نشرت جريدة البيان الإماراتية مقالا للكاتبة عائشة سلطان، تناولت فيه أن الإفراط فى امتلاك الأشياء المادية (كالبيوت الفخمة، والسيارات، والمقتنيات الاستهلاكية والترفيهية، بل وحتى الصورة الذاتية المبالغ فيها) يؤدى بالإنسان تدريجيا إلى فقدان حريته وتحوّله من مالك لهذه الأشياء إلى خادم ومقيّد بها.. نعرض من المقال ما يلى:
 
يقال «إن الأشياء التى تملكها، تملكك فى النهاية». وهى عبارة عميقة تُنسب عادة إلى فلاسفة وكتاب مختلفين، وقد وردت على لسان أحد أبطال الفيلم الأمريكى (نادى القتال) المبنى على رواية بنفس الاسم للكاتب الامريكى تشاك بولانيك، فهو صاحب المقولة أو الفكرة.
والفكرة تقوم على أن الإنسان، أى إنسان، حين يكثر امتلاكه للأشياء المادية - كالبيت، السيارة، المقتنيات الترفيهية والاستهلاكية المتزايدة بلا ضرورة، الهواتف، الأسماء التجارية الباهظة من الملابس وغيرها، وحتى تلك الصورة المتعالية والمضخمة عن نفسه - يبدأ تدريجيا فى فقدان حريته أمامها، يصبح لها الكلمة الأولى واليد الطولى عليه، على تصرفاته، كلماته، علاقاته، صورته فى المجتمع وعلى وسائل التواصل.. إنه يجتهد بكل طاقته ليتفق هذا الظهور مع تلك الممتلكات.. وهكذا!
كلنا يريد، يرغب، يحلم، يتمنى الحصول، يسعى للكثير من الاحتياجات والرغبات والمقتنيات، لأنه يجدها عند أصدقائه، فى محيطه، تظهر له فى كل لحظة ومكان من خلال السوشال ميديا وإعلانات التليفزيون ولوحات الشوارع الضخمة والمضاءة، كلنا يقع تحت ضغط الرغبة فى أن يحظى بما يرى وما يتلألأ أمامه، وما يمتلكه ويتداوله الناس فى محيطه، فى البداية يتمكن من امتلاكها، لأنها تُريحه أو تُمكّنه من الإحساس بأنه ليس بأقل ولا بالمحروم!
لكن مع الوقت يصبح هو خادما لها: فيجتهد ليحافظ عليها، يخاف أن يخسرها، يقيس قيمته بوجودها، ويقضى وقته فى العمل لأجل إبقائها، يهندس حياته قياسا عليها، تصير أمرا حاضرا فى ذهنه، أكثر حتى من أبنائه، لأنها تكلفه الكثير وتعنى له أكثر مما نتصور!
تصير الأشياء عبئا ماديا ثم تتجاوز إلى أن تتحول عبئا روحيا لا مجرد ممتلكات، وأشياء.
تستولى على مساحة من وقته واهتماماته ومكانه وأحاديثه ونشاطه، ثم تحتل روحه، وتحدد له ما يمكنه وما لا يمكنه فعله.
فى النهاية بدل أن تكون أدوات للحياة، تصبح هى الحياة نفسها، وبينما كان أكثر خفة وراحة فيما سبق، يصبح أكثر ثقلا وانشغالا فيما بعد!