الاعتياش بالمكارثية - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 5:08 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الاعتياش بالمكارثية

نشر فى : الأحد 7 فبراير 2016 - 10:50 م | آخر تحديث : الأحد 7 فبراير 2016 - 10:50 م
ولتغييب العقل عن الفضاء العام فى مصر كما للضجيج الذى يطغى عليه الكثير من المستفيدين.

من جهة أولى، يعتاش البعض من مكارثيى السلطة الحاكمة على الإنتاج والترويج المستمرين لنظريات المؤامرة، التى توظف لحشد التأييد للحكم، وإنكار أو تبرير انتهاكات حقوق الإنسان، والاعتذار غير المباشر عن الإخفاقات المتكررة، التى تحمل مسئوليتها لصنوف المتآمرين المزعومة. بل تتحول نظريات المؤامرة لدى هذه الطائفة من المكارثيين إلى إطار وحيد لتفسير عموم الأوضاع المصرية، وتوزيع الاتهامات الزائفة على المتمسكين بالحق فى التفكير المستقل والتعبير الحر عن الرأى والمطالبة بالتغيير. وعن تغييب العقل هنا حدث ولا حرج، من المجلس الأعلى لإدارة العالم والخونة الأشرار، الذى يتلاعبون بالاقتصاد العالمى لإسقاط الاقتصاد المصرى والإضرار بالجنيه إلى اتهام معارضى السلطة بالتبعية لـ«الأجندة الأمريكية والإسرائيلية» على الرغم من أن حكومتى الدولتين المذكورتين تجمعها بالحكم فى مصر علاقات تعاون واضحة.

من جهة ثانية، يتخصص البعض الآخر من مكارثيى السلطوية الحاكمة فى إطلاق حملات الاغتيال المعنوى للمعارضين وللمجموعات الرافضة للتخلى عن حقوقها وحرياتها والامتثال لتعليمات «الأجهزة» إما لإسكات أصواتهم أو لتبرير المظالم والانتهاكات الواقعة عليهم أو صرفا للناس عن التعاطف وربما التضامن معهم. وتستوى فى ذلك حملات تشويه النشطين بين الطلاب والشباب والعمال مع إلصاق الاتهامات الجزافية بمجموعات الألتراس، ومع تسفيه مطالب الأطباء العادلة المرتبطة بوقف تجاوزات الأجهزة الأمنية المتكررة باتجاههم، ومع التعقب المستمر للصحفيين، والنقابيين، والحقوقيين والكتاب المستقلين باتهامات «العمالة والخيانة» وسلب حرية بعضهم سجنا أو منعا من السفر لكى يكفوا عن توثيق الانتهاكات المتراكمة والمطالبة بمحاسبة المتورطين فيها من «الأجهزة» ومن المسئولين الرسميين. هنا أيضا يغيب العقل تماما، ويطغى ضجيج الجهل والإفك. بل، تسود تراكيب كلامية ومفردات لغوية بالغة الانحطاط بعضها يحمل بإيحاءات جنسية وذكورية فجة يدفع بها باتجاه المعارضين، وبعضها الآخر يأتى صريحا فى ممارسة السب والقذف والاعتداء على الحياة الخاصة لكل من يجهر برفض السلطة الحاكمة، وبعضها الأخير يحرض على الكراهية ويسفه من كل صوت حر.

من جهة ثالثة، يعلو الضجيج والصراخ المجرد من الفكرة والمضمون فى سياقات مكارثيى السلطة البديلة فى الانتظار ــ سلطوية من يختزلون الديمقراطية فى استبدال نخبة الحكم الراهنة بنخبة أخرى لا تقل عنها فى الاستخفاف بالناس وبالحق الأصيل للمواطن فى الاختيار الحر، سلطوية من يتعاملون مع انتهاكات الحقوق والحريات بانتقائية لا تعرف سوى المعايير المزدوجة. هؤلاء لا عمل لهم غير إنكار الخطايا التى ارتكبتها جماعة الإخوان المسلمين فى عام حكمها بين 2012 و2013، والوقوف فى وجه محاولات الاعتراف بتنكر الإخوان لمبادئ الديمقراطية وتورطهم فى سعى لإدارة شئون الحكم فى مصر على نحو شمولى بين 2012 و2013، وتسفيه كل صوت يدعو الإخوان إلى ممارسة النقد الذاتى والتعامل بجدية مع الانزلاق إلى العنف اللفظى والمادى الذى حدث خلال السنوات الماضية ويحدث اليوم فى بعض دوائرهم.

ولا تختلف أدوات الإنكار والتسفيه التى يوظفها مكارثيى السلطة البديلة فى الانتظار عن أدوات مكارثيى السلطة الحاكمة؛ نظريات المؤامرة واتهامات الخيانة والعمالة ونزع المصداقية الأخلاقية والإنسانية عن المختلفين معهم، ادعاء احتكارهم هم ومن يمثلونهم لمفردات البطولة والنقاء والصالح العام واغتيال المعارضين معنويا بتجريدهم من ذات المفردات تارة باسم تصورات زائفة للمصلحة الوطنية وأخرى باسم تصورات لا تقل زيفا لنقاء ثورى متوهم.

وفى جميع الأحوال، يستفيد المكارثيون من تغييب العقل وطغيان الضجيج، ويعتاشون على ذلك رمزيا وماديا.
عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات