حبة الموت الرخيص - ليلى إبراهيم شلبي - بوابة الشروق
الإثنين 6 مايو 2024 1:17 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حبة الموت الرخيص

نشر فى : الجمعة 2 سبتمبر 2022 - 8:10 م | آخر تحديث : الجمعة 2 سبتمبر 2022 - 8:10 م

أعترف أننى وإلى عهد قريب لم أكن أعرف لتعبير «حبة الغلة» إلا مجموعة مترادفات لا تشى إلا بكل المعانى الجميلة.. فحبة الغلة لم تكن فى وجدانى وحدود معارفى إلا مرادفات لحبات القمح.. الخير والنماء والحصاد ورائحة الخبز الطازج فى يوم الخبيز أهم يوم فى أسبوع الأسرة الريفية المصرية.
هو بلا شك تقصير منى أظهره الإعلان عن مجموعة حوادث تدمى القلب لانتحار شباب وشابات آخرها الشاب الذى انتحر إثر تنمر زملائه به، نظرا لتضاءل قدرته على الإبصار ثم تلك الشابة التى آثرت الموت على حياة تفتقد فيها الحنان والمحبة من عائلتها ومجتمعها.
فاجأتنى أن الأمر أكثر بكثير مما تصور الجميع وأن «حبة الغلة» الصغيرة والتى لا يتجاوز وزنها بضعة ميلجرامات والتى تستخدم فى «تبخير» المحاصيل الزراعية من الحبوب خاصة القمح والفول والتى تخزن فى صوامع مغلقة تعد قمة جبل الجليد التى تظهر بينما يخفى ماء المحيط البقية الهائلة منه.
وفقا لما سمعت من معلومات علمية جاءت على لسان أ.د/ محمود عمرو أستاذ الطب المهنى والبيئة ومؤسس المركز القومى للسموم، والدكتورة فاطمة على أحمد أستاذ كيمياء النبات ورئيس شعبة البيئة وزراعات المناطق الجافة بمركز بحوث الصحراء فى مواقع مختلفة للإعلام ووسائل التواصل الاجتماعى والتى حرصت على تفقدها باهتمام فوجئت بما زاد من همى وحيرتى فى الأمر.
الحبة السامة تدخل البلاد بصورة رسمية معلنة كمبيد حشرى مصرح به يستخدمها الجميع فى مكافحة التسوس الذى تُحدثه الحشرات فى الحبوب عند تخزيها بعد الحصاد. رخص سعرها والذى لا يتجاوز جنيها واحدا زاد بعد أن ذاع أمرها فى الإعلام، لكنها بالطبع مازالت الطريقة الأرخص لحفظ الحبوب بديلا عن وسيلة التبخير الحقيقية الأعلى تكلفة.
يتم استيراد حبة الموت من الهند والصين واسمها العلمى «فوسفيد الألومنيوم»، وتباع فى أماكن متعددة منها الجمعيات الزراعية والصيدليات ومحال البقالة والعطارة فى الريف.
تعتبر من مبيدات التدخين بمعنى أنها تتفاعل مع البيئة المحيطة وما فيها من رطوبة ليخرج منها غاز «الفوسفين» شديد السمية، وهو للأسف غاز لا يمكن إبطال مفعوله متى انطلق فهو سم خالص لا ترياق له.
المقصود أن يقتل الغاز الحشرات فى الغلال أو شقوق المخزن، أما أن تصل إلى يد الإنسان بطريق الخطأ أو القصد للانتحار حينها تفتح أبواب جهنم ولا تنغلق إلا بوفاة الإنسان فى فترة قد لا تتجاوز ساعة زمنية واحدة.
تتفاعل الحبة مع أحماض المعدة لتنشطر إلى جزأين جزء منه الألومنيوم أو الزنك أو الكالسيوم (كلها معادن تدخل فى تركيب الحبة) والجزء الآخر هو غاز الفوسفين الذى يعد قنبلة كيميائية تنفجر فى المعدة. لك أن تتصور عزيزى القارئ مدى الألم الذى يحدثه هذا الانفجار الذى يشعل النار فى جسد الإنسان ولا شىء على الإطلاق يمكنه التدخل، فالماء يزيد من اشتعال التفاعل الكيميائى.
يدمر الانفجار أجهزة الإنسان مستهدفا القلب فى البداية ثم الجهاز التنفسى يلى ذلك كل أجهزة الجسم. هذا عدا الآلام المبرحة على جلد الإنسان من الداخل وتستمر قسوتها فى التصاعد حتى تخمد الحياة تماما فى جسم الإنسان وتنطفئ جذوتها.
الأمر جد خطير ويحتاج إلى قرار سيادى حاسم بوقف استيراد حبة الموت الرخيص، والبحث عن وسيلة أخرى آمنة على البشر لحفظ الغلال. البلاد العربية مثل السعودية والأردن حظرت استيراد «حبة الموت» فهل نأمل أن يتخذ فى بلادنا قرار مماثل؟
هناك بلاشك حلول لإبادة الحشرات وحماية المحاصيل يجب دعم وتشجيع أبحاثها فى المركز القومى للبحوث وكل مركز البحث المصرية التى تهتم باقتصاديات النشاط الزراعى حلول تضمنه أمن وسلامة الإنسان المصرى، فلا يتيح خاصة للشباب تلك الوسيلة الهينة الرخيصة للموت على طريق سريع بلا رجعة.

التعليقات