اجتذب الصراع العنيف بين الفلسطينيين والإسرائيليين في غزة انتباه المجتمع الدولي. وبالرغم من أن وقف إطلاق النار قد أوقف العنف بشكل مؤقت، فإن موت الآلاف من المدنيين الفلسطينيين والدمار الهائل للممتلكات في غزة قد أثار موجة من التعاطف مع الشعب الفلسطيني في أنحاء العالم.
إلا أن الملاحظ بشأن أحدث صراع يقع في غزة هو عدم الظهور الملحوظ نسبيًّا من جانب الصين، التي ينظر إليها كأحد الدول الأكثر قوة في العالم. و مع أن بكين أصدرت على نحو روتيني نداء لوقف إطلاق النار، فقد امتنعت الحكومة الصينية عن استخدام ثقلها الدبلوماسي الضخم على أي من إسرائيل والولايات المتحدة. بل على العكس، تحاشت الصين اتخاذ موقف قوي قد يُفهم منه أنها تحابي أحد طرفي الصراع. إلا أن اللافت للنظر أن هذا الحياد الرسمي يسير على عكس اتجاه الرأي العام الصيني الذي يتعاطف بقوة مع الفلسطينيين.
قد يحكم الصين نظام الحزب الواحد، ولكن في السنوات الأخيرة اكتسب الرأي العام نفوذًا متزايدًا في التأثير على السياسة الخارجية الرسمية لبكين. إذ لا يمكن للقادة الصينين تجاهل المشاعر الشعبية عند وضع السياسة الخارجية أو تنفيذها. وفي الماضي، وفيما يتعلق بقضايا مثل العلاقات مع اليابان والسياسات تجاه الولايات المتحدة، كانت الآراء القومية المتصاعدة تجبر بكين على تبني مواقف متشددة، نظريًّا على الأقل.
ولكن لماذا لا تخضع بكين للآراء الشعبية القوية المؤيدة للفلسطينيين وتتدخل بفاعلية في صراع الشرق الأوسط؟
الإجابة الأكثر مباشرة هي أن الجمهور الصيني قد يشعر بتعاطف شديد بشأن محنة الفلسطينيين في غزة، إلا أن معظم الصينيين العاديين يفهمون أن صراع الشرق الأوسط ليس واحدًا من الاهتمامات القومية الأصيلة للصين. ونتيجة ذلك هي أنهم في الوقت الذي يعلنون فيه تأييدهم الأخلاقي للفلسطينيين لا توجد لديهم أي أسباب مقنعة تجعل حكومتهم تتخذ إجراءات فعلية ـ ومن المحتمل أن تكون مكلفة. وبالطبع تفهم الحكومة الصينية هذه الديناميكية.
وعليه فقد تبنت الصين موقفًا متوازنًا، فهي من ناحية تدين العنف وتدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار (وهو ما يروق للفلسطينيين)، ومن الناحية الأخرى قررت الصين عدم انتقاد أي من إسرائيل أو الولايات المتحدة على نحو مباشر. وبينما كانت الصحافة الصينية مؤيدة بوضوح للفلسطينيين، كانت بيانات الحكومة الصينية الرسمية محايدة إلى حد ما.
أما السبب الأكثر أهمية لعدم ظهور الصين بشكل جلي في الشرق الأوسط، فله علاقة بحسابات المخاطر و المكافآت إذا اتخذت بكين سياسات أكثر تفاعلية. فمن المؤكد أن المنطقة في سبيلها لأن تكون مهمة فيما يتعلق باحتياجات الصين من الطاقة. ذلك أن ما يزيد على ستين بالمائة من واردات الصين النفطية يأتي من الشرق الأوسط. و قد أصبحت المنطقة كذلك سوقًا مهمة للصادرات الصينية.
ولكي تحمي الصين مصالحها الضخمة والمتنامية في الشرق الأوسط، اتخذت العديد من المبادرات. فعلى سبيل المثال، زار الرئيس الصيني هو چنتاو المملكة العربية السعودية في عام 2006 مباشرةً بعد توقفه في واشنطن. بل وعينت الصين مبعوثًا خاصًّا للمنطقة (وإن كان من الواضح أن هذا المبعوث الخاص ليس لديه الكثير الذي يفعله في الوقت الراهن).
ومع ذلك فالصين راضية بالجلوس على الخط عندما يندلع صراع خطير، كما هو الحال الآن. ذلك أن بكين مترددة في التدخل مباشرةً أو بجرأة، لأنها تفهم أن مثل هذا العمل سوف يثير عداء واشنطن على الأرجح ويضر العلاقات الصينية الأمريكية، وهو الأمر الأكثر أهمية بالنسبة لها من علاقاتها مع العالم العربي. وكشأن القوى العظمى التقليدية، تعترف الصين وتتمسك بمفهوم "مناطق النفوذ"، وتدرك أن الشرق الأوسط يقع ضمن منطقة النفوذ الأمريكية، لذلك ينبغي أن تكون شديدة الحرص وهي تسير فيه.
بالإضافة إلى ذلك، تدرك الصين تعقد الحسابات السياسية في الشرق الأوسط. فبما أن العالم العربي منقسم وغير متماسك، فقد ينتهي الحال بالصين وقد أضاعت معظم طاقتها، وأثارت استياء بعض أصدقائها، ولم تحصل في المقابل على شيء له قيمته. ويعرف الذين تعاملوا مع الصينيين - أحد أكثر شعوب العالم براجماتية- أنه من الصعب تخيل تبني حكومتهم سياسة تتسم بطابع متهور و غير مجدي.
وهكذا فإنه مع استمرار العنف والمأساة في غزة وازدياد المشاعر العامة التهابًا في الصين، سوف تحافظ بكين على عدم تدخلها بكل ثقلها تاركة فرز الأمور لمن لهم مصلحة في القتال. وهي سوف تتصرف على هذا النحو رغم أن الشعب الصيني يود رؤية الفلسطينيين العاديين وقد حصلوا على المزيد من الدعم الدولي.