هل من جديد تحكيه بورسعيد؟ - إكرام لمعي - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 7:30 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل من جديد تحكيه بورسعيد؟

نشر فى : الخميس 9 فبراير 2012 - 9:00 ص | آخر تحديث : الخميس 9 فبراير 2012 - 9:00 ص

فى كل مرة يحدث صدام بين القوى التى تتصارع على الأرض (المجلس العسكرى ــ الإخوان المسلمون ــ شباب الثورة ــ الفلول) نصدم فى البداية، ثم يبدأ المحللون على الشاشة وعلى صفحات الصحف يعيدون نفس الكلمات ويرددون ذات المقولات من أن السبب الحقيقى هو فى الانفلات الأمنى وعدم إعادة تنظيم وزارة الداخلية، مع التأكيد على أن الطرف الثالث مازال يعمل وبقوة، هذا فضلا عن حديث المؤامرة، ومحاولة التفريق بين الثوار والبلطجية، وينتهى الحدث فى انتظار حدث جديد ليتكرر الكلام بلا جدوى حقيقية، والسؤال ما هو الجديد الذى تبوح به أسرار أحداث بورسعيد، وأزعم أن هناك الجديد الذى لاح فى الأفق ألُخصة فيما يلى:

 

أولا: أصبح الحل عند البعض هو فى خلق كارثة مجتمعية:

 

لقد قر فى وعى بعض القوى التى على الأرض أنه لكى تصل مصر إلى بر الأمان لابد من استمرار العنف والعنف المضاد، ولذلك نجد تكرار الحوادث دون توقف، وأصحاب هذا الفكر يرجعون إلى ما حدث قبل ثورة 1952 من اغتيالات للقيادات السياسية يقابلها اغتيالات للقيادات الدينية، ثم حريق القاهرة وتتخذ الأحداث طريقا تصاعديا حتى تصل فى النهاية الى إنتصار القوة القادرة على حكم البلاد، واضعة نهاية للفوضى، وعندما تصل هذه القوة للحكم يكون الشعب المصرى قد عانى من الفوضى، فيقبل حكمها مهما كانت سلبياته، وإذا استعرضنا حوادث العنف منذ ثورة 25 يناير نجد أنها تصاعدت فى خلال عام بصورة واضحة للعيان، من إصابات وقتل وحرائق وأخيرا أحداث بورسعيد التى قتل فيها 74 شخصا فى أقل من ساعة، إن أصحاب هذة النظرية يؤكدون أنه كلما زادت الفوضى واستشرت سوف يأتى الحسم فى وقت ما وسوف تقبله الجماهير بصدر رحب بل سوف تشجعة بعد أن تكون قد أرهقت تماما، وليس شرطا أن القوات المسلحة هى التى سوف تحسم هذا الأمر كما حدث من قبل فى ثورة 1952 فالحسم مفتوح للجميع وهذه هى الكارثة الحقيقية،حيث إن عدم قدرة القوات المسلحة على الحسم وارتفاع القوى الأخرى المتصارعة مثل قوة الإخوان المسلمين الذين أصبحوا يمتلكون السلطة التشريعية، وشباب الثورة الذى أخذ شرعيته من الميدان ولديه القدرة على حشد الجماهير، كذلك النظام السابق الذى لم يسقط بعد، كل هذا فضلا عن الاستقطاب الطائفى والاستقطاب الطبقى يؤهل بلادنا لكوارث أخرى أكثر مأساوية، حتى يأتى الخلاص على يد شخص له كارزيما يلتف الجميع حوله أو جماعة من بين المتصارعين على الوطن.

 

ثانيا: أصبح لكل قوة على الأرض اللهو الخاص بها

 

من الأمور التى أفرزتها أحداث بورسعيد أنه لا صحة لما يقال عن وجود طرف ثالث وحيد بعينه فالطرف الثالث هذا أو اللهو الخفى موجود مع كل قوة على الأرض على اختلاف توجهاتها، وإذا كان لدينا أربع قوى ممثلة فى المجلس العسكرى والداخلية من ناحية والإخوان من ناحية أخرى ثم شباب الثورة وأخيرا الفلول نجد أن لكل جماعة من هؤلاء لهوها الخفى أو الواضح الخاص بها والذى يدافع عنها وينفذ المهام المنوط بها، فى عام 2009 كنت عائدا من الولايات المتحدة وجلس بجانبى ضابط شرطة حدثنى عن أنه عائد مع مجموعة منتقاة من ضباط الشرطة المصرية من تدريب على أعلى مستوى، وعندما سألته عما أضيف إليه فى هذا الشأن قال لم يضف لنا الكثير، أهم ما قالوه لنا هو أنه ينبغى أن نختار مجموعات من الخارجين على القانون ونستخدمهم فى القيام بالأعمال التى إذا قمنا نحن بها نصبح هدفا لجمعيات حقوق الإنسان ثم أردف أنهم كانوا يقومون بهذا قبل سفرهم للتدريب لكن ما تعلموه هو كيف يقومون بذلك بشكل احترافى وعلمى بحيث لا يبدو هؤلاء المستخدمون كخارجين على القانون بل مدافعين عنه باقتناع ولهم مظهر جيد، ولقد أجبته بأنى غير مستوعب لحديثه لأنه ليس من المعقول أن يحدث ذلك فى أمريكا التى ترعى حقوق الإنسان، لكنه أصر على صدق ما يقول، ولقد تذكرت هذة الواقعة وأنا ألاحظ ما يحدث على أرض الواقع فى مصر هذه الأيام وقد تداعى إلى ذهنى أيضا الحرب الأهلية فى لبنان (1975ــ1990)، وكيف كونت القوى السياسية مليشيات خاصة بها، وكانت هناك قوى خارجية تمول كل قوة سياسية بالمال والسلاح والإعلام ولقد كان صدام حسين يمول إحدى هذه القوى وكذلك معمر القذافى، وحافظ الأسد بالطبع وحتى إسرائيل كانت تمول بعض المليشيات، وبالعودة إلى مصر لاحظت كيف أن المجلس العسكرى والداخلية يتحدثان عن الطرف الثالث، وشباب الإخوان يدافعون عن البرلمان والألتراس يدافعون عن الثورة، وقد كان لهم فضل الانتصار فى موقعة الجمل مما أدى إلى الانتقام منهم فى بورسعيد كما يقول البعض، وهكذا تستدرج مصر بكل أصالتها إلى هاوية بلا قرار.

 

ثالثا: أصبح لبورسعيد شعب خاص بها

 

لم يعد أمر الاستقطاب يقتصر على القوى السياسية والدينية الموجودة على الأرض فقط بل استشرى مرض الاستقطاب حتى وصل إلى شعب بورسعيد، لقد هب شعب بورسعيد يتحدث عن خصوصيته، ورأينا على الشاشات كيف رفعت الشعارات عن أن الشعب البورسعيدى صار ضحية لمؤامرة قادمة من القاهرة أو قل من شعب القاهرة ولم يعد الأمر يقتصر على جمهور كرة هنا أو هناك بل صارت حربا بين شعب بورسعيد والذى ظلمه حكام القاهرة منذ محاولة الاغتيال التى تعرض لها حسنى مبارك هناك وأصبح الأمر أنه فى أى مباراة فى القاهرة سوف يتعرض شعب بورسعيد للأذى والاضطهاد، وهكذا أيضا شعب الإسماعيلية ثم يأتى شعب السويس، وربما فى يوم من الأيام نسمع هتافات شعب أسيوط أو الإسكندرية..إلخ. أليس كل هؤلاء هم شعب مصر، لماذا هذه النزعة الغريبة والتى فيها انتقلت القيادات من البورسعيديين الذين يعيشون فى القاهرة إلى بورسعيد وخرجوا فى مظاهرات يهتفون أن بورسعيد بريئة وأنها مؤامرة من خارج بورسعيد وكأن بورسعيد هى المستهدفة وأن شعب بورسعيد أصيل من المستحيل أن يرتكب مثل هذه الحوادث!

 

رابعا: أصبح هناك من يتوهم أننا على الطريق الصحيح

 

وهؤلاء يؤكدون أنه يكفى أن الشعب المصرى ــ ولأول مرة ــ منذ عام 1952مارس الديمقراطية الحقيقية من خلال صندوق الانتخابات، ولقد سألنى أحدهم فى أحد البرامج هل عبرت الانتخابات عن الشعب المصرى، قلت لقد عبرت نتيجة الانتخابات بكل صدق عن أغلبية الشعب المصرى،فالنواب الذين فى البرلمان يعبرون تماما عن خريطة القوى السياسية على أرض مصر،وهو عكس ما كان قبل حقبة السبعينيات فبداية من السبعينيات تغلغل التيار الإسلامى فى عقول وأذهان الشعب سواء من الذين سافروا إلى الخليج أو من تأثير الصحوة الإسلامية على مصر داخليا، لكنى أردفت أن الدول التى تشبه مصر كإحدى دول العالم الثالث، والتى فيها الغالبية من الشعب أُمىّ وفقير مثل الهند وإندونيسيا وغيرهما، لديهم من الوعى الكافى فى أن يختاروا من يستطيع أن يقودهم من كفاءات سياسية سواء كانوا من الأغلبية السياسية أو الدينية أو من الأقلية، أما الشعب المصرى ولأنه لم يتمرس على السياسة فليس لديه الوعى الكافى لذلك، لذلك جاءت نتيجة الانتخابات لجماعة لم تمارس السياسة من قبل على أرض الواقع، لكن انتخابها جاء لقربها من الجماهير سواء فى النضج الدينى أو المعونة الاجتماعية، وهؤلاء يحتاجون إلى ممارسة سياسية طويلة ليقدموا رؤى وبرامج حقيقية تنهض بالبلاد، فكيف لثورة مثل التى حدثت فى مصر والتى لا يختلف أحد على طهارتها ونقائها وضرورتها لمصر وخاصة للأغلبية المطحونة الفقيرة تقوم هذة الأغلبية والأكثر استفادة من الثورة بتهميشها وتحرم حتى رموزها من دخول البرلمان؟! فهل هذه تعتبر أغلبية شعبية واعية؟!

 

إن أصالة الشعب المصرى وطيبته الفطرية وصبره على المكارة لا يمكن أن يخفى ضعف الوعى لديه واحتياجاته لإعلام وتعليم واعٍ قادر على إخراجه من الدوامة التى يعانى منها لأنه لا أمل فى مستقبل مصر إلا بعودة الوعى إلى شعبه الأصيل مع الاعتذار لتوفيق الحكيم صاحب تعبير «عودة الوعى»، والذى كان عنوان كتاب له بعد رحيل عبدالناصر،وكان ملخصه أن الشعب المصرى كان فاقد الوعى أثناء حكم عبدالناصر لأنه كان مغيبا،وبمجرد اختفاء عبدالناصر عاد الوعى إليه أو استفاق، فهل يأتى اليوم الذى نرى فى مصر شعبا واعيا لأن أحد شروط الديمقراطية وسر استمراريتها كنظام هو وعى الجماهير، على حد قول مونتسكيو أحد فلاسفة الثورة الفرنسية.

إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات