لم تكن دعوات عراب التكنولوجيا الحديثة «جيفرى هينتون» التحذيرية من التطور السريع للذكاء الاصطناعى وقدراته ــ التى من المحتمل أن تشكل تهديدا على جودة الحياة البشرية ــ الوحيدة، إذ دعا إيلون ماسك والعديد من خبراء التكنولوجيا التوقف عن تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعى لحين التأكد من استعداد الإنسان من التعامل معها. فى ضوء ذلك، نشرت صحيفة الخليج الإماراتية مقالا للكاتب حسن مدن، تناول فيه الدعاوى والدراسات التحذيرية، التى تناقلتها وسائل الإعلام، للتنبيه من خطر هذا النوع من الذكاء على البشرية... نعرض من المقال ما يلى:
قبل فترة وجيزة كنت أتحدث مع صديق أكاديمى يقيم فى الولايات المتحدة عن أكثر الموضوعات تداولا، فى الوسط الأكاديمى ومراكز الأبحاث ووسائل الإعلام هناك، فقال: إن الرعب من مخاطر الذكاء الاصطناعى، هو الموضوع الأهم، مشيرا إلى أننا، فى بلداننا العربية، معنيون به أيضا، ويجب أن نوليه ما يستحقه من اهتمام، كونه يتصل، بالفعل، بمستقبل البشرية.
ليس صديقى وحده ما قال هذا الأمر. وسائل الإعلام حافلة بتقارير تؤكد هذه المخاطر، فعلى سبيل المثال ينسب أحد هذه التقارير إلى المدير التنفيذى السابق لشركة «جوجل»، إريك شميدت، قوله: إن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعى تشكل «خطرا وجوديا»، يمكن أن يتسبب فى إصابة أو قتل العديد من الأشخاص، لأنه «من الممكن استغلال التكنولوجيا فى العثور على ثغرات أمنية فى البرامج أو أنواع بيولوجية جديدة»، علما بأن الرجل شارك فى لجنة الأمن القومى للذكاء الاصطناعى، التى راجعت مدى خطورة التكنولوجيا، ونشرت تقريرا لعام 2021، خلص إلى أن أمريكا لم تكن مستعدة لتأثيرها. مجموعة من كبار رجال الأعمال والخبراء، حذروا من أن صعود الذكاء الاصطناعى ينطوى على خطر انقراض للبشرية، وأشاروا فى بيان بهذا الخصوص إلى «أن مكافحة المخاطر المتعلقة بالذكاء الاصطناعى، ينبغى أن تكون أولوية عالمية كسواها من المخاطر الأخرى على مستوى المجتمع، كالأوبئة والحروب النووية»، وتتزايد الدعوات الموجهة إلى الشركات بإيقاف تجارب الذكاء الاصطناعى ولو مؤقتا، من أجل إعادة التفكير فى الآثار المتعلقة ببروتوكولات السلامة والأخلاقيات الخاصة بعملها.
ولأن الشىء بالشىء يذكر فإن دراسة توصلت إلى أن استخدام الذكاء الاصطناعى فى الكتابة على الأجهزة الإلكترونية يمكن أن يؤثر فى طريقة تفكير أى شخص، إضافة إلى تأثيره فى الكلمات التى يستخدمها للمساعدة فى استكمال الجمل تلقائيا أو تقديم ردود على الأسئلة التى تطرح، وشملت هذه الدراسة طرح السؤال التالى: «هل وسائل التواصل الاجتماعى مفيدة للجميع؟» وطلب من أكثر من 1500 شخص كتابة فقرة للإجابة عنه عبر منصة خاصة.
وبعد ذلك، تمّ استخدام إجاباتهم وتحليلها وفقا لاستجابة كل منهم للمقترحات التى قدّمها له الذكاء الاصطناعى وتلك التى كتبوها بأنفسهم، فوجدوا أن الاعتماد على الذكاء الاصطناعى قدّم للمشاركين ردودا متحيزة تتفق مع ما يقدمه من إجابات، وخلصت الدراسة إلى أن ما تم رصده من ردود متحيزة يقدمها الذكاء الاصطناعى لمستخدميه، يؤكد أن هناك أزمة يجب التعامل معها تتعلق بتداعيات ذلك ثقافيا وسياسيا على المجتمعات، لأنه يؤدى إلى انتشار المعلومات الخطأ بطريقة تُنمّط القيم والأولويات المجتمعية بطريقة تخدم مصالح الماسكين بمفاصل الاقتصاد.