جبر الخواطر على الله وليس على الحكومة - أميمة كمال - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 6:53 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

جبر الخواطر على الله وليس على الحكومة

نشر فى : الأحد 8 نوفمبر 2009 - 10:20 ص | آخر تحديث : الأحد 8 نوفمبر 2009 - 10:20 ص

 تساءل أحد الكتاب المتابعين عن كثب لنشاط السيد جمال مبارك، أمين لجنة السياسات بالحزب الوطنى، بانبهار عن كيفية معرفة «السيد» أسماء قرى ننا ببنى سويف، وإبشادات بالمنيا، وعصايد بالشرقية، وزرايب بأسيوط، وأميرية بقنا، والتى ذكرها فى كلمته أمام مؤتمر الحزب الوطنى الأخير، مما اعتبره الكاتب دليلا دامغا على أن الملعقة الذهبية التى يتوهم البعض أن «السيد» ولد بها مجرد خيال مريض.

وغنى عن البيان أن نقول إنه لأمر فى غاية الأهمية أن يستطيع «السيد» تذكر كل هذا الكم من أسماء القرى فى الشقيقة مصر ولكن ما يبدو أكثر أهمية أن يعرف «السيد» كيف يعيش أهل هذه القرى.

وربما لو كان السيد قد بادر مبكرا قبل عشر سنوات من الآن بالتعرف على أسماء هذه القرى لما كنا محتاجين الآن أن نبدا من مرحلة الصفر وهى الاعتراف بأن الفلاحين والذين يمثلون أكثر من نصف السكان هم على قمة سلم الأولويات للحزب. ولما كان الأمر قد احتاج أن يجلس الوزير بعد الآخر على منصة الحزب يحاول أن يقنع الفلاحين من أعضاء الوطنى بأن الفلاح من الآن فصاعدا فى بؤرة اهتمام الحكومة والحزب.

ولو كان الفلاح قد وضع مبكرا فى هذه المكانة، قبل أن يتذكره الحزب، ولم يتبق سوى شهور على الانتخابات التشريعية، لما كان كل وزير قد سمع بأذنيه ما لا تشتهيه أسماعه من انتقادات تحدد نصيب كل واحد منهم فى خراب بيت الفلاح دون أن يستطيع أحد منهم إقناع الساخطين من أعضاء الحزب بسلامة سياسات الحكومة.

ويبدو أن الحزب قد اعتبر أن جبر خواطر الفلاحين هذا العام «السابق للانتخابات» هو الحل ولذلك راحوا يتحدثون عن حلول قصيرة الأجل دون أن يقدمون حلولا لمشاكل أصبحت مستعصية.

فكان من الأفضل بدلا من البحث عن خواطر الفلاحين لجبرها أن يتم الحديث بجدية على تدخل الدولة لضخ مزيد من الاستثمارات العامة فى قطاع الزراعة لأنه فى الوقت الذى يتحدث فيه الحزب عن أن الفلاح فى بؤرة اهتمامه تخفض فيه الحكومة من حجم استثماراتها فى قطاع الزراعة من 6% من إجمالى الاستثمارات فى عام 2005/ 2006 إلى 3% العام المالى الماضى. مع أن البنك الدولى يشير إلى أنه مع كل زيادة فى معدل نمو الناتج المحلى الإجمالى المتولد فى قطاع الزراعة بمقدار 1% تتولد معها ارتفاع فى معدلات إنفاق الـ30% الأكثر فقرا فى المجتمع بنحو ضعفين ونصف مقارنة بأى من القطاعات الأخرى.

وبدلا من أن يكون هم الوزراء، أثناء مؤتمر الحزب، هو جبر خواطر الفلاحين كان عليهم أن يتفقوا على سياسة زراعية واضحة بدلا من أن يخرج وزير الزراعة، فى مؤتمر الحزب، ليتحدث عن سياسة تعاونية تجمع أصحاب الزراعات الصغيرة بغرض تسهيل عمليات التسويق، بينما يرد عليه وزير الاستثمار، فى نفس الحكومة، معترضا ومفضلا أن يترك كل فلاح ليزرع ما يريده وكأن الأمر يناقش لأول مرة وليست سياسة حكومية متفق عليها.

ألم يكن أكثر إفادة من أحاديث جبر الخواطر هذه أن يقل لنا الحزب كيف سيتعامل مع مشكلة القطن المصرى الذى كنا ننتج منه فى الستينيات 12 مليون قنطار فأصبحنا فى ظل تحرير الزراعة لا نزرع منه سوى مليونين قنطار فقط. بل إن المساحة المزروعة منه قلت فى الموسم الأخير بمقدار يزيد على ربع مليون فدان. ولم نشهد أى إنزعاج من المسئولين من انخفاض الارتباطات التصديرية للقطن بنسبة وصلت إلى 90%، فى وقت يزداد ما نستورده من أقطان أمريكية ويونانية وسودانيه وسورية عاما بعد عام.

ألم يكن من الأجدر من جبر خواطر الفلاحين بشكل مؤقت أن يقف الحزب بشكل صارم مع الحكومة ويجبرها على أن تعلن توقيتا محددا للانتهاء من توفير الصوامع ومناطق تخزين تكفى لتخزين الذرة الصفراء التى أصبحنا نستورد منها 4.5 مليون طن سنويا فى حين أن كل ما ينقصنا لزراعتها هو التأكد من وجود صوامع وأماكن لتخزينها.

الغريب أن الحزب بالرغم من اعترافه، فى ورقته المقدمة للمؤتمر الأخير، بما اعترى المزارع جراء تحرير الزراعة خاصة خلال العام الأخير من خسائر كبيرة أبعدت عددا منهم عن الزراعة إلا أنه مازال مصرا على المضى فى نفس السياسات التى أوصلتنا إلى تراجع سنوى فى نصيب الزراعة فى الناتج المحلى من 14.9% فى عام 2004 /2005 وهى نسبة ضعيفة بالأساس إلى 13.2% فى عام 2007/ 2008.

ألم يكن من الحكمة أن يعلن علينا الحزب نتائج سياسات التحرير وأنه حتى فى السنوات التى يحدث فيها ارتفاع فى الأسعار العالمية لبعض المحاصيل يحرم الفلاح من عوائد هذا الارتفاع ليحصدها التجار والمصدرون وتشاركهم فى بعض الأحيان الحكومة وهو ما حدث فى محصول الأرز حيث اشترى المصدرون الأرز بتراب الفلوس من الفلاح وباعوه بأسعار مرتفعة فى الأسواق العالمية. وأرادت الحكومة أن تقتسم بعضا من هذه المكاسب ففرضت رسوما على صادرات الأرز.

أما عندما يأتى الدور وتنخفض أسعار المحاصيل مثل ما اعترى القمح من تراجع فى أسعاره العام الحالى وصل إلى 30% فتبدأ مساومات الحكومة مع الفلاح وتبدأ فى معايرته بأنها تشترى منه القمح المحلى بـ240 جنيها، بينما تستطيع أن تشترى بـ190 جنيها فقط من القمح المستورد. فهل يعقل أن يتم التعامل مع محصول بأهمية القمح سياسيا واجتماعيا بعقلية المكسب والخسارة وبعيدا عن التكلفة التى يتكبدها الفلاح.

وربما يكون من الأفضل أن تترك الحكومة والحزب مهمة جبر خواطر الفلاحين على الله وأن تلتفت هى إلى وضع السياسات التى تنتشل الزراعة من عثرتها لعل وعسى.

أميمة كمال كاتبة صحفية
التعليقات