مساء الأحد الماضى وصل عادل الجبير وزير الخارجية السعودى إلى القاهرة. تناول طعام الإفطار الرمضانى مع وزير الخارجية سامح شكرى والموضوع الرئيسى للزيارة هو قطر. حتى مساء اليوم نفسه كانت الكويت تقول للبلدين إن هناك فرصة أخيرة للتوصل إلى تسوية تستجيب للحد الأدنى من المطالب الخليجية والمصرية.
وعند منتصف الليل كانت الإشارات القادمة من الكويت تقول إن كل ما عرضته قطر كان استجابات شكلية لا تفى بالمطالب الضرورية للبلدان الاربعة مصر والسعودية والإمارات والبحرين. وعلى سبيل المثال سلمت قطر مطلوبا سعوديا كان يفترض أن يطلب حق اللجوء السياسى لدولة أوروبية، لكنها رفضت بإصرار كل المطالب المصرية بتسليم المطلوبين على ذمة قضايا أو محكوم عليهم بالفعل، واستجابت جزئيا للمطالب الأمريكية والإسرائيلية بترحيل بعض قادة حركة حماس من أراضيها.
قبل هذا التطور كانت البلدان الأربعة تعرف مسبقا من واقع التجارب القديمة ان قطر لن تستجيب للمطالب الرئيسية، وبالتالى كان البيان الخاص بقطع العلاقات جاهزا منذ أيام، لكنها فضلت التريث احتراما للجهد الكويتى، وفى اللحظة التى قالت فيها الكويت إن الوساطة وصلت إلى طريق مسدود، تم اتخاذ القرار.
يستعجب كثيرون من توقيت القرار الذى صدر فى الرابعة والنصف فجرا بتوقيت القاهرة، الخامسة والنصف بتوقيت السعودية والبحرين والسادسة والنصف بتوقيت الإمارات. البعض يقول إن التوقيت تم اتخاذه بعد وصول جهود الكويت لطريق مسدود، فى حين يقول البعض الاخر إن البلدان الأربعة أرادت مفاجأة الحكومة القطرية فى الصباح الباكر بهذه الخطوة. لكن البعض يتحدث عن «مراعاة التوقيت الأمريكى» فى هذه الخطوة، خصوصا أنه توقيت يصادف أن المسئولين الأمريكيين لم يذهبوا إلى النوم.
وفى اللحظة التى بدأت فيها المحطات الفضائية المصرية مساء الأحد تكثيف جرعة انتقاداتها للحكومة القطرية، وهو ما فعلته المحطات الفضائية العربية طوال يوم الأحد الماضى تأكد أن القرار تم اتخاذه بالفعل، خصوصا بعد تكرار إذاعة كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسى فى مؤتمر القمة الذى جمع رؤساء عرب ومسلمين مع الرئيس الأمريكى فى الرياض قبل أسبوعين، وكانت الكلمة الأكثر وضوحا فى توجيه اتهامات محددة لقطر وتركيا بدعم الإرهاب، لدرجة أن معلقين قالوا إن السيسى لم يكن ينقصه إلا أن يشير إلى تميم بالاسم وهو يجلس داخل القاعة نفسها!!.
نعود إلى صلب القرار وجوهره، حيث هى المرة الأولى على حد علمى التى تتخذ فيها البلدان الخليجية قرارا بهذا الشأن. فى مارس ٢٠١٤ سحبت السعودية والامارات والبحرين، سفراءها من الدوحة عقابا لها على تدخلها فى الشأن الداخلى. وانتهى الأمر بعد شهور قليلة بإعلان الدوحة استجابتها للعديد من الوساطات، لكن تبين للجمع أن الوعود القطرية لم تكن جادة، حيث استغلت انشغال السعودية بوفاة الملك عبدالله بن عبدالعزيز، ونكصت بكل وعودها، بل تمادت فى دعم التطرف والإرهاب بصورة اسوأ.
طبقا لمراقبين فإن الأخطر من قرار قطع العلاقات هو إغلاق الحدود الكامل مع قطر براو بحرا وجوا. الدول الثلاث تحيط بقطر، والأخيرة لم يعد أمامها إلا البحر من الجهة الايرانية منفذا، وسوف تتكبد ثمنا فادحا فى تغيير خطوط سير رحلاتها الجوية، كما ان مواطنيها المقيمين والمتعاملين مع دول الخليج الثلاث سيتحملون العبء الأكبر، وبالتالى فليس معروفا رد الفعل القطرى الحقيقى على هذا القرار. الدوحة أصدرت بيانا تنتقد فيه الخطوة التى اتسعت بانضمام اليمن وليبيا والمالديف واحتمال كبير بانضمام الأردن وبلدان أخرى.
هل ستعلن قطر تغيير سياستها، أم تصر على مواصلة سياسة يراها البعض انتحارية؟.
السؤال الجوهرى يتعلق بالموقف الأمريكى، والتقديرات أن البلدان العربية الأربعة أحاطت واشنطن علما بالأمر وربما كان هناك تشاور مسبق منذ وصول ترامب للسلطة خصوصا منذ مجيئه لقمة الرياض. كلام وزير الخارجية الأمريكية خلال زيارته إلى أستراليا كان محايدا وطلب ضبط النفس وتسوية الأزمة بهدوء، لكن الموقف الحقيقى والنهائى لم يعلن بعد، خصوصا أن القاعدة الأمريكية فى العديد هى الأكبر خارج أمريكا ووجودها هناك هو الضمانة الأساسية للحكم القطرى. والكلام المتناثر عن نقلها قد يشير إلى ان الحكومة القطرية تعيش اسوأ أيامها منذ عام ١٩٩٥.