عندما يصبح العدل اختياريًا.. عن الأجور أتحدث - أميمة كمال - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 8:48 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عندما يصبح العدل اختياريًا.. عن الأجور أتحدث

نشر فى : الأحد 2 يونيو 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 2 يونيو 2013 - 9:50 ص

بابتسامة عريضة تعلو وجه وزير المالية الدكتور فياض عبدالمنعم طالعتنا الصحف يوم الخميس الماضى بإنذار وزارى رقيق اللهجة. يلفت فيه الوزير المنضم حديثا إلى الحكومة نظر جميع العاملين بالحكومة والقطاع العام بأن هذا التاريخ هو اليوم الأخير للإبلاغ طوعا عن أنفسهم إذا ما كان أحد منهم قد تقاضى أكثر من الحد الأقصى للأجور..

 

وبالتالى عليه ألا يتردد فى تسليم ما تقاضاه زائدا عن حقه عن طيب خاطر للوحدة الحسابية، التى من المفترض أنها قد تشكلت فى كل جامعة وهيئة وجهاز وشركة ومصنع وبنك قطاع عام لكى تتلقى الأموال الزائدة عن الحد القانونى، تمهيدا لتسليمها لوزارة المالية.

 

●●●

وطبقا لتذكير الوزير، فإن موعد تسليم الأموال (المحرمة قانونا) قد انتهى بالفعل. فهل يتخيل أحدكم أن رئيسا لإحدى شركات القطاع العام أو مسئولا كبيرا فى إحدى الهيئات القومية أو الخدمية أو الاقتصادية أو قاضيا فى محكمة أو رئيس إحدى الجامعات الحكومية أو قيادة أمنية فى جهاز الشرطة أو عضوا فى مركز قيادى فى هيئة الرقابة الإدارية أو مراقبا كبيرا فى جهاز المحاسبات أو مسئولا بارزا فى هيئة قناة السويس أو فى البنك المركزى أو واحدا من القيادات العاملة فى أحد البنوك العامة أو عضوا من أعضاء السلك الدبلوماسى وهى الجهات المخاطبة بهذا القرار.

 

هل واحد منهم قد استبق المهلة وتقدم طوعا وأمسك بآلته الحاسبة، وأجرى عمليات ضرب وقسمة حتى توصل إلى إجمالى ما يتقاضاه من عضوية مجالس إدارات، ومن بدلات لحضور جمعيات عمومية أو مكافآت مقابل استشارات يقدمها لبعض الجهات الحكومية، ووجده زائدا عن 35 مثل الحد الأدنى للعاملين فى أقل وظيفة داخل نفس الجهة التى يعمل فيها، وهو ما يقتضيه قرار رئيس الوزراء كمال الجنزورى رقم 322 لعام 2012 الخاص بتحديد الحدين الأدنى والأقصى، ثم قام بتسليم الأموال التى وجدها زائدة عن الحد إلى جهة عمله. هل يتخيل أحدكم ذلك؟ بالقطع لا.

 

والأدهى من ذلك أن الجهات هى الأخرى لم تنفذ ما ألزمها به القرار من تحديد الحدين الأدنى والأقصى لدخول العاملين لديها وإذاعة ذلك على الجميع داخل كل جهة. باختصار منذ إصدار القرار وحتى الآن لم يتم ضبط مسئول واحد متلبس بأخذ القرار مأخذ الجد.

 

●●●

ولكن لماذا لم تتحمس الجهات ذاتها لتطبيق القرار بالرغم من أن وزير المالية السابق الدكتور المرسى حجازى تذكر هذا القرار فجأة فى شهر مارس الماضى. وأرسل للوزارات والهيئات والجهات الحكومية منشورا يذكرهم فيه بأن عليهم أن ينفذوا ما جاء به؟

 

أغلب الظن أن الكل لم يتحمس للقرار لأنه فهم من فحواه أن الحكومة لا تبغى تطبيقه على نحو جاد. وإنه لا يعدو أن يكون سوى محاولة فاقدة الحماس من نظام حاكم لا يبغى عدلا حقيقا، ولا يهدف صادقا لوقف التفاوت الصارخ فى مستويات الدخول بين المصريين. ولكن كل ما أراده من القرار هو امتصاص غضب الناس وتخفيف نقمتهم على الظلم الاجتماعى الذى ثاروا عليه، وتصوير الحكومة وكأنها فى مسعى لتحقيق العدالة الاجتماعية الغائبة.

 

فلو كان النظام الحاكم يبغى عدلا حقا لكان قد ألزم رئيس الوزراء بما جاء فى حكم محكمة القضاء الإدارى قبل الثورة الذى نص على وجوب اخضاع العاملين فى القطاع الخاص للحد الأدنى للأجور الذى يكفل لهم مستوى معيشة كريمة.

 

وكان اهتم بإشارة القاضى إلى أنه لا يجوز لجهة الإدارة أن تتخلى عن واجبها إهمالا أو تواطؤا، وتترك أجرة العمال لهوى أرباب الأعمال من أصحاب رأس المال، دون إلزامهم بالحد الأدنى حتى لا يستغلوا حاجة العمال إلى العمل وإجبارهم على تقاضى أجور غير عادلة. أى أن الحكومة عندما أصدرت قرارا بتحديد الحد الأدنى للأجور، وتجاهلت النص على تطبيقه على القطاع الخاص، كانت من وجهة نظر المحكمة تهمل فى دورها أو تتواطؤ مع رجال الأعمال. وفى الحالتين هى لا تبغى مساواة حقيقية ولا تقيم عدلا اجتماعيا هو شرط ضامن لاستمرار أى نظام.

 

●●●

ويكفى دليلا على انعدام الإرادة السياسية لتحقيق العدالة تجاهل النظام بأجهزته لحقوق العاملين فى القطاع الخاص وعدم تضمينهم داخل قرار الحكومة بتحديد الحد الأدنى للأجور. لأن ما يكشفه جهاز التعبئة والإحصاء من أن متوسط الأجور الأسبوعية للعاملين فى القطاع الخاص بلغت العام الماضى 395 جنيها، وهى منخفضة عن العام الأسبق.

 

بينما كان متوسط الأجور المثيلة للعاملين فى القطاع العام وقطاع الأعمال 845 جنيها فى نفس العام بزيادة عن العام الأسبق. ما يكشفه الجهاز الحكومى يثبت أنه لن تتحقق العدالة دون النظر فى تحسين أوضاع العاملين بالقطاع الخاص، التى تعتبر أكثر سوءا من القطاع العام.

 

ولو كان النظام الحاكم بحكومته ومجلسه التشريعى يبغى العدالة حقا لما كان قد ترك كل جهة تحدد الحد الأدنى والأقصى للأجور كما تشاء. لأن التفاوت ليس فقط بين العاملين فى نفس الجهة ولكن بين القطاعات وبعضها.

 

فهل يعقل أن يكون متوسط الأجر الأسبوعى لرجال التشريع وكبار المسئولين والمديرين 1643 جنيها وللعاملين فى الوساطة المالية 1116 جنيها فى مقابل 387 جنيها لعمال تشغيل المصانع. ولا يزيد ذلك المتوسط على 212 جنيها بالنسبة للعاملين فى التعليم فى السنة الماضية. وكان على الحكومة أن تنص فى قرارها على حد أقصى لايتجاوزه الجميع. لأن هناك بعض القطاعات مثل البنوك والوساطة المالية يمكن أن يصل فيها الحد الأقصى إلى ما يزيد على 150 ألف جنيه فى الشهر.

 

لو كان النظام الحاكم مخلصا لفكرة العدل الاجتماعى باعتباره أمرا حتميا وليس اختياريا ولا تستقيم الثورات فى غيابه لما جعل الفرق بين أصغر عامل وأكبر مسئول يصل إلى 35 مثلا. وكان يكفيه نصف هذا الرقم. ربما كنا صدقناه. ربما.

أميمة كمال كاتبة صحفية
التعليقات