«إن شعبا لا يُجيد الرقص لا يمكنه أن يُنجز ثورة» - امال قرامى - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 6:02 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«إن شعبا لا يُجيد الرقص لا يمكنه أن يُنجز ثورة»

نشر فى : الثلاثاء 5 مارس 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 5 مارس 2013 - 8:00 ص

أصل الحكاية ...يوم تشييع جنازة الشهيد شكرى بلعيد ... انطلق شابّ وشابّة فى الرقص بكلّ تلقائية وسط دخان القنابل المسيلة للدّموع فى شارع الحبيب بورقيبة: تحيّة إكبار وإجلال لروح الشهيد من جهة، واحتجاجا على التدخّل الأمنى، من جهة أخرى. وما إن صوّر صحفى فرنسى رقصة الشابّين وأذاعها على صفحات الفيسبوك وتويتر حتى انتبه الناس إلى أهميّة هذه الحركة الرمزيّة. أهى الحياة تحاور الموت؟ أهى إرادة الشباب فى التعبير عن خيبة أملهم فى ثورة أنجزوها وما أتت أكلها؟ أهو شكل تعبيرى جديد؟ أهى استراتيجية مبتكرة فى المقاومة؟ أهى رسالة موجّهة إلى كهول وشيوخ تربّعوا على عرش السلطة وما أصغوا إلى أصوات شبّان حلموا بغد أفضل فإذا بهم يهمّشون من جديد.

 

الرقصة الثانية أدّتها مجموعة من الشباب أمام مقهى شعبى على إيقاع الفنّ التونسى الشعبىّ موفّرين بذلك فرصة لعموم المارين علّهم يفرّجون عن الكرب. أمّا  الرقصة الثالثة فإنّها اختلفت عن سابقتها باعتبار أنّها اتّخذت ساحة المؤسسة التعليمية فضاء لممارسة رقصة جماعيّة معولمة وهى رقصة «هارلم تشاك». كان بالإمكان أن تمرّ هذه الحادثة بسلام لولا تدخّل وزير التربية ليوجّه رسالة زجرية إلى المديرة والتلاميذ آمرا بفتح تحقيق فى الأمر ومتوعّدا باتّخاذ التدابير العاجلة لمواجهة التجاوزات الأخلاقيّة.

 

•••

 

وهكذا تحوّلت الرقصة إلى خبر تناقلته مختلف وسائل الإعلام وعقدت حوله حوارات أدلى فيها السياسيون بدولهم فى الموضوع. فدافع البعض عن حقّ الشباب فى التعبير عن ذواتهم، وانتقد البعض الآخر الانحلال الأخلاقى والعبث بالهوية العربية الإسلامية. هل يعود الأمر إلى خروج شابّين بملابس داخلية ونصف عاريين؟ أم أنّ الأمر ذو وشائج بسخرية الشباب من حاكم قطر ومن وراءه، وبصاحبات العباءات السود...؟

 

لا مراء أنّ التعامل مع هذا الموضوع بأسلوب الزجر وبعقليّة تأديب صاحب السلطة لمن هم تحت إمرته قد تسبّب فى اندلاع سلسلة من الاحتجاجات فى صفوف التلاميذ والطلبة اتّخذوا فيها رقصة «هارلم تشاك» أسلوبا وحرّية التعبير شعارا. لقد أقام الوزير الدليل على قلّة اطلاعه على خصوصيات الثقافة المعاصرة المخترقة للحدود ،وأثبت أيضا أنّه يتعامل مع شباب الثورة بآليات قديمة فى الفهم والإدارة . وأنّى لوزير التربية فى حكومة تغتصب فيها حقوق الأطفال وتتجاوز فيها قوانين التربية أن يقدّر التحولات الطارئة على المجتمع التونسى والتغييرات الحاصلة فى البنى النفسيّة والذهنية؟

 

•••

 

إنّ تحوّل عدد من المؤسسات التعليميّة إلى فضاء لممارسة العنف بين الجمهور المتمسّك بحقّه فى الرقص من جهة، والشباب المنتسب إلى حزب النهضة أو التيارات السلفيّة المصرّ على «النهى عن المنكر بالقوّة»، من جهة أخرى، مُخبر عن تباين بين مشروعين مجتمعين لتونس ما بعد الثورة. فمنذ السنة الفارطة أضحت المؤسسات التعليميّة فضاء لمسرحة النشاط السياسيّ، وإبراز تمظهرات الأيديولجيات الجديدة : سيوف وقضبان ورموز دينيّة ورايات وأعلام سوداء... ، وإقامة للصلوات فى ساعات الدرس وترتيل للقرآن، ورفع الآذان وغيرها من الممارسات التى تقيم الدليل على مدى حاجة هذه الجماعات إلى  انتزاع الاعتراف  الجماعيّ قسرا لاسيما وأنّ أغلب التونسيين يقابلون هذه المشهدية الركحية بعبارة القذافى الشهيرة: من أنتم؟.

 

•••

 

ويتّضح من وراء تمسّك فئات من الشباب الحضرى برقصة «هارلم تشاك» أنّ ثقافة الموت ومديح الكراهية المتسلّلة إلى المؤسسات التعليميّة عبر عذاب القبر، وفضل الجهاد فى سوريا ومناقب الشهداء، وثواب تحجيب الصغيرات... صارت تواجه برقصة الحياة والإشادة بمتعة الفنّون والإبداع التى بات ينظر إليها وفق ثنائية الحلال والحرام. ولا يخفى أنّ الرهان الحاضر هو معركة العلم والمعرفة فى مقابل مأسسة الجهل.

 

 

 

أستاذة بالجامعة التونسية

التعليقات