مجلة العربى - خالد أبو بكر - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 10:24 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مجلة العربى

نشر فى : الثلاثاء 1 يناير 2019 - 10:50 م | آخر تحديث : الأربعاء 2 يناير 2019 - 9:56 ص

(1)

عندما يمسك المرء بالقلم ليكتب عن واحدة من تلك الروافد الثقافية والفكرية التى لعبت الدور الأبرز فى تشكيل وعيه المبكر حتما سيشعر بالعجز؛ فالمشاعر التى تجتاحه عند هذه اللحظة ستكون أكبر مائة مرة من قدرة أى لغة على التعبير عنها.
هكذا وجدتنى عندما شرعت فى الكتابة عن مجلة «العربى» الكويتية الغراء، التى احتفلت طيلة الأشهر الماضية بمرور ستة عقود على سطوعها فى فضاء العالم العربى كأحد أبرز مشاعل التنوير فيه؛ فمنذ أن لامس عددها الأول أيدى قرائه فى ديسمبر ١٩٥٨ لم تدانيها فى المكانة والقيمة تجربة أخرى فى الصحافة الثقافية العربية؛ فإذا كانت مجلة «الرسالة» القاهرية (1933ــ 1953) برئيس تحريرها التاريخى، أحمد حسن الزيات، قد احتلت تلك المكانة فى النصف الأول من القرن العشرين فإن «العربى» منذ صدورها وهى تتربع على هذا العرش دون منازع.


(2)


تفتح وعى جيلى المولود فى منتصف السبعينيات على هذه المجلة التى تهفو إليها نفوسنا؛ فننتظر إطلالتها الساحرة بحلتها القشيبة على أحر من الجمر من الشهر إلى الشهر، حتى صار اقتناء أكبر كم من أعدادها واحدا من دواعى الفخر التى يتباهى بها جيلنا على امتداد الأرض العربية من المحيط إلى الخليج.
منذ أواخر الثمانينيات وطيلة التسعينيات كانت «العربى» هى نافذتى الأثيرة على العالم من قريتى فى الصعيد؛ فمن خلال استطلاعاتها المصورة، تعرفت فى ذلك الوقت المبكر من العمر ــ قبل ظهور الإنترنت ــ على العالم بأقلام وعدسات مجموعة من كتابها ومصوريها الرائعين الذين قدموا إنتاجا شديد الجاذبية والعمق فى «صحافة السفر» لا «أدب الرحلة».
أشدد على أن هذه الاستطلاعات التى تقدمها «العربى» من قارات العالم المختلفة تنتمى إلى ذلك الفن الصحفى المظلوم عربيا (صحافة السفر)؛ فرغم أنها تكتب بلغة أدبية فى غالب الأحيان إلا أنها تلتزم بكل ما يتطلبه الفن الصحفى من دقة وموضوعية ومصداقية وتوازن، بعكس «أدب الرحلة» الذى يغرق فى ذاتية الكاتب وانطباعاته الشخصية.. وهى أمور أبعد ما تكون عن علم الصحافة.
وفى سياق ما قدمته مجلتنا الغراء فى «صحافة السفر» بهذه المواصفات القياسية أجدنى مدينا لأقلام: محمد المخزنجى وأنور الياسين ومحمد المنسى قنديل وسليمان مظهر وصلاح حزين، وعدسة سليمان حيدر.. وغيرهم؛ فأولئك هم الأساتذة الأوائل الذين تعلمنا على أيديهم ما يتعين على الصحفى القيام به إذا ما حلت راحلته فى أى دولة، فلا يليق بالصحفى أن يزور بلدا من دون أن يكتب عنه، وهنا يجب أن تعود لإنتاج هؤلاء الكبار إذا رغبت فى الإطلاع على كتابة فاخرة فى هذا الفن الذى لا يقدر عليه إلا «خواص العارفين» بلغة الصوفية.


(3)

 

أهم ما ميز «العربى» أنها لم تقصر مفهوم الثقافة على الأدب وقضاياه، ولا الفكر وجدلياته، لكنها تجاوزت ذلك إلى صنوف شتى من المعارف والفنون؛ فباب «البيت العربى»، وقبله «مساحة ود» من أهم المنصات الراصدة لمشكلاتنا الاجتماعية وكيفية التعاطى معها، أما عن الاهتمام بالعلوم والجديد فيها، فيكفى تجربة «العربى العلمى»، ذلك الملحق الذى كان شديد الرصانة والرشاقة، كما هو حال المشرف عليه أستاذنا محمد المخزنجى، وباب «الجديد فى العلم والطب» ليوسف زعبلاوى، ولا ننسى الكتابات الاقتصادية الجادة والعصرية مثل مقالات عامر ذياب التميمى و«أرقام» الراحل محمود المراغى، وغيرهما.

 


(4)


إن الدور التنويرى الكبير الذى لعبته «العربى» على مدى ستة عقود يعود إلى انفتاحها على التيارات الفكرية والأدبية العربية كافة؛ فكتابها من كل بقعة من أرض العرب، ويمثلون كل التيارات الفاعلة فيها، لكن السر الأبرز فى استمراريتها على عرش الصحافة الثقافية العربية أنها كانت ومازالت خالصة لوجه قارئها؛ فلم يقف خلفها أى مشروع سياسى، ذلك أن دولة الكويت تتسم على الدوام بدبلوماسيتها الهادئة، التى لا تستهدف اختراقا لغيرها من الدول والمجتمعات؛ فالكويت بلد متصالح مع ذاته ومع محيطه العربى والإسلامى، فكم من صحف وفضائيات ملأت الأرض ضجيجا فى العالم العربى، لكنها سرعان ما خفتت أو بهت أداؤها أو انصرف عنها القارئ أو المشاهد عندما أدرك أنها لم تكن خالصة لوجهه، بل يقف خلفها مشروعات سياسية، وهى التى إذا دخلت على الثقافة أفسدتها.
Kaldbkr@hotmail.com

التعليقات