«دروب» الكويتى.. تجربة ثقافية رائدة - إيهاب الملاح - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 2:29 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«دروب» الكويتى.. تجربة ثقافية رائدة

نشر فى : الجمعة 3 يونيو 2016 - 10:00 م | آخر تحديث : الجمعة 3 يونيو 2016 - 10:00 م

هناك على ضفاف الخليج العربى، فى دولة الكويت وقبل خمسة أعوام، نما حلم بسيط فى وجدان ثلاثة من شباب مثقف تلاقوا حول طرح أسئلة بسيطة: ماذا لو تجاوزنا فكرة معرفة الآخر بالسماع؟ ما الذى يمنع أن نتعرف على جوانب من تاريخنا ونستكشف طبقات من المعرفة العميقة حول فترات ووقائع تاريخية شكلت محطات فاصلة فى موقعنا من العالم والتاريخ معا؟ هل يمكننا أن نتجاوز البكاء على اللبن المسكوب ونتخلى قليلا عن أدبياتنا البكائية ومروياتنا التمجيدية ونكتشف عالما آخر؛ جغرافيا حقيقية كانت مسرحا لقيام دول ونشوء حضارات وانتقالها إلى غيرها من الأمم؟


ببساطة كان طرح هذه الأسئلة هو الباعث على ظهور هذا المشروع الثقافى الباهر المسمى «دروب». مركز ثقافى تأسس فى 2011 بدولة الكويت، بمبادرة من الكاتب والروائى الشاب عبدالوهاب الحمادى. وعبدالوهاب الحمادى لمن لا يعرفه كاتب كويتى وروائى واعد من أعماله المهمة روايته اللافتة «لا تقصص رؤياك» التى وصلت إلى القائمة الطويلة لبوكر 2015، وهو يشكل مع نظرائه من كتاب الرواية الكويتية الموهوبين مثل سعود السنعوسى وباسمة العنزى وبثينة العيسى ظاهرة حيوية ونشطة وتساهم بقوة وفعالية فى رسم المشهد الروائى العربى فى السنوات الخمس الأخيرة.


بالأساس نشأت فكرة مركز دروب الثقافى، منذ بدايته قبل 5 أعوام، من اتخاذها فكرة الطواف على حضارات العالم والتعرف عليها وعلى عادات وتقاليد الشعوب أساسا رئيسيا ومحوريا لنشاطه، لم تعد القراءة وحدها سبيلا للاكتشاف؛ بل باتت الرحلة والمعاينة البصرية وسيلة حية وضرورية موازية للقراءة فى التعرف على أماكن وتواريخ، وقائع وأحداث، شواهد وحضارات كان لها دورها، توازت أو تقاطعت مع تاريخنا العربى والإسلامى بصورة أو أخرى، ومن ثم فإن الشغف بالتعرف عليها واكتشاف تفاصيلها لم يعد ترفا ولا نشاطا هامشيا.


تلاقت تلك الفكرة مع فكرة أخرى قوامها إحياء فن عربى أصيل، ونوع أدبى له تاريخ وخصوصية فى تراثنا العربى؛ أقصد «أدب الرحلة» أو «أدب الرحلات» التى ترك فيها الرحالة العرب والمسلمون مكتبة بديعة تزخر بمؤلفات ما زلنا نعود إليها ونتدارسها حتى الآن. هكذا ظهرت «دروب» إلى النور، البداية كانت إلى الأندلس، تنظيم رحلات «تثقيفية» إلى الأندلس، التعرف على ملامحها ومدنها وآثارها التاريخية، خاصة ما ارتبط منها بفترة وجود العرب والمسلمين طيلة ثمانية قرون.


نشاط دروب الأساسى يقوم على تنظيم جدول محاضرات لمحبى هذا اللون من كتابة الأدب، تتنوع المحاضرات ما بين أكاديميين يروون تجربتهم عند القدوم إلى الشرق (مثلما حصل مع الدكتور ريموند فارين من الجامعة الأمريكية، ومتخصص فى تاريخ المغرب مثل سعد الغامدى، ومحاضراته عن الرحلات إلى الأندلس بعد السقوط وما دونه الرحالة العرب، كما أن هناك أيضا محاضرات لرحالة كويتيين منهم: عبدالكريم الشطى، أحمد البريكى، فاطمة المطر، فاطمة المفرح، ورحالة مجلة العربى الكويتية وكتاب استطلاعاتها؛ الروائيان إبراهيم فرغلى وأشرف أبو اليزيد).


عندما أخبرنى عبدالوهاب الحمادى بأن مركز دروب الثقافى الكويتى، سينظم رحلة نوعية للبرتغال بالتعاون مع دار كتاب ومؤسسة «ساراماجو»، فى تعاون هو الأول من نوعه بين المؤسستين، وأنه خلال هذه الرحلة ستتاح الفرصة لأول مرة لمن ينضم لها من كُتَاب شباب بأن يناقشوا روايتين لخوزيه ساراماجو الحائز على جائزة نوبل فى الآداب مع محررة رواياته «ريتا بيس»، طلبت منه فورا أن يساعدنى فى إجراء حوار مطول مع محررة روايات ساراماجو، وهو ما حصل فعلا، وتلقيت منها إجابات كاملة عن أسئلتى عن طريق عبدالوهاب ستنشر قريبا وبنصها الكامل.


شغفت أكثر بالتعرف على هذا اللون من النشاط البديع، وأردت أن أسأل صديقى عبدالوهاب عن هذه التجربة الرائعة. حكى لى عبدالوهاب عن هذه التجربة بعشق، قال: «دروب: طريقك لاكتشاف العالم».. هذا شعارنا فى مركز دروب الثقافى الذى تأسس عام 2011. عن ظروف التأسيس، حكى عبدالوهاب «للتو كنت قد أصدرت كتابى الأول «دروب أندلسية»؛ كتاب أردته أن يكون عتبة أولى لمن أراد الدخول للتاريخ الأندلسى، وعتبة أدبية أولى لى حيث حولت القصص التاريخية لقصص قصيرة ودسست فيه ما استطعت من أسباب نشوء وسقوط بعيدا عن تلك المتداولة فى أدبياتنا البكائية. ضمنت الكتاب حلما بأن أرى فى أزقة قرطبة، مجموعات سياحية عربية كتلك التى رأيتها من كل ملة عدانا. فى تلك الأثناء لم أكن أعلم أن ثمة شابين كويتيين، يطوفان الأزقة ذاتها ويمتلكان الحلم ذاته؛ عمر العبدالغفور ود.على الكندرى، طافا بالمدن الرئيسة وحولا الحلم إلى خطة عملية من مزارات وفنادق ومواصلات. ثم تقاطعت طرقاتنا وبات الحلم مشتركا».


هكذا، وبحسب عبدالوهاب، نشأ مركز «دروب» وأطلق المؤسسون على الرحلة الوليدة: «دروب أندلسية». انطلقوا من إسبانيا التى تختزن اللحظة الرومانسية فى تاريخنا العربى والإسلامى، الأندلس. لم يرد عبدالوهاب ورفاقه وقوفا معتادا على الأطلال وبكاء الديار. بل حاولوا رسم الصورة التاريخية بكل أبعادها الممكنة وسعوا إلى شحن الناس بالسؤال: لماذا تنهض الدول وترتفع ويعلو نجمها، وكيف تنتهى ولماذا؟ «مع حرصنا على البعد عن الإجابات المعلبة والمجافية للعقل»، يقول الحمادى.


بعد عدة رحلات ناجحة؛ عرضت دار الآثار الإسلامية فى الكويت على مركز دروب تنظيم رحلة لحسابهم لإسبانيا، كان تحديا، إذ إن الدار التى تشرف عليها الشيخة حصة السالم الصباح معروفة برحلاتها المحترفة وذات البرنامج الدقيق التى تقيمها لأعضائها. نظمت «دروب» الرحلة وانضم لها 50 مسافرا، يقول الحمادى «طفنا معهم على الأندلس واكتسبنا خبرة وسمعة سهلت الطريق نحو تعاونات أخرى مع: الجامعة الأمريكية فى الكويت، جامعة الكويت وجامعات وهيئات خليجية ورحلات خاصة. بدأت الفكرة تنتشر بعدما مل الناس السياحة التقليدية».


ما أروع أن تبدأ نشاطا محدودا يحظى بانتشار ونجاح كبيرين بفضل دأب وإخلاص القائمين عليه من ناحية، ومن ناحية أخرى البعد عن الطرق التقليدية والأفكار البالية فى التنفيذ، لا بد من التجديد والخروج من أنفاق التنظيمات التقليدية المملة للبحث عن أشكال مبتكرة لأنشطة ثقافية وفعاليات تثقيفية كتلك التى تبنتها «دروب».


لم تعد «دورب الثقافية» تقصر رحلاتها النوعية على الأندلس فقط، يقول عبدالوهاب «بدأنا فى المرحلة الثانية وخرجنا من الأندلس لنكتشف إيطاليا فصنعنا: «دروب إيطالية»؛ عصر النهضة. حيث اكتشفنا عصر النهضة بدأ من فينيسيا مرورا بفلورنسا وصولا لروما. ولم نكتف بذلك وعبرنا المتوسط نحو مملكة المغرب وصنعنا «دروب مغاربية» وطفنا فى تاريخها العريق. ثم قررنا عبور بحر الظلمات وصنعنا رحلتين لأمريكا الجنوبية؛ إلى ألبيرو والأرجنتين والبرازيل والمكسيك».


الفكرة التى بدأت بسيطة من حلم وثلاثة شباب ذرعوا طرقات الأندلس كبرت من الكويت وانتشرت ولا تزال. «لا نريدها أن تخرج من طور الحلم، حلم أن نكون الطريق لاكتشاف العالم. طريق ما يزال طويلا ومليئا بالتحدى والإثارة»..


تحية إلى مركز «دروب الثقافى» الكويتى، وتحية إلى القائمين عليه، وإلى الكاتب والروائى الموهوب عبدالوهاب الحمادى.