قصة مدينة وثورة - داليا شمس - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 11:34 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قصة مدينة وثورة

نشر فى : السبت 7 أكتوبر 2017 - 9:40 م | آخر تحديث : السبت 7 أكتوبر 2017 - 9:40 م

كلنا يعرف الحكاية أو على الأقل بعضنا، حكاية القاهرة والثورة، لكن هناك عدة روايات يتناولها الناس عن الحكاية نفسها. يقدم الكاتب والمخرج السينمائى، عمر روبرت هاميلتون، شهادته عن تلك الأيام التى عاشها ما بين 2011 و 2013، يخلط معالم وسط القاهرة بتفاصيل حياة أصدقائه وأقربائه من الناشطين فى مؤلف صدر أخيرا بالإنجليزية بعنوان (The city always wins) أو «المدينة تنتصر دوما»، الجارى ترجمته حاليا للعربية. اختار أن يبدأ روايته بأحداث ماسبيرو، فى 9 أكتوبر 2011، أى بعد أشهر قليلة من إسقاط مبارك، وأن ينهيها بعد إسقاط مرسى، ونزول الملايين إلى الشوارع. يصف الفارق بين هذه الجماهير وتلك التى ملأت الميادين فى يناير 2011، الكل يبحث عن الخلاص بطريقته.

•••

يؤرخ أحيانا للأحداث باستخدام تغريدات رفاقه على تويتر، خاصة باسم صبرى الذى رحل مبكرا، فهو يعبر بالأساس عن جيله وكيف عاش ثورة يناير وكيف تكونت لديهم ذاكرة لسرديات الثورة وصار هو أحد رواتها. ومن هنا تأتى أهمية الكتاب الذى يدون الأحداث يوما بيوم، كما عاشها هو، نتعرف على شخصيات حقيقية احتفظت بأسمائها فى كتاب هاميلتون مثل علاء ومالك، وهم بالطبع علاء عبدالفتاح مطور البرمجيات وابن خالة الكاتب، ومالك عدلى المحامى الحقوقى. وتنضم إليهما شخصيات أخرى، لتكون لسان حال الكاتب أحيانا وتعبر عن آرائه مثل خليل ومريم، الصحفيين المستقلين اللذين يغطيان أحداث القاهرة وفوضاها.

•••

عمر هاميلتون هو مزيج من الاثنين، وهو ابن الكاتبة المصرية أهداف سويف والشاعر والناقد الانجليزى روبرت إيان هاميلتون (1938ــ2001). يشتغل عمر بالإخراج السينمائى إلى جانب الكتابة، وله فيلمان «مايدوم» (2010)، و«مع أنى أعرف أن النهر قد جف» (2013). مثل خليل الذى كان يستكمل دراسته بلندن، قرر هاميلتون أن يترك كل شىء ويأتى إلى القاهرة «فالمهم هو أن تكون فى المكان المناسب، فى الوقت المناسب»، وساهم هاميلتون من وقتها فى تأسيس تعاونية «مصرين» mosireen)، التى تهدف لدعم الإعلام الشعبى وتسجيل أحداث الثورة من خلال شرائط الفيديو التى كان يتم عرضها فى الشوارع، لتوضيح بعض الحقائق، والتى تعكس بالطبع وجهة نظر صانعيها. وهو أيضا ما يفعله عمر هاميلتون فى كتابه بشكل أو بآخر، عندما يروى مسار الأحداث منذ ماسبيرو ويخلطها بمسارات الأشخاص وانقساماتهم فيما بعد، ويشرح من وجهة نظره التحالفات والأخطاء وردود الفعل المختلفة تجاه ما آلت إليه الأوضاع. نعيش من خلاله أحداث ماسبيرو ومحمد محمود وما عرف بمذبحة الألتراس فى بورسعيد والانتخابات إلى ما غير ذلك.

•••

نتجول فى المدينة التى يصفها بدقة، نشتم رائحة الغاز المسيل للدموع وروائح المشرحة والمستشفى الميدانى ومبنى الحزب الوطنى المحترق. نكاد نسمع موسيقى المهرجانات أو الإلكتروشعبى التى تعبر عن واقع ملتبس. يشعرنا الكاتب بتواطؤ الشوارع معه ومع جيله، فوسط المدينة بمقاهيها وأماكن تجمع المثقفين والنشطاء ليست مجرد شاهد عيان، بل جزء حى من الأحداث. ندلف معه إلى ممرات وسط البلد التى تختصر الطرق وتفتح أبوابها السحرية على عوالم مختلفة. نسير معه على الطرقات من مطعم الجريون أو فندق أوديون إلى النادى اليونانى، مرورا بقاعات عرض التاون هاوس. وفى خضم الأحداث والمظاهرات والمحاكمات والتحالفات السياسية والمهاترات التى شكلت ملامح تلك الفترة، نمر مرور الكرام على قصص حب تنسج خيوطها فى الخلفية، كما يأتى ذكر القضية الفلسطينية التى تشكل عصب الأحداث فى المنطقة، خاصة عند معاتبة خليل لوالده الفلسطينى حين يقول: «ما الذى صنعته فلسطين كى تهجرها وتظل معلقة على الخريطة؟»، فهى قضية محورية بالنسبة لعمر هاميلتون الذى شارك مع والدته فى تأسيس مهرجان فلسطين للأدب، قبل عدة سنوات. وبالتالى لا يمكن فصل ما يحدث فى إطار الثورات العربية عن ما يحدث فى فلسطين.

•••

الشهداء هم دوما الحاضر الغائب فى الكتاب، نتذكر أسماء البعض وصورهم وسيرهم. تصنع مريم، إحدى الشخصيات الرئيسية فى الكتاب، الفانيلات القطنية أو التيشيرتات وترسم عليها صورة مينا دانيال لتذكرنا بابتسامته، مثلما يسجل عمر هاميلتون الأحداث بشكل أدبى، لكى تظل روايته حية فى ذاكرة جيله ومن سيأتى من بعده، ولكى تظل سرديات الثورة موجودة على الساحة.

التعليقات