بين الحقيقة المطلقة والحوار النسبي - إكرام لمعي - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 1:10 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بين الحقيقة المطلقة والحوار النسبي

نشر فى : الجمعة 5 مايو 2023 - 8:35 م | آخر تحديث : الجمعة 5 مايو 2023 - 8:35 م
ماذا نعنى عزيزى القارئ/عزيزتى القارئة بهذا العنوان؟
نعنى أن وسائل التواصل ليست كاملة أو كافية بين البشر، فمحاولة الفهم والتفهم تتحقق عن طريق الكلمات والجمل والحركات... إلخ، ولما كانت الكلمات والجمل والحركات لا تعبر بطريقة كاملة عن الحقائق بطبيعتها كما نريدها أن تصل للآخرين، فإنه من المستحيل أن تكون هناك حقيقة مطلقة مائة فى المائة يمكن التعبير عنها بشكل مطلق، ودليلنا على ذلك أن كل القواعد المعروفة عن التعبير عن الذات لا تعبر بنسبة مائة فى المائة.
بالطبع يمكن أن تصل إلى 50% أو أكثر وذلك لأسباب عدة، منها نسبية التفكير فالتفكير يختلف من شخص لآخر، وكذلك التعبير لأنه ناتج عن التفكير والاثنان نابعان من الإنسان.
صحيح هناك مفارقات بين الواحد والآخر لكننا لا نجد أى شخص يمكن أن نقول عنه إنه كامل فى تفكيره وتعبيره بنسبة مائة فى المائة، وذلك لأنه ببساطة لا توجد حقيقة مطلقة، حتى لو اتفق عليها مجموعة من البشر مهما كانوا، إذ البشر لم يتفقوا على شريعة واحدة تجمعهم ولا طريقة حياة واحدة، ولا حتى لغة واحدة فلكل إنسان خصوصية شديدة بمقدار خصوصية بصمة يده وفصيلة دمه.
وصحيح هناك متشابهات، كالجينات المشتركة والعادات والتقاليد فى المجتمع الواحد، لكن لكل إنسان شخصيته المتفردة الخاصة به، والتحدى هنا هو تُرى ما الذى يصنع الفارق بين شخص وآخر؟ الإجابة أن كل شخص له بصمته الخاصة التى يتفرد بها، فالبشر يشبهون بعضهم بعضا شكلا وموضوعا ويمكنهم التفاهم بلغات مختلفة، لكنك لا تجد أبدا اثنين متطابقين حتى لو كانا توءمين فكما قلنا إن لكل إنسان بصمته، ولكل إنسان فكره واتجاهاته، بالطبع هناك بشر يتبعون آخرين أكثر علما وفهما واستيعابا وإدراكا، لكن الحقيقة أن هؤلاء القادة اجتهدوا ليصيروا هكذا أما التابعون فلم يجتهدوا، وعلينا هنا أن ندرك أن الله عندما خلق الإنسان تعمد أن يكون لكل شخص بصمته الخاصة، وهكذا يصبح كل إنسان مختلفا عن الآخر فى فكره وتوجهه وشخصه وتفرده، فهناك بشر يكتشفون اختلافهم وتفردهم وهم أولئك الذين يقودون، أما الآخرون الذين لا يهتمون بأن يبحثوا داخلهم عن تفردهم يظلوا تابعين لمن يفكرون.
هنا نذكر بعض القادة المتفردين الملهمين أمثال نيلسون مانديلا وهو من مكافحى الفصل العنصرى فى جنوب أفريقيا حيث قضى 27 عاما فى السجن دفاعا عن قضيته، وحصل على جائزة نوبل للسلام. هناك أيضا مارتن لوثر كينج، الزعيم الأمريكى من أصول أفريقية، وكان ناشطا سياسيا إنسانيا طالب بإنهاء التمييز العنصرى ضد السود فى أمريكا، ورفض العنف بكل أنواعه، وفى عام 1964 حصل على جائزة نوبل للسلام. أما مارجريت تاتشر، أول امرأة تشغل منصب رئاسة وزراء بريطانيا العظمى فى كل تاريخها، كانت مدة حكمها هى الأطول وعرفت بالمرأة الحديدية لصرامتها وجديتها فى صالح بريطانيا التى جلبت لها الكثير من الإصلاحات الاقتصادية، والتى ساعدتها فى القضاء على البطالة فى فترة وجيزة.
• • •
لقد خلق الله البشر كما رأينا كل واحد ببصمته الخاصة وبطريقة تفكيره، ولم يخلق إنسانا معتوها أو مجنونا أو غبيا، لكن هذه النوعيات جاءت بسبب البشر الذين أهانوا خلقة الله، لقد خلق الله آدم وحواء كاملين، روحا ونفسا وجسدا وعقلا، ودليلنا على ذلك هو التطور الإنسانى الرهيب من الإنسان البدائى حتى إنسان التكنولوجيا المعاصرة والوصول للقمر واكتشاف الكون... إلخ، بل واختراع الدراجة والسيارة والطائرة والصاروخ... وغيرهم، وكل هذا جاء نتيجة الخيال الإنسانى والذى تأتى منه الروايات والقصص الخيالية والسير الشعبية التى يدونها أدباء أمثال نجيب محفوظ الذى بحث عن نقطة تفرده فوجدها فى سن الثلاثين أو منتصف الثلاثينيات من عمره فى كتابة الروايات والتى بدأ فى نشرها بعدة مجلات وجرائد، وأيضا كتب عدة روايات كان من أهمها الثلاثية «بين القصرين»، و«قصر الشوق» و«السكرية» فضلا عن عدة روايات تاريخية مثل «كفاح طيبة»، ولكن كان قمة تفرده ومجده فى رواية واحدة «أولاد حارتنا» وهذه الرواية تسببت فى ردود أفعال قوية وكانت السبب فى التحريض على محاولة اغتياله. بدأ محفوظ فى نشر رواية «أولاد حارتنا» فى جريدة الأهرام.
وأثارت الرواية ردود أفعال قوية تسببت فى عدم نشرها فى مصر بسبب التفسيرات الدينية الخاطئة للرواية، أما الرواية نفسها فقد تسببت عالميا فى فوز أديبنا العظيم نجيب محفوظ بجائزة نوبل للأدب.
هناك أيضا رواية الحرافيش واستخدم فيها الحكايات الكبرى من التاريخ الإنسانى لقراءة اللحظة السياسية والاجتماعية فى مصر ما بعد ثورة 1952 ليطرح سؤالا على رجال الثورة عن الطريق الذى يرغبون فى السير فيه (طريق الفتوات) أى طريق الشر والفساد، أم (طريق الحرافيش) الذى يعنى طريق أولاد البلد الخائفين على مصلحة بلادهم.
• • •
من هنا عرفنا أن الإنسان عليه أن يبحث ويكد ويعمل للوصول إلى نقطة تفرده، سواء كانت هذه النقطة معرفته بالسياسة أو الأدب أو الاقتصاد كما أشرنا فى الأمثلة السابقة، فالعالم يتغير كل يوم ويتجدد ويتقدم بلا توقف، والآلاف بل الملايين من البشر يولدون ويموتون كل يوم وتستمر الحياة بشكل طبيعى، ولكن أحيانا يكون هناك أشخاص لديهم القدرة على التأثير فى مجموعة كبيرة من البشر وهؤلاء هم من وجدوا نقاط تفردهم ليقودوا العالم، فكما قلنا من قبل أن هؤلاء القادة اجتهدوا ليصيروا هكذا، أما التابعون فلم يجتهدوا، فهناك القادة الثوريون كـ«فيدل كاسترو» الذى هو واحد من اثنين من وجوه الثورة الكوبية التى بدأت عام 1953 وأصبح رئيس كوبا فى السنوات التى تلت الثورة، و«تشى جيفارا» كان جنبا إلى جنب مع كاسترو الرجل الرئيسى للثورة الكوبية، وكان طبيبا مدربا وزعيم حرب العصابات خلال الثورة الكوبية، وهناك القادة العسكريون الغزاة كالإسكندر الأكبر وهو الرجل الذى غزا العالم وقد كون أكبر امبراطورية فى التاريخ امتدت من اليونان إلى مصر ثم إلى الهند، وكذلك نابليون بونابرت، وبعيدا عن مساوئ الحملة الفرنسية على مصر إلا أنه استطاع أن يكون قائدا عظيما لبلاده وأن يغزو الكثير من البلاد ويواجه أكبر جيوش العالم، وهناك القادة المسالمون كنيلسون مانديلا الذى كان قائدا عظيما برغم سجنه 27 عاما لكفاحه ضد العنصرية إلا أن الأمر لم يردعه وخرج أقوى مما كان واستطاع أن يقود بلاده إلى مستقبل حر، وأيضا المهاتما غاندى الذى قاد الهند ضد الحكم الاستبدادى للبريطانيين وحارب بصمت بمبدأ اللاعنف واستطاع أن يجبر البريطانيين على مغادرة الهند دون الإضرار بروح إنسان واحد، هذا فضلا عن القادة العالميين كإبراهام لينكولن الرئيس رقم 16 للولايات المتحدة الأمريكية، إذ قاد البلاد خلال الحرب الأهلية الأمريكية وسعى بجد وبذل قصارى جهده للحفاظ على ترابط أهل البلاد وقام بالتوقيع على إعلان تحرير العبيد وإنهاء الرق.. وغير ذلك.
من الممكن ــ عزيزى القارئ وعزيزتى القارئة ــ أن تكونا متفردين فى مجال آخر غير هذه المجالات وهكذا تكونا متفردين فى مجالكما وتستطيعا أن تقودا الآخرين كما قادهم كل هؤلاء، فابحثا داخلكما عن نقطة مضيئة تستطيع أن تضيئا بها العالم من حولكما ويكون لكما بها ذكرى ككل من سبق ونطقنا بأسمائهم.
إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات