عن القمة العربية و«الحرب» على إيران: مصر وحدها الضمانة - طلال سلمان - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 9:38 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عن القمة العربية و«الحرب» على إيران: مصر وحدها الضمانة

نشر فى : الأربعاء 8 أبريل 2015 - 9:50 ص | آخر تحديث : الأربعاء 8 أبريل 2015 - 9:50 ص
يمكن التأريخ بالقمة العربية السادسة والعشرين التى انعقدت فى المقر المستحدث للقاءات الفخمة، شرم الشيخ، بوصفها نقطة تحول فى التاريخ العربى الحديث: فقد انتقل الاهتمام فيها وعبرها، وبما لا يقبل النقاش، من موضوع الصراع العربى ـ الإسرائيلى (الذى كان مبررا ولادتها فى عام 1963 وفى القاهرة وبطلب منها) إلى حرب العرب على العرب وبعنوان اليمن، هذه المرة.

كان العالم كله مشغولاً عن هذه القمة التى كان «ضيف الشرف» فيها الرئيس اليمنى الذى أقيل أو استقال ثم أعيد عن استقالته كرئيس مؤقت لمرحلة انتقالية تمهد لإعادة صياغة «السلطة» فى الدولة الفقيرة التى تعيش فى قلب العوز والحروب القبلية التى أطالت عهد «رئيسها المخلوع» بقرار سعودى، على عبدالله صالح، لثلث قرن أو يزيد.

أما ضيوف القمة، وتحديدا القيادة السعودية التى تظلل مجلس التعاون الخليجى، فقد فرضوا موضوع اليمن كبند أول، بل أوحد، على جدول أعمال هذه القمة التى غُيّبت عنها سوريا، وحضر العراق والجزائر رمزيا، واستُحضرت ليبيا ببعض السلطة على بعض الأرض فيها، وشغل رئيس الحكومة فى لبنان المكان الشاغر لرئيس الجمهورية، الذى تعذر انتخابه على امتداد سنة إلا قليلاً.

ولم تكن الرئاسة المصرية، بوصفها المضيف، تستطيع أن تمنع إعطاء الأولوية لموضوع اليمن، خصوصا أن السعودية ومعها إمارات الخليج قد طرحوا ما أسموه «الانقلاب الحوثى» فى صنعاء، وكأنه مصدر خطر مصيرى على الجزيرة العربية، بل على الحاضر ومعه المستقبل العربى جميعا.

وقد أضفى اصطحاب الملك السعودى سلمان بن عبدالعزيز الرئيس اليمنى عبدربه منصور هادى الذى غادر مقر الرئاسة فى صنعاء متخفيا، ثم ظهر فى عدن ليؤكد أنه الرئيس الشرعى وليدين «الانقلاب» الذى قام به «الحوثيون» فاستولوا على السلطة غصبا، وحاولوا اجتياح مختلف المحافظات وصولاً إليه فى عاصمة الجنوب، عدن، والتى لجأ إليها مستنفرا عصبية الجنوبيين ضد الشماليين عموما، والحوثيون على وجه التحديد.

•••

كان للاستنفار بُعد آخر، مذهبى، ولكن الجميع تحدثوا عنه أو أشاروا إليه بالإيماء والتلميح: فالحوثيون من «السادة«، يعودون بنسبهم الشريف إلى زيد بن على، وهو نجل الإمام السابع، ولكنهم ليسوا من الشيعة الاثنى عشرية.. ولكن السياسة أهم من التاريخ، وهكذا جعل السعوديون، ومن معهم الزيديون شيعة، مما يسهل عليهم اتهامهم بأنهم يوالون إيران ضد العرب السنة.

على هذا يمكن أن يطرح «اجتياح الحوثيين» صنعاء على أنه هجوم شيعى ـ إيرانى ضد الأكثرية العربية السنية فى اليمن وعموم الجزيرة والخليج، بقصد الاستيلاء ليس فقط على السلطة بل أساسا على الموقع الاستراتيجى لليمن وفيها خليج عدن الذى يحكم بحر العرب، وفيها أيضا مضيق باب المندب الذى يتحكم بالملاحة البحرية فى المحيطين الهندى والأطلسى عموما وبالبحر الأحمر خصوصا، وبالتالى بحركة العبور من وإلى قناة السويس.

الخطر داهم، إذن، ولا بد من استنفار لعموم السنة العرب، ومعهم باكستان ـ بعلاقاتها التاريخية الوثيقة بالسعودية والتى أنتجت قنبلة ذرية «إسلامية» قبل زمن ـ وكذلك تركيا التى تجتهد لإحداث فراغ فى السلطة أو فى سيطرة الدولة ثم تتقدم بدعوى ملء هذا الفراغ، كما تبدى تحركها ضد النظام فى سوريا، ثم استغلالها «غزوة داعش» فى شمالى العراق.

ولقد لبى معظم القادة العرب فى القمة هذا النداء، وطرحت أفكار جدية لإقامة «تحالف سنى» يجمع إلى السعودية مصر والأردن والمغرب، فى المرحلة الأولى، لمواجهة خطر الاجتياح الإيرانى، أى الشيعى صراحة.. ويمكن فى وقت لاحق معالجة هذا الاجتياح فى بلاد الشام (سوريا والعراق).

كانت مصر مستعدة لمواجهة الاستفزاز إذا ما تقدم الحوثيون فى اتجاه مضيق باب المندب، أو هددوا بالسيطرة عليه أو إغلاقه، مما يهدد مصر فى أحد مواردها المالية، قناة السويس، التى طرحت القيادة فيها مشروعا طموحا لتعميق مجراها وتحويل مداها الصحراوى إلى منطقة حرة، صناعية ـ تجارية، يمكن أن تدر عليها المليارات فتعمر بعض الصحراء وتحقق زيادة مؤثرة فى الدخل القومى وفى حركة العمران إجمالا.

ولقد جاء توقيت القمة متزامنا، وبقدرة قادر، مع تضخيم فى الأخبار عن تقدم «الحوثيين» فى اتجاه الجنوب، بعد سيطرتهم على معظم الشمال، بالتحالف أو بالتواطؤ ـ بحسب تعبير أهل الجزيرة والخليج ـ مع الرئيس المخلوع على عبدالله صالح الذى ثبت أن القوى المؤثرة فى الجيش اليمنى ما تزال تخضع لإمرته، أو أنها ليست مخلصة الولاء لمن خلفه بعد خلعه بالتسوية السعودية الشهيرة، عبدربه منصور هادى.

•••

المؤامرة واضحة كل الوضوح، إذن: إنها الحرب الإيرانية على العرب بعنوان اليمن ـ أو بتعبير أشد صراحة وحسما ـ هى الحرب الشيعية على السنة العرب (خصوصا إذا ما تم الربط بينها وبين تعاظم النفوذ الإيرانى فى كل من العراق وسوريا ولبنان، حيث يعزز الشيعة سيطرتهم، تارة بذريعة الخطر الإسرائيلى، وطورا بمواجهة الهجمة الأمريكية والنفوذ التركى، ودائما من قلب عدائية معلنة لعرب الخليج، أى السنة العرب).

فى الجانب الآخر من الصورة كانت مسيرة المفاوضات الصعبة والممتدة لشهور طويلة بين إيران والمعسكر الغربى بالقيادة الأمريكية 5 + 1، تتجاوز العقبات والألغام وتتقدم ببطء نحو الوصول إلى اتفاق.

إذن فالحرب على الحوثيين فى اليمن، هى بمثابة حرب على إيران وتمدد نفوذها فى الأرض العربية، والتى وصلت إلى باب الدول المذهّبة، بعد استقرار هيمنتها على المشرق.. ولا بد من إدراج هذه «الحرب» على جدول أعمال اللقاءات المتكررة بجلساتها التى لا تنتهى للمفاوضات الدولية مع إيران.

على أن تلك المفاوضات كانت تمضى قدما فى قلب الصعب لأن الأطراف جميعا كانت عازمة، كما دلت النتائج التى لم تتأخر عن الظهور، على الوصول إلى مشروع اتفاق شامل.

وهكذا وبعد أسبوع من الحرب على اليمن وفيها، وقف الجانبان الغربى بالقيادة الأمريكية والإيرانى ليعلنا الوصول إلى مسودة اتفاق شامل، ستستكمل بنوده التنفيذية لاحقا، وفى موعد لا يتجاوز المهلة التى كانت محددة لمسيرة التفاوض فى قلب الصعوبة، والتى تنتهى فى شهر يونيو المقبل.

الدولة الوحيدة التى أعلنت تحفظها وطالبت الولايات المتحدة بضمانات بأن إيران لن تنتج قنبلة نووية هى دولة العدو الإسرائيلى.

ومع أن الرئيس الأمريكى باراك أوباما الذى أعلن عن الاتفاق باعتباره إنجازا تاريخيا كان قاسيا مع رد الفعل الإسرائيلى، إلا أنه عاد فاتصل برئيس الحكومة (قيد التأليف) فى إسرائيل ليطمئنه إلى وجود مثل هذه الضمانات، مؤكدا أن إيران لن تملك القدرة على إنتاج القنابل النووية فى المدى المنظور، وأن هذا الاتفاق يمنعها، ولا يسهل أمامها مثل هذه المغامرة المكلفة.

أما بالنسبة لقلق دول مجلس التعاون الخليجى، بالقيادة السعودية، فقد طمأن الرئيس الأمريكى ملك السعودية هاتفيا، ثم وجه الدعوة إلى مجموعهم لكى يذهبوا إلى لقائه فى كامب ديفيد، ليطمئنهم ـ وجها لوجه ـ قبل موعد التوقيع النهائى على الاتفاق مع إيران فى مطلع شهر يونيو المقبل.

•••

تبقى ضرورية الإشارة إلى أن مصر هى الدولة العربية الوحيدة التى يمكنها أن ترمى بثقلها لوقف هذه الحملة المحمومة التى تهيج المشاعر المذهبية، وتعيد الصراع إلى طبيعته السياسية.. خصوصا أن إيران، قد وجهت إثر الإعلان عن الاتفاق فى لوزان، دعوة صريحة ومباشرة إلى جيرانها العرب عموما، وبالذات دول الجزيرة والخليج، بضرورة استئناف الحوار لتسوية القضايا العالقة، مؤكدة أن مصالحها ـ قبل المبادئ وبعدها ـ تفرض عليها أن تحسّن علاقاتها مع محيطها العربى.

ويمكن لمقررات القمة أن تتحول إلى ضمانات عربية شاملة تتجسد ـ عمليا ـ فى مخاطبة إيران والتفاهم معها على قاعدة الدفاع العربى المشترك، وليس إلى تسعير الخلافات بالشعارات المذهبية التى تقسم العرب وتفرقهم وتدفعهم إلى اقتتال عبثى يذهب بمصالحهم ويهدد أمنهم ولا يفيد منه إلا العدو الإسرائيلى.

والكلمة لمصر التى يمكنها أن تقدم الضمانات انطلاقا من وحدة المصير العربى ومن الحرص على علاقات الصداقة على قاعدة المصالح المشتركة مع إيران.
طلال سلمان كاتب صحفي عربي بارز، مؤسس ورئيس تحرير جريدة السفير اللبنانية، كما أنه عضو في مجلس نقابة الصحافة اللبنانية - المدونة: www.talalsalman.com
التعليقات