عالم بلا غرب ولا شرق - إبراهيم عوض - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 10:43 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عالم بلا غرب ولا شرق

نشر فى : الأحد 4 يناير 2015 - 8:35 ص | آخر تحديث : الأحد 4 يناير 2015 - 8:35 ص

كان فوز الباجى قايد السبسى برئاسة الجمهورية التونسية فى الدور الثانى من الانتخابات المنعقد فى شهر ديسمبر الماضى موضوعا لقراءات عديدة ومتباينة فى تونس ذاتها وفى عموم العالم العربى.

الخصوم التاريخيون للتعددية والديمقراطية وغير المبالين بهما وبمنهجهما فى بناء الأوطان رأوا فى هذا الفوز عودة إلى «جادة الصواب»، الجادة التى ميزتهم وتميزوا فيها. بالنسبة إلى الكثيرين منهم الرئيس الجديد من رفاق الحبيب بورقيبة، مؤسس تونس المستقلة ومحدِثها، ولكنه محدِثها على الطريقة الفردية السلطوية. من بين هؤلاء الخصوم من كان قد أيد القبضة الأمنية لزين العابدين بن على، وربما تمنَى أن يعيد الباجى إغلاق هذه القبضة بإحكام تاقوا إليه. بالنسبة للخصوم التاريخيين للتعددية والديمقراطية، كانت السنوات الأربع الماضية فترة بين قوسين، قوسها الثانى هو انتخاب السياسى القديم رئيسا جديدا.

المفارقة هى أن هذه هى نفس مقاربة الغالبية العظمى من أتباع الإسلام السياسى بل وبعض من غير أتباعه من أنصار الثورة على الأوضاع التى كانت قائمة قبل يناير 2011. هؤلاء اعتبروا هزيمة الرئيس المؤقت المنصف المرزوقى ردَة عن الثورة وانحرافا مؤكدا عن مسارها وتهديدا بالعودة إلى التعسف والسلطوية والفساد.

•••

فريق ثالث ذكَر أن الوصال كان قد انقطع بين الباجى قايد السبسى وزين العابدين بن على منذ سنة 1991 وأن الباجى اعتزل السياسة منذ ذلك الحين ولم يعد إليها إلا بعد يناير 2011. هذا الفريق كان مرتابا من أنصار المنصف المرزوقى واعتبر أن فوزه بالرئاسة سيفتح الطريق أمامهم وأمام الإسلام السياسى ليطبق مقاربته لإدارة الشئون العامة المناقضة للحداثة. هذا الفريق وجلة من الثوريين المعارضين لنظام ما قبل يناير رأى أن رئاسة الباجى من شأنها أن تثبِت الأقدام على طريق الحداثة، التى لا بدَ منها للممارسة الحقة للتعددية. يمكن للمراقب أن يجد تقاربا بين البورقيبيين من أعضاء الفريق الأول والفريق الثالث. الهموم الديمقراطية لدى هذا الفريق موجودة وإن كان البعض يظن أن الحداثة تنافسها على الأولوية.

الفريق الرابع يشترك فى الكثير مع الفريق الثالث. أعضاؤه من معارضى نظام بن على ومن قبله نظام بورقيبة وينعون على كليهما سلطويتهما. الفريق الرابع لم يرتح كذلك لممارسة المنصف المرزوقى للسلطة ولا لآفاق كان يمكن أن يفتحها فوزه بالرئاسة. غير أن هذا الفريق أكثر اطمئنانا للعملية الديمقراطية وإلى ما صارت إليه فى الأشهر الخمسة عشر الأخيرة. هذا الفريق يشير إلى حيوية المجتمع المدنى وإلى دوره الحاسم فى عملية التحول السياسى وإلى الحلول الوسط التى قبلتها أطراف هذه العملية فى تونس، والحلول الوسط والقبول بها هى من جوهر الديمقراطية. هذا الفريق ليس غافلا عن أن بين أنصار النهضة من يخاصم التعددية والديمقراطية، ولكنه يثق فى أن توزيع القوى الاجتماعية والسياسية فى تونس لا يسمح لخصوم التعددية من أنصار الإسلام السياسى بأن يفرضوا مقاربتهم لإدارة الشئون العامة. الفريق الرابع يشير إلى أن حركة النهضة وزعيمها راشد الغنُوشى بالذات يدركان الشىء نفسه وهو ما انعكس فى الامتناع عن التقدم بمرشح رئاسى ثم فى قبول انتخاب الباجى قايد السبسى. غير أن الغنُوشى والفريق الرابع يشتركان فى تقدير آخر، ألا وهو أنه لا عودة فى تونس إلى الانفراد بالسلطة والتسلط والقمع، وذلك لسبب بسيط ألا وهو أن توزيع القوى السياسية، مضافا إليه تنظيمها، لا يسمحان بذلك. الخمسة وخمسون فى المائة من الناخبين الذين أعلن عن انتخابهم للباجى ليسوا كافين لممارسة التسلط ولقمع الخمسة والأربعين فى المائة الآخرين. التقارب فى الأصوات، وإدراك حدود التحرك السياسى الذى يسمح به، هما الضمانة الأولى للتعددية والديمقراطية. لعل غياب هذا الإدراك عن الإخوان المسلمين فى مصر، وعدم تقديرهم لأن أغلبية المصريين ليسوا منظمين سياسيا، هما من أولى أسباب سقوطهم وانهيار تجربتهم فى الحكم. لا يمكن الثقة ثقة مطلقة فى تحليلات الفريق الرابع وتقديراته، ولكن عدم الثقة هو صفة جوهرية أخرى من صفات الديمقراطية. كلما نزعت إلى الوثوق فى نتيجة العملية السياسية، كلما خلعت عنها صفات الديمقراطية.

•••

ما آلت إليه عملية التحول فى تونس حتى الآن فيه بيان على أنه لا يوجد استثاء عربى من التطور الفكرى والسياسى العالمى. هذا الاستثناء زاد للمقاربة الاستشراقية التى تؤكد منذ مطالع القرن التاسع عشر على «أن الشرق شرق والغرب غرب وأنهما لن يلتقيا قط». «للغرب» قواعد للسلوك و«للشرق» قواعد أخرى. هذه المقاربة اتخذت مبررا أخلاقيا للاستعمار وللإمبريالية بادعاء أنهما سينتشلان الشعوب المتخلفة من تخلفها وليرتقيا بها إلى مستوى قواعد «الغرب». خصوم حكم الناس لأنفسهم بأنفسهم من أجل تحقيق مصالحهم، بعبارة أخرى، خصوم الديمقراطية، راقت لهم المقاربة الاستشراقية وشددوا على أنه بالفعل «للغرب» قواعده، و«للشرق» قواعده المختلفة، وبالتالى فإن الديمقراطية وتحقيق الناس لمصالحهم، بدون وصاية عليهم، غريبان على «الشرق» لا مكان لهما فيه. لسان حال هؤلاء الخصوم كان بمثابة «فلتتركونا ننفرد بناسنا فنحن أعلم بطباعهم ومصالحهم وكفُوا عنا تدخلاتكم». ولقد ساعد خصوم الديمقراطية فى موقفهم سابق سوء النية الاستعمارية والإمبريالية.

الاستيقاظ العربى فى 2011 لقى ترحيبا لدى البلدان الواقعة إلى الشمال من العالم العربى، ولكنه كان ترحيبا غير خالص تنازعه المكونان الديمقراطى والاستشراقى المتناقضان فيها. وفى بلدان الاستيقاظ العربى، لجأت أطراف متعددة إلى المقاربة الاستشراقية لكى تبقى على وصايتها على الشعوب وتحرمها من حكم نفسها بنفسها.

•••

نتيجة الانتخابات الرئاسية التونسية، بعد البرلمانية، والتداول السلمى للسلطة فيهما بيان على أن الديمقراطية ليست حكرا على البلدان المصنعة المتقدمة، وأنها نتاج لتقدم البشر حتى وقتنا الحالى، يستفيدون بها على كل خطوط العرض والطول ويطورون فيها.

العالم ليس فيه «غرب» ولا «شرق». الأرض كرة! فى التخلص من مفهومى «الغرب» و«الشرق» هدم لأسس الاستغلال والتسلط، دوليا وفى داخل كل بلد من البلدان.

إبراهيم عوض أستاذ السياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة
التعليقات