سجال كثير دار حول الخانة التى يمكن أن يوضع فيها كتاب «الأيام» لطه حسين، أتكون سيرة ذاتية أم رواية؟
نجيب محفوظ، مثلًا، رأى أن طه حسين فتح الأبواب لألوان كثيرة من الرواية العربية، بينها ما كتبه عن صراع الإنسان مع القدر فى «الأيام»، فكأن محفوظ هنا أقرب إلى اعتبار «الأيام» رواية. مثله رأى ثروت عكاشة، فرغم الاتفاق على أن أحداث «الأيام» وشخوصها هى حياة طه حسين نفسه، فهو لم يحاول أن يخفى شيئًا من كل هذا، فإن عكاشة لا يوافق على وضع الكتاب فى خانة السيرة الذاتية دون مناقشة، فالعميد تكلم عن الفتى بصيغة الشخص الثالث، فهو لم يقل «أنا»، وروى القصة كما تروى أى قصة نصنعها بخيالنا لتحمل إلى الناس ما نريد أن نقول.
الروائى والناقد شكرى المبخوت رأى فى كتابه «سيرة الغائب، سيرة الآتى»، أن نص «الأيام» مخاتل، وعصىّ على التصنيف ما بين الرواية والسيرة الذاتية، فطه حسين خلق نصه من معدن التردد واللبس، فلا هو رواية تقرّ فتطمئن إليها نفسك، ولا هو سيرة ذاتية أوفت شروط هذا الفن حقها، فالكتاب يروى بأسلوب طه حسين قصة حياة الرجل، ويدرجها فى جنس السيرة الذاتية انطلاقًا من معارفه الحدسية بطرائق انتظام هذا اللون الأدبى، ما جعل الكتاب يشفّ عن بعض قواعد كتابة السيّر ذاتية، مثل المنظور الاستعادى وازدواج البطل، فهو صبى تارة وكهل تارة أخرى.
أما الناقد إيهاب الملاح، فإنّه يعدّ «الأيام» التى صدر جزؤها الأول عام 1927، أول سيرة ذاتية فى الأدب العربى كله، واعتمدت مصدرًا أساسيًا لكل ما يتعلق بحياة وسيرة وتفاصيل طه حسين، وكذلك لكل الدراسات التى تناولت حياته منذ مولده حتى السنة التى انتهى فيها من كتابة الجزء الأول (1927)، ثم الجزء الثانى (1955)، وحتى صدور الجزء الثالث فى سنة 1972.
هذا السجال لم يأتِ من فراغ، إنه ينمّ عن أهمية هذا العمل فى تاريخ الأدب، وهو بالفعل جمع بين خصائص روائية وأخرى سير ذاتية، بصرف النظر عن غلبة إحداها على الأخرى، وما نحن بصدده هنا هو الظروف التى بدأ فيها طه حسين فى كتابة «الأيام»، وفق ما تناولته زوجته ورفيقة حياته، سوزان، فى كتابها عنه «كنت معك»، فبعد أن هدأت العاصفة الفكرية التى طالت طه حسين بعد صدور كتابه «فى الشعر الجاهلى» أخذته سوزان إلى إحدى القرى فى منطقة «هوت سافوا» الفرنسية، ليستعيد عافيته ويُشفى من مرارته، وهناك، فى غضون تسعة أيام فقط، كتب الجزء الأول من «الأيام»، كمن أراد التعافى، بالكتابة، مما لحق به من ظلم، فقط لأنه فكّر بشكل مختلف عن السائد.
حسن مدن
جريدة الخليج الإماراتية