ابتسامة «استير» - سامح فوزي - بوابة الشروق
الإثنين 2 ديسمبر 2024 7:16 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ابتسامة «استير»

نشر فى : الثلاثاء 2 مايو 2017 - 10:10 م | آخر تحديث : الثلاثاء 2 مايو 2017 - 10:10 م
الوعى من المصطلحات المهمة فى حياة البشر. نكأ كارل ماركس المصطلح بقوة عندما تحدث عن نقيضه «تزييف الوعى»، أى أن يعيش الإنسان بوعى زائف، وكلما كان وعى الإنسان زائفا، كانت تصرفاته تعبيرا عن الزيف، وليس عن إدراك حقيقى للواقع.

فى أسبوع واحد توقفت أمام زيارة بابا الفاتيكان، ورحيل المكرسة «استير» بأسقفية الشباب.

يتحدث البابا فرنسيس فى كل رسائله عن الوعى الروحى الحقيقى. يرفض توحش الرأسمالية، وطغيان النزعة الاستهلاكية، ويدعو إلى سقوط الاقنعة، والعودة إلى الجوهر الإنسانى الذى تراكمت عليه طبقات من المادية القاسية. فى كلامه الذى وجهه إلى المصريين أثناء زيارته تحدث عن الله الذى يقبل غير المؤمن، ولا يقبل المؤمن المزيف. سوء عاقبة من يتحدثون عن الحرية ويمارسون الظلم. الشخص الذى يظهر بالشكل الدينى المزيف فى المجتمع، ولا يعيش حياة التدين الحقيقى. الزيف الذى يجعل الناس ترتاب فى المتدين، وقد تتجه فى حالات فقدان المصداقية إلى اتخاذ موقف سلبى من الدين ذاته بناء على صورة مغلوطة عن شخص ادعى «التدين».

لم يكن حديث البابا فرنسيس بالنسبة لى مفاجأة، فأنا أتابع خطواته وأحاديثه منذ سنوات، فهو بابا الفاتيكان القادم من الأرجنتين محملا بوعى اجتماعى متميز، ويدرك معاناة البشر، ويعرف كيف أن الاقتصاد المستغل خلق وعيا دينيا زائفا محيطا به، يعطيه الشرعية أو على الأقل يحجب عنه النقد الدينى. فى عيد الميلاد طالب الناس بأن يبحثوا عن الطفل يسوع المولود، الفقير، المحب، الباذل، ولا ينشغلوا بالمظاهر، والأبهة، فهو عيده، وليس عيد المجتمع الاستهلاكى.

عشية مجىء البابا فرنسيس إلى القاهرة رحلت شخصية محبة هى المكرسة «استير» أو كما يطلق عليها «تاسونى استير»، تعرفها من ابتسامتها الدائمة، ومقابلتها الطيبة، لم يمنع المرض القاسى الذى استمر لسنوات الناس من ابتسامتها، وخدماتها ونشاطها المستمر فى أسقفية «الشباب» بالكنيسة القبطية، وهى المعروف عنها خدمة الفقراء والمحتاجين، والشباب، وأظهرت قدرة على التوثيق والإعلام. رحلت فى صمت فى مطلع الاربعينيات من عمرها، الهدوء غلف رحيلها، والمرض غيب حضورها، لكن ابتسامتها ظلت فى مخيلة كل من يعرفها، إلى حد أن الكل بات يعرفها بابتسامتها، ولم نجد لها صورة إلا وهى مبتسمة. لم تكن ابتسامتها «زيف» أو «ادعاء» ولكن تعبير عن جوهر محب للناس. ودعها الأنبا موسى ــ أسقف الشباب ــ المؤمن الحقيقى غير الزائف، واصفا إياها بابنته الروحية، وشارك العديد من قيادات الكنيسة فى وداعها.

نعود إلى «الوعى الروحى»، أى الوعى بأن الحياة ليست فقط ماديات، لكن طاقة إيمان، وحرية، واستنارة، وتغيير إلى الأفضل. كلمات البابا فرنسيس تذكرنا بالوعى الروحى غير الزائف، وابتسامة «تاسونى استير» الحقيقية غير الزائفة تذكرنا بأن صورة المرء نابعة من جوهره. كل ذلك يجعلنا نفكر فى كيفية استنهاض خطاب دينى إنسانى، ليس شكليا زائفا، بل حقيقيا، يستعيد «الجوهر»، ويركز عليه، ولا ينحصر فى «المظهر»، ويخشى عليه، بلغة أريك فروم، المفكر الشهير، الذى تحدث عن الإنسان بين الجوهر والمظهر.

فى أوقات كثيرة أتصور أن من كثرة الأكاذيب فى حياتنا لم نعد نرى جوهرا متواريا، بل شكلا زائفا تحول إلى واقع.

 

سامح فوزي  كاتب وناشط مدني
التعليقات