدث في الدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، وتطرق في كلمته التي ألقاها يوم الجمعة الماضي إلى فرص السلام واتفاقيات التطبيع وإقامة علاقات بين الدول العربية وإسرائيل.
وانهالت الانتقادات، ليس من الفلسطينيين وحدهم، بل ومن محللين ووسائل إعلام إسرائيلية، على الخريطة التي رسمت مشهدا مثيرا للجدل واقتصرت على بيان أسماء دول في المنطقة تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، وهي مصر والسودان والإمارات والبحرين والأردن، بالإضافة إلى المملكة العربية السعودية، في تلميح منه لاقتراب التطبيع معها.
* مشروع "إسرائيل الكبرى"
قال طلال أبو ظريفة، عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية الفلسطينية، إن ما عرضه نتنياهو أمام الأمم المتحدة "هو الممارسة العملية لما تقوم به حكومته على الأرض"، مضيفا أن ذلك يأتي في إطار المشروع الإسرائيلي المُسمى "إسرائيل الكبرى".
ومضى قائلا لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) إن إسرائيل تسعى لحسم الصراع مع الفلسطينيين وتقويض أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية وفق القرارات الدولية.
وتابع "هذه الحكومة اليمينية الفاشية عندما تطرح مثل هذه الرؤية، فهي تتنكر لجميع الحقوق الفلسطينية".
وأضاف أن ذلك "يمثل تحديا سافرا للقرارات الدولية والأممية، والمطلوب تحرك أممي من أجل تمكين الفلسطينيين من حقوقهم".
وردا على خطاب نتنياهو، أكدت الرئاسة الفلسطينية على لسان المتحدث باسمها نبيل أبو ردينة أنه لن يكون هناك سلام أو استقرار في المنطقة دون رضا الشعب الفلسطيني.
وقال أبو ردينة في بيان "السلام يبدأ من فلسطين والاستقرار يبدأ بحصول الشعب الفلسطيني على حقوقه الوطنية المشروعة وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، ودون ذلك لا سلام ولا أمن ولا استقرار في المنطقة والإقليم".
* خطة يمينية
ويرى أستاذ العلوم السياسية إبراهيم أبراش أن خريطة نتنياهو التي عرضها في الأمم المتحدة "تأتي في إطار خطة يمينية تحدث عنها قادة أحزاب ائتلافه الحكومي أكثر من مرة منذ تشكيلهم الحكومة الحالية في إسرائيل".
وأضاف في تصريح لوكالة أنباء العالم العربي "خريطة نتنياهو تأتي في إطار أحاديث سابقة لزعيمي اليمين المتطرف وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش"، لافتا إلى أن ذلك يؤكد رفض الساسة الإسرائيليين لفكرة وجود شعب فلسطيني أو دولة لهم.
وتابع بقوله "للأسف، حتى اتفاقية أوسلو لم تنص على إقامة دولة فلسطينية ولم تكن الفكرة ضمن أي مكاتبات رسمية بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني"، مشددا على أن السياسات الإسرائيلية ثابتة فيما يتعلق برفض إقامة دولة للفلسطينيين.
واستطرد "نتنياهو كان منسجما في خطابه بالأمم المتحدة وفي الخريطة التي قدمها للشرق الأوسط مع اليمين الإسرائيلي المتطرف والخطط التي وضعها قادة اليمين من أجل فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية بالكامل".
* سلام صعب تحقيقه
يقول المحلل السياسي أحمد عوض إن ما طرحه نتنياهو في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة "يعكس مفهوما استعماريا لقوى اليمين الإسرائيلي على حساب الحقوق المشروعة للفلسطينيين وفق القرارات الدولية".
وأضاف في حديث لوكالة أنباء العالم العربي "إسرائيل تحاول الاندماج في المنطقة العربية دون دفع الاستحقاقات اللازمة للفلسطينيين وترفض تقديم أي تنازلات لهم"، مشددا على أن ذلك "يتجاوز الحق والرؤية الفلسطينية وبالتالي فهو أمر من الصعب تحقيقه".
وأردف قائلا "بتقديري، لن يحصل نتنياهو على ما يريد ولن يجد أحدا يمكن أن يتعاطى معه على الرغم من دعم العالم للتوجه نحو الاتفاق الإسرائيلي العربي بعيدا عن الملف الفلسطيني".
وتابع "اليمين الفاشي في إسرائيل وإن كان قد نجح في فرض شروطه ومعادلاته على المنطقة والعالم، إلا أنه وبدون حل جذري للقضية الفلسطينية لن يكون هناك أمن واستقرار في منطقة الشرق الأوسط".
وهو يرى أن المسألة "معقدة جدا، والتطبيع السعودي الإسرائيلي أمامه الكثير من العقبات الفنية والسياسية".
واستطرد "بتقديري من الصعب قبول الرياض بالتطبيع مع تل أبيب دون الحصول على تنازلات إسرائيلية للفلسطينيين".
كان نتنياهو قد قال في كلمته يوم الجمعة إن إسرائيل تقترب من سلام "تاريخي" مع السعودية، مشيرا إلى أن ذلك "سيساهم بشكل كبير في إنهاء النزاع العربي الإسرائيلي وسيدفع دولا عربية أخرى لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل".
وأكد في كلمته إن ذلك "سيخلق شرق أوسط جديدا"، وتابع "يمكننا بناء مستقبل أفضل لكل شعوبنا من خلال العمل مع ولي العهد السعودي".
وفي اليوم السابق، بثت شبكة (فوكس نيوز) الأميركية مقابلة مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان قال فيها إنه لا علاقة للمملكة مع إسرائيل حاليا، لكنه أكد على أن المسألة الفلسطينية مهمة وينبغي حل هذا الجزء في مسار "التطبيع".
* انتقادات من داخل إسرائيل
وفي داخل إسرائيل، لم يسلم خطاب نتنياهو من انتقادات وسائل إعلام إسرائيلية قالت إنه "يكذب" بشأن الخريطة التي عرضها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ولا يوجد فيها مكان فيها لحل الدولتين.
وقال غيلي تماري، المعلق في القناة 13 الإسرائيلية، إن نتنياهو يتحدث عن السلام وعن رؤية شرق أوسط جديد "لكن إذا نظرنا إلى التفاصيل، فمن الصعب جدا صنع السلام في الشرق الأوسط، كما يرسم رئيس الوزراء".
وقالت موران أزولاي، المحللة السياسية لصحيفة يديعوت أحرونوت، إن نتنياهو لم يذكر في خطابه ما هو متوقع من تنازلات للفلسطينيين في إطار اتفاق سلام وفق خريطته الجديدة.
وأضافت أن بن غفير، وزير الأمن القومي وزعيم حزب القوة اليهودية، لن يقبل بمبدأ السلام مقابل الأرض أو السلام مقابل المساس بسيادة إسرائيل.