حزام النار! - خالد سيد أحمد - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 10:56 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حزام النار!

نشر فى : الجمعة 3 يناير 2020 - 8:40 م | آخر تحديث : الجمعة 3 يناير 2020 - 8:40 م

التطورات المتلاحقة منذ موافقة البرلمان التركى يوم الخميس الماضى، على مشروع قانون يسمح بإرسال قوات إلى ليبيا، وإعلان الولايات المتحدة فجر أمس، عن قتل قاسم سليمانى، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثورى الإيرانى، تؤشر إلى أن المنطقة مقبلة على تصعيد غير مسبوق ومواجهات مفتوحة على جميع الجبهات، تهدد بشكل مباشر مصالح مصر وأمنها القومى.

فى الحالة الأولى، يبدو أن الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، عاقد العزم على التوغل أكثر وأكثر فى الملف الليبى، والسعى إلى تغيير قواعد اللعبة فى هذا البلد العربى، وخلق واقع جديد، لن يكون بأى حال من الأحوال فى مصلحة مصر الأمنية أو الاقتصادية سواء فى ليبيا أو فى ثروات الغاز المتدفق بمنطقة شرق البحر المتوسط.

الخطوة التركية التى كانت متوقعة، ردت عليها القاهرة برسائل لا تخطئها عين، حيث اجتمع مجلس الأمن القومى برئاسة الرئيس السيسى، لبحث عدد من القضايا الحيوية المتصلة بالأوضاع الإقليمية والدولية الراهنة، بما فى ذلك «التطورات الراهنة المتصلة بالأزمة الليبية، والتهديدات الناشئة عن التدخل العسكرى الخارجى فى ليبيا، حيث تم تحديد مجموعة من الإجراءات على مختلف الأصعدة للتصدى لأى تهديد للأمن القومى المصرى»، وفق بيان المتحدث الرئاسى.

الخارجية المصرية أصدرت بدورها بيانا، أدانت فيه الخطوة التركية، وحذرت من «مغبة أى تدخل عسكرى تركى فى ليبيا وتداعياته»، مؤكدا أن «مثل هذا التدخل سيؤثر سلبا على استقرار منطقة البحر المتوسط، وأن تركيا ستتحمل مسئولية ذلك كاملة»، مشيرا إلى أن «هذا التدخل يهدد الأمن القومى العربى بصفة عامة، والأمن القومى المصرى بصفة خاصة، مما يستوجب اتخاذ جميع الإجراءات الكفيلة بحماية المصالح العربية من جراء مثل هذه التهديدات».

أما فى الحالة الثانية، والخاصة بتبنى وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون»، مقتل الجنرال الإيرانى قاسم سليمانى فى هجوم قرب مطار بغداد «بتوجيه من الرئيس دونالد ترامب»، وتأكيدها أن الجنرال الإيرانى كان «يطور بنشاط خططا للهجوم على الدبلوماسيين الأمريكيين وأفراد الخدمة فى العراق وفى جميع أنحاء المنطقة».

سليمانى هو قائد فيلق القدس، منذ عام 1998، وهى فرقة تابعة للحرس الثورى الإيرانى والمسئولة عن العمليات العسكرية والعمليات السرية خارج الحدود الإقليمية لإيران ويبلغ من العمر 62 عاما، وينظر إليه الكثير من المراقبين على أنه مهندس التوسع الإيرانى فى المنطقة، والرجل الثانى من حيث القوة والنفوذ فى النظام الإيرانى. وتحمّل الولايات المتحدة سليمانى وقوات فيلق القدس، المسئولية عن مقتل المئات من أفراد القوات الأمريكية وقوات التحالف، وقالت إنه «دبّر» هجوما صاروخيا فى 27 ديسمبر الماضى، والذى تسبب فى مقتل متعاقد أمريكى، كما أنه صدّق أيضا على الهجمات على السفارة الأمريكية فى بغداد التى وقعت الأسبوع الماضى.

الهجوم الأمريكى الكبير، أسفر أيضا عن مقتل قيادات شيعية بارزة، منها مقتل أبو مهدى المهندس، والذى يتولى منصب نائب رئيس الحشد الشعبى الشيعى فى العراق والبالغ من العمر 66 عاما، والذى لعب دورا مهما فى مواجهة تنظيم داعش الإرهابى.

هذان التطوران البارزان فى المنطقة، وما قد ينجم عنهما من تداعيات كبيرة، أشبه بـ«حزام نار» يحاصر مصالح مصر وأمنها القومى.. فدخول أردوغان إلى ليبيا، سوف يسهم فى تسهيل انتقال العناصر الإرهابية والقوات المقاتلة إلى هذا البلد العربى، الأمر الذى يسهم فى تأجيج حالة عدم الاستقرار، وتهديد أمن دول الجوار الليبى، خصوصا مصر التى تشترك مع ليبيا فى حدود تماس تبلغ 1200 كيلو متر.

ليس هذا فقط، بل إن دخول تركيا إلى المنطقة، يهدد مصالح مصر الاقتصادية فى مناطق ثروة الغاز الهائلة فى شرق البحر المتوسط، والتى تشير الكثير من التقديرات إلى أن حجم احتياطى الغاز الطبيعى الذى يمكن استخراجه من باطن البحر بنحو 122 تريليون قدم مكعب، وهو ما يجعل هذه المنطقة مطمعا لكل القوى، وخاصة تركيا التى تريد أن تحصل بغير وجه حق على جزء من كعكة الثروة فى المتوسط.

كذلك إذا اندلعت مواجهة عسكرية كبيرة فى الخليج، جراء اغتيال الولايات المتحدة لقاسم سليمانى، فإن مصالح مصر وأمنها القومى سوف يتأثر بلاشك.. فالقاهرة تردد دائما أن «أمن منطقة الخليج العربى يمثل بالنسبة لمصر إحدى الركائز الأساسية للأمن القومى العربى ويرتبط ارتباطا وثيقا بالأمن القومى المصرى».

تحديات كبيرة تفرض نفسها على صانع القرار فى مصر، وتستدعى فى البداية تكاتفا شعبيا وراء قيادته لدعم قراراتها المتعلقة بمواجهة تلك الأزمات، وثانيا ترويا للتعامل بحكمة بالغة مع تداعياتها المرتقبة، من أجل التغلب على حزام النار الذى يحيط بنا، والدفاع عن مصالحنا وأمننا القومى بكل الوسائل الممكنة، سواء كانت سياسية أو غير سياسية، ومن دون أن ننجر إلى فخ أو شرك قد يكون منصوبا لبلادنا.

التعليقات