«عيسى».. والوعد بالجنة - خالد محمود - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 3:48 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«عيسى».. والوعد بالجنة

نشر فى : الأربعاء 6 مارس 2024 - 9:05 م | آخر تحديث : الأربعاء 6 مارس 2024 - 9:05 م
يجىء الفيلم الروائى القصير «عيسى» أو «أعدك بالفردوس» للمخرج مراد مصطفى، الفائز بالجائزة الثانية بمهرجان الإسماعيلية للسينما التسجيلية، ليشكل منحنى جديدا فى علاقة الجمهور بمثل هذه النوعية من السينما، التى تأتى محفزة للفكر بصورتها المتجذرة بعمق فى عوالم شخصياته التى تلقى بظلالها بطبيعة الحال على معايشة الواقع الاجتماعى المعاصر وربما التمرد عليه.
التف الجمهور حول الفيلم، مثلما أثنى عليه النقاد، حيث فاز بجائزة الجمهور بمسابقة أسبوع النقاد بعد حصوله على جائزة الرايل الذهبية فى نفس المسابقة بمهرجان كان السينمائى الدولى الـ76، وهو ما يعد نجاحا لمخرجه وكاتبه الشاب الذى قدم موضوعه برؤية سينمائية جذابة، واضحة المعالم رغم أنها تطرح الكثير من الأسئلة مع كلمة النهاية وتلازمك حتى بعد الخروج من قاعة العرض.
يعتمد الفيلم، عبر سيناريو حميمى ذى بعد سياسى، على اللقطات التأملية والرومانسية البسيطة وقليل من كلمات الحوار التى تترك مساحة للصمت والمشاعر، مشهد آخر لحياة اللاجئين، عبر تتبع قصة عيسى «كينى مارسيلينو»، وهو مهاجر إفريقى فى مصر يبلغ من العمر 17 عامًا، يحاول أن يسابق الوقت بعد حادث اقتتال عنيف فى الشوارع أدى إلى مقتل ثلاثة من أقرانه، لإنقاذ ما تبقى من أحبائه مهما كلفه الأمر، مُظهرًا إصرارًا وشجاعة، يسعى لتهريبهم خارج البلاد فى أسرع وقت ممكن.
مع كلماته القليلة تعكس ملامح عيسى حدة هادئة، كاميرا المصور مصطفى الكاشف المبدعة تركز دائمًا على نظراته، تظل عيناه ثابتتين على الدوام، تخترقان الفضاء الفارغ وهو يقود دراجته البخارية وأحيانا السيارة حول المناظر الطبيعية التى تبدو وكأنها ما بعد نهاية العالم.
يقودنا معه وهو يأخذ حبيبته وطفلها متوجهين إلى البحر نحو شعور بالحزن العميق، ووجوه تنظر إلى البحر البعيد فى خوف تام، ليست هناك حاجة للكلام أمام هذا المشهد، حيث يقول صاحب المركب أو مقاول التهجير بالبحر إن أموال عيسى ومن معه لا تفى إلا بسفر فرد واحد فقط.
يترك عيسى الفتاة «كنزى محمد» وطفلها لتسافر، وكم كان مشهد ميلودراما هرولة البشر نحو البحر واللحاق بالمركب، وتحقيق الحلم المحموم، مدهشا فى تصويره وموسيقاه وإضاءته التى عكست مستقبلا رماديا مجهولا.
قدم الممثلان كينى مارسيلينو وكنزى محمد أداء آسرا، ببث مأزق تلك الحياة فى شخصياتهم وبالتالى فى وجدان المشاهد، وقد ظهر كينى مراهقًا صامتًا، لكنه مصمم، لن يتوقف عند أى شىء لإنقاذ أحبائه.
نادرًا ما سعت السينما إلى شىء بهذه القوة والبساطة، فالفيلم يعمل ضد الفكرة المعتادة المتمثلة فى السعى للتغلب على الزمن. وتمتد تداعيات العمل إلى ما هو أبعد من حدود مصر؛ سينما مفادها أن المرء حر فى أن يحب أى شخص، ويذهب إلى أى مكان، ويعيش ببساطة حياة سعيدة وكريمة.
نجحت قصة الفيلم الجذابة والمؤثرة رغم وجود بعض المبالغات، والسيناريو الذى شاركت فى كتابته سوسن يوسف، والأداء القوى، والإخراج الاستثنائى لمراد مصطفى وقدرته على التقاط جوهر المشاعر الإنسانية تتألق فى كل إطار والصورة المذهلة بصريًا بتعزيزها رواية القصة، فى أسر المشاهدين وشحنهم بالترقب منذ مشاهده الأولى.
كما تبدو بعض اللقطات كاللوحات، حيث يتردد صدى هذا السرد المشحون عاطفيًا بمهارة وبعمق مما يخلق تدفقًا سلسًا لدى الجماهير ويبقيهم على حافة مقاعدهم خاصة أن الفيلم يسلط الضوء على النضالات التى يواجهها الأفراد الذين وقعوا فى ظروف بائسة، مما جعله يحظى باحتفاء بين النقاد وردود أفعال إيجابية للجمهور وعشاق السينما على حد سواء.
أراد مراد مصطفى أن يكمل ما بدأه سابقا، أول فيلم قصير قام بإنتاجه كان بطولة امرأة سودانية، وأنا أعرف أنه ابن منطقة شعبية مشهورة بوجود الكثير من المهاجرين الأفارقة، وبالقطع ولدت الفكرة هناك التى عمل بها على مدى عامين.
هناك العديد من الأفلام التى تحدثت عن قضية الهجرة، والشىء المختلف والأصيل هنا أن المهاجر الإفريقى هو من يساعد ويسعى لتحرير المواطن الأصلى وإخراجه إلى بر الأمان، وكأنه يعدهم بالجنة من وجهة نظرهم.
خرج «عيسى» وحقق الهدف وانتظر الفيلم الروائى الطويل الأول لمراد مصطفى «عائشة لا تستطيع الطيران بعد الآن» الذى يعمل عليه حاليا، وأتمنى ألا تطول الفترة مثلما حدث مع آخرين من أبناء جيله، وأن يشكل إضافة مميزة لمخرجى السينما المستقلة الذين يشقون طريقهم نحو سينما مختلفة نتمناها ونترقبها متجاوزا «منطقة الفيلم القصير».
خالد محمود كاتب صحفي وناقد سينمائي
التعليقات