حرفنا الجميلة - نيفين مسعد - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 9:20 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حرفنا الجميلة

نشر فى : الخميس 1 ديسمبر 2016 - 9:30 م | آخر تحديث : الخميس 1 ديسمبر 2016 - 9:30 م
أتيح لى أن أزور المعرض الدولى للحرف اليدوية الذى أقيم على أرض المعارض من 18 إلى 25 نوفمبر الماضى، والذى أشرفت عليه وزارات التضامن الاجتماعى والثقافة والبيئة، ورعته ونظمته وأعلنت عنه جهات أخرى عديدة. لم يكن المعرض من حيث مساحته بالضخامة التى تصورتها قبل زيارته فهو عبارة عن جناحين أحدهما مخصص لمنتجات سيوة وسيناء والنوبة والآخر يعرض منتجات من أنحاء أخرى مختلفة فى مصر، أما من حيث التنوع فلقد كان من الثراء بما فاق توقعاتى بكثير.

وضع الفنانون فى الحيز الضيق المتاح لهم كل ما يمكن تصوره من روائع الحرف اليدوية المصرية: الزجاج الملون، منتجات الكروشيه، الحفر على الخشب والرسم على الزجاج والفخار، الأشغال النحاسية ومصابيح الشمع والقلائد الفضية، السجاد اليدوى والمنسوجات القطنية والمصنوعات الجلدية الفاخرة. بدا المكان أشبه ما يكون بمتحف تنبعث منه رائحة مصر القديمة، وعززت الأجنحة على الجانبين صلة الزائر بتراث مصر وتاريخها من خلال أسماء موحية مثل: أنامل مصرية، جود، ألف ونون، زركشة، يشمك وغير ذلك كثير. وعندما أتيح لى أن أتكلم مع بعض الفنانين، وأكثرهم فى العقدين الثالث أو الرابع من أعمارهم، أحببت المكان أكثر فقد نقلنى حديثهم من التطلع فى وجوههم إلى احترام عقولهم التى تبدع أفكارا بسيطة ونيرة.. وكل نجاح مبعثه فكرة. ولذلك وجدتنى مستفزة حين سمعت سيدة تسأل عن سعر كرسى خشبى مرسوم عليه شخصيات مصرية تكاد تنطق لفرط روعتها وجمال ألوانها، وحين أجابتها الفنانة العارضة مستبشرة طرحت السيدة عليها السؤال: كم سعر كرسى المقهى؟ فإذا بالعارضة تفحمها بما يليق: «كرسى المقهى يباع فى المقهى أما هنا فنحن نبيع الأفكار»، سرنى الرد. كان التنظيم جيدا والمكان نظيفا، وهذان عنصران لازمان لإظهار قيمة المعروضات وبهائها فكم من أشياء نفيسة لم يلتفت إليها أحد بسبب سوء الإخراج.

***

ألحظ منذ فترة ليست كبيرة اهتمام الدولة بالصناعات الحرفية وأتمنى أن يكون ذلك توجها عاما ودائما لها، فقبيل نهاية عهده افتتح المهندس إبراهيم محلب معرضا دائما للمصنوعات اليدوية فى محل عمر أفندى بشارع أحمد عرابى فى حى المهندسين، ومثل هذا التغير النوعى فى طبيعة نشاط المحل أحدث نقلة لا تخطئها عين فى مستوى الإقبال عليه، ففيه عينة من منتجات المعرض الدولى للحرف اليدوية مع فارق مهم هو إتاحة تلك المعروضات للبيع طوال العام. والواقع أن دور الدولة فى تشجيع الحرف اليدوية لا ترتبط أهميته فقط بالترويج للصناعة المصرية وتوفير العملة الأجنبية، ولا يكتسب قيمته حتى من مجرد فتح أبواب عمل واسعة للشباب الموهوب، فمع كل التقدير للأسباب الاقتصادية السابقة إلا أن العامل الأهم الذى يوجب الحرص على الحرف اليدوية فى رأيى هو الحفاظ على شخصية مصر، وكم أعجبنى ما ذهبت إليه إحدى الفنانات فى مركز الحرف التقليدية بالفسطاط (أو سوق الفسطاط) حين قالت «نحن هنا لا نمارس البيزنس نحن نعرض الأصالة». ويعد سوق الفسطاط من المشروعات الرائدة التى تستحق كل دعم وتشجيع، فكما فهمت من فيلم تسجيلى عن هذا المكان عرضته إحدى الفضائيات المصرية أن السوق يعود عمرها إلى خمسة عشر عاما، وأنه يضم نحو٤٠ محلا تعرض كل ما يمكن تصوره من الحرف اليدوية التى تتميز بها مصر، كما أن المكان له رسالة تقوم على تعليم تلك الحرف لكل الأعمار مما يحفظها من الاندثار، وتلك رسالة محترمة. ولعل أول أوجه الدعم التى يمكن أن تقدمها الدولة لسوق الفسطاط الإعلام به ونشر المعرفة بوجوده على أوسع نطاق، فلقد لفت نظرى فى الفيلم التسجيلى عن السوق قول أحد الفنانين «إن الإقبال ضعيف لأن كثيرين لا يعرفون بوجودنا». كما أن القروض الصغيرة والمتوسطة جديرة بأن تستهدف الأنشطة الحرفية، وذلك مع اهتمام خاص بعملية التدريب والتعليم التى فهمت أنها تتم بمقابل رمزى. ومثل ذلك يقال على ضرورة الاهتمام بقرية الفخارين وقرية كرداسة وقرية تونس فى الفيوم فجميعها مشروعات يحفر أصحابها فى الصخر ويكاد لا يسمع بمشروعاتهم أحد ربما باستثناء مشروع واحد أو اثنين. وقد يكون من الملائم أيضا التفكير فى أن تظهر الصناعة التقليدية كنشاط أساسى ضمن أنشطة الوزارات القائمة، ففى تونس على سبيل المثال هناك وزارة للتجارة والصناعات التقليدية، كما أن فى الجزائر وزارة للتهيئة العمرانية والصناعة التقليدية، فالأمر إذن ليس بدعة، وفى الاتجاه نفسه حبَذا لو تعطى الدولة اهتمامها لغرفة صناعة الحرف اليدوية الناشئة فى إطار اتحاد الصناعات المصرية.

***

إن من يقدر له التجول فى بلداننا العربية تتاح له على الأرجح فرصة الدخول من الأبواب القديمة كباب اليمن فى صنعاء وباب مراكش فى الدار البيضاء وباب تونس فى العاصمة، هذا الدخول ينقل العابر من الحاضر إلى الماضى حيث التراث والأصالة وكل المصطلحات التى نستخدمها للتعبير عن الهوية والخصوصية.. إلخ، فكل قطعة من الفخار أو السيراميك أو الزرابى (السجاد فى اللهجات المغاربية) نفخ فيها صاحبها من روحه ونفسه وتوحد معها لأيام وربما لشهور، وعندما نزين جدراننا وبيوتنا فى مصر بمثل هذه القطع فنحن فى الواقع لا نتواصل فقط مع تاريخ وثقافة هذه الدولة أو تلك لكننا نتواصل أيضا من ناسها وإبداعاتهم ونشعر بالمشترك بيننا.

***

أتمنى أن تكون أبواب مصر القديمة مداخلنا إلى ذاتنا التى افتقدنا التواصل معها، آمل ألا يكون تجديد شارع المعز منفصلا عن بعث حرفنا اليدوية الجميلة، أتطلع إلى ألا يذهب السائح فقط إلى خان الخليلى لكن إلى كل خان ومكان فيه إبداع وجهد وصبر، ولن يتم هذا دون أن تتضمن كل منشوراتنا السياحية إشارة لتلك المواقع وأيضا للصفحات الإلكترونية الموثوقة والمنتقاة لعدد من الفنانين والفنانات الذين لا تسمح ظروفهم بأن يكون لهم منفذ للبيع ويتواصلون مع زبائنهم عن طريق الفيسبوك. أود ألا يكون الجمل المصنوع من الجلد ضمن ما يشتريه زوارنا فليست الصحراء هى ما يميز مصر ولا نحن ننفرد بها، لكن تميزنا تلك المنمنمات والنقوش والحفريات التى تتماوج فيها الحقب التاريخية الفرعونية والقبطية والإسلامية والتى تمثلها أنامل الصانع المصرى بمهارة شديدة وتواضع أشد، ولعل من المعرض الدولى للصناعات اليدوية تأتى الانطلاقة ويتعزَز دور الدولة.

 

نيفين مسعد أستاذة بكليّة الاقتصاد والعلوم السياسيّة جامعة القاهرة. عضو حاليّ فى المجلس القوميّ لحقوق الإنسان. شغلت سابقاً منصب وكيلة معهد البحوث والدراسات العربيّة ثمّ مديرته. وهي أيضاً عضو سابق فى المجلس القوميّ للمرأة. حائزة على درجتي الماجستير والدكتوراه من كليّة الاقتصاد والعلوم السياسيّة – جامعة القاهرة، ومتخصّصة فى فرع السياسة المقارنة وبشكلٍ أخصّ في النظم السياسيّة العربيّة. عضو اللجنة التنفيذية ومجلس أمناء مركز دراسات الوحدة العربية ببيروت. عضو لجنة الاقتصاد والعلوم السياسية بالمجلس الأعلى للثقافة. عضو الهيئة الاستشارية بمجلات المستقبل العربي والسياسة الدولية والديمقراطية
التعليقات