مدرسة المشاغبين!! - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 8:08 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مدرسة المشاغبين!!

نشر فى : الخميس 2 أبريل 2009 - 4:09 م | آخر تحديث : الخميس 2 أبريل 2009 - 4:09 م

 العالم يسير فى اتجاه غير مسبوق، تتوحد فيه المصالح وتتقارب، وينتظم فى تجمعات أو اتحادات أو أحلاف، تشكل تنظيمات تتنازل فيها كل دولة عن جانب صغير أو كبير من سيادتها واستقلاليتها.. وذلك فى سبيل اكتساب مكانة متميزة لفرض إرادتها والدفاع عن مصالحها وسط صراع الإرادات والمصالح التى تحرك العالم.

وعلى الرغم من أن العرب وجدوا فى مؤسسة الجامعة العربية منذ أكثر من نصف قرن، مظلة توحد صفوفهم وتولد فيما بينهم مشاعر التضامن والتكافل فى وجه الأطماع والخصومات، فإنه فى الوقت الذى أخذت تتعاظم فيه مراكز التجمعات الدولية الأخرى، مثل الاتحاد الأوروبى وحلف الأطلنطى وتجمع دول أمريكا اللاتينية وجنوب شرقى آسيا وغيرها.. أخذت منظمة الجامعة العربية تفقد يوما بعد يوم كثيرا من أسباب وحدتها ونفوذها، حتى لم يعد أمينها العام يخفى ضيقه ويأسه من صلاح أحوالها.

تنفرد الجامعة العربية، من بين عشرات المؤسسات والمنظمات الدولية فى العالم، بأنها مجرد رابطة للملوك والرؤساء والحكام العرب، لا تمثل فيها مصالح الشعوب، ولا تناقش القضايا والمشكلات التى تعانى منها الأوطان والجماعات التى تشكل هذا البحر المترامى من 22 دولة. بل تكتفى بلقاءات دورية تجمع الملوك والرؤساء أو من ينوب عنهم.. لتصفية الخلافات فيما بينهم، وتسهيل الاتصالات، وتسليك القنوات..
وهم يتصورون أحيانا أنهم يقررون مصير الحرب والسلام، أو مصائر الشعوب التى يحكمونها.

ومن الممكن لكى تكتمل الصورة أن تدرج مشاكل التعليم أو التجارة أو أخطار العدوان الإسرائيلى والمشكلة الفلسطينية.. ولكن ذلك كله لا يخرج عن مجرد بيانات أو قرارات تحفظ فى أضابير الجامعة العربية. لأن القرارات الحاكمة فى مصير العالم العربى، لا تتخذ بشكل جماعى ولا بتوافق الإرادات، ولكن باستراتيجيات وسياسات تمليها القوى الكبرى وبتعاون وتنسيق مع هذه الدولة العربية أو تلك.

ولذلك لم يكن غريبا أن تجد معظم المشاكل المصيرية طريقها إلى الحل فى ساحات دول أخرى خارج قاعات الجامعة العربية، وأن تصبح القمم الدورية والتشاورية للرؤساء والملوك، مجرد اجتماعات شكلية لا تسفر عن سياسات جديدة تتفق مع المتغيرات العالمية، بل ميدانا لتصادم المشاعر المتباينة بين الحب والكره والمفاضلة الشخصية.

فالرؤساء والملوك هم هم لا يتغيرون بتغير الظروف. بل إن بعض هذه الجلسات لو رفع عنها ستار السرية ــ كما يحدث أحيانا ــ لبدت مثل فصل من فصول مسرحية «مدرسة المشاغبين».. التى يأتى فيها التعبير تلقائيا دون الالتزام بالنص ويشارك فيها الجمهور مع الممثلين فى لعب أدوار غير مرسومة.. ولا يستمد فيها ممثل هذه الدولة أو تلك كحاكم أو رئيس أو ملك مكانته أو نفوذه من أنه يعبر عن شعبه ومصالحه، بل عن رأيه الشخصى وإحساسه بالعظمة والمكانة التى تؤهله لأن يتكلم فيُسمع، وأن يقول فيطاع!

ومن هنا يمكن أن نفهم المواقف الطريفة التى شهدها اجتماع القمة الأخير، حين أراد العقيد القذافى أن يتصالح مع العاهل السعودى بطريقته، فأعلن أنه على استعداد لتبادل الزيارات معه، لأنه قائد أممى وعميد الحكام العرب وملوك أفريقيا وإمام المسلمين.. وهو لا يريد أن ينزل عن هذا المستوى.

انعقدت قمة الدوحة وغابت مصر عنها، وبقيت الملفات الأساسية، التى تعكر صفو الحياة السياسية فى العالم العربى بدون حلول جذرية. وتباهى بعض الكتاب بأن حضور مصر أو غيابها هو مقياس النجاح والفشل، وهو مفتاح الحل والربط لكل شىء. وهى مبالغات لا ينبغى أن نخدع أنفسنا بها.

وتصوروا مثلا لو حدث فى أية تجمعات دولية أخرى مثل الاتحاد الأوروبى، وهى تعج الآن بخلافات عميقة حول قضايا بالغة التعقيد والحساسية تتصل بالأزمة المالية العالمية، وتمس مصالح واقتصاديات ورفاهية شعوب بأكملها، أن اصطدمت آراء ساركوزى رئيس فرنسا بالسيدة ميركل مستشارة ألمانيا، أو اختلف أوباما فى رؤيته لأساليب حل الأزمة عن رؤى الشركاء الأوروبيين فى اجتماع قمة العشرين.. وامتنع هذا عن الحضور وقاطع ذاك الاجتماع.. ماذا ستكون النتيجة؟

مصائر الشعوب لا يمكن أن تترك لإرادة أفراد يحكمونها ويتحكمون فيها.. وهذا هو الفارق بين شعوب تصنع التقدم، وشعوب عاجزة حتى عن البقاء حيث هى!!

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات