رياح بايدن تهب على الخليج - معتمر أمين - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 12:57 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

رياح بايدن تهب على الخليج

نشر فى : الثلاثاء 9 فبراير 2021 - 7:40 م | آخر تحديث : الثلاثاء 9 فبراير 2021 - 7:40 م

تدفق الأخبار المستمر يجعل من متابعة أى موضوع سياسى يتسم بالغرق فى التفاصيل بحيث تضيع الصورة العامة، كما يغلب عليه التضارب فى معنى ما نراه. ولكن بعض الأخبار تجعل القارئ ينتبه بأن ثمة تحول يحدث لا تخطئه العين. ففى أسبوع واحد برزت أربعة أخبار مرتبطة باليمن. أولا تحول فى موقف الولايات الأمريكية فى تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية. ثم ترحيب الأمم المتحدة بهذا التحول، بغرض تسهيل توصيل المساعدات الإنسانية إلى أهل اليمن المحاصرين بالحرب من ناحية، وبوعورة الجغرافيا من ناحية أخرى. وثالثا، إعلان دولة الإمارات توقف أعمالها العسكرية فى اليمن منذ أكتوبر الماضى. وأخيرا إعلان المملكة أنها تدفع بالحل السياسى الدبلوماسى، كأهم ورقة لحل مشكلة اليمن المنقسم على نفسه، والذى مزقته الحرب الذى شنها التحالف الإسلامى بقيادة السعودية منذ مارس 2015 بدون جدوى.
متابعة هذا السيل المتزامن عن قضية اليمن توحى بأن شيئا ما يتغير بعد رحيل إدارة ترامب ومجىء إدارة بايدن. وإذا أخذنا فى الاعتبار تصريح إدارة بادين بأن موضوع خاشقجى لن يمر، فإن الصورة تتضح بأن ثمة ما يحاك فى واشنطن، وسنراه فى المنطقة عما قريب. ولكن بيان المملكة بخصوص تصريحات إدارة بايدن حول اليمن وغيرها، يوحى بأن المملكة لديها من الأوراق ما تستطيع التفاوض به مع الإدارة الأمريكية الجديدة. وقد يكون الانفتاح العلنى على إسرائيل أحد أهم هذه الأوراق. لكن قبل استباق الأحداث، يمكن القياس على ما سبق منها لكى يتضح جزء من الصورة. فى كل مرة ضغطت إدارة أمريكية على الجانب السعودى كان الوفاق يحل دائما عبر صفقات يستفاد منها الطرفان. فمرة صفقة أسلحة كبرى، ومرة سياسة يتفق عليها الطرفين موجهة ضد طرف ثالث مثل إيران.. إلخ. وهذه المرة لن يختلف الوضع كثيرا. فالعلاقات بين الدول تحكمها مرجعيات نادرا ما تتغير.
وإذا كانت إدارة ترامب نجحت فى حصد ما يفوق 400 مليار دولار فى صفقات مع المملكة، فإن إدارة بايدن ستحاول الحصول على صفقات بنفس المقدار. وإذا كان الوضع الاقتصادى العالمى، والإقليمى، يساعد على تدبير أموال ضخمة بهذا الحجم فإن جائحة الكورونا التى ألمت بالعالم غيرت الكثير فى الوقت الراهن. ويحول تدنى أسعار البترول التى هوت وتسببت فى عجز بميزانية معظم دول الخليج، دون تدبير المبالغ الضخمة المطلوبة. وإذا كان الحل فى السابق هو مزيج من مكافحة الفساد، ورفع الضرائب، واستنزاف بعض من الاحتياطى فى البنك المركزى، فإن تكرار هذه السياسات فى الوقت الراهن قد يسفر عن تبعات سياسية داخلية غير حميدة. فمن ناحية، التضييق الذى تسببه الضرائب يضغط على قطاعات واسعة من الشعب. ومكافحة الفساد، عملية مرهقة لمجتمع المال والأعمال، وعادة ما تصيبه بالانكماش على أقل تقدير. لذلك تكرار نفس السياسات التى مرت بسلام فى السابق، قد تسفر عن تبعات غير حميدة.
***
وفى كثير من الأحيان يكون الانتقال لملفات الخارج إسعاف لما يجرى فى الداخل. لاحظ مثلا أن إدارة ترامب قبل الرحيل كانت تتباهى بقوة ومتانة الاقتصاد الأمريكى، وتتباهى بارتفاع مؤشر بورصة نيويورك لما يفوق 31 ألف نقطة فى سابقة لم تحدث من قبل. وبعد أيام قليلة من رحيلها، وجه الرئيس الجديد خطابا للشعب تحدث فيه عن أسوأ أزمة اقتصادية تواجه بلاده منذ عقود بالإضافة لثلاث أزمات أخرى كبرى، لم تجتمع من قبل فى التاريخ الأمريكى، وأهمها جائحة كورونا. والاثنان، ترامب وبايدن، وجدا حلا داخلى فى تشغيل ماكينة طباعة أوراق الدولار النقدية، لكى تسعف البورصة، وتمد المواطنين بأموال معونة تمكنهم من تغطية بعض من أساسيات الحياة. ولا يفوتك اصطفاف مئات السيارات أمام بنوك الطعام الأمريكية التى تمد العائلات بكراتين تعينهم بالكاد على قضاء حوائج الشهر، فى ظل تفشى البطالة بطريقة غير مسبوقة والتى بعد أن هوت، لازالت تفوق الـ25%. ثم أنفرد ترامب بصفقات مع المملكة بعد أن أطلق لسانه بتحذيرات للمملكة تخرج عن العرف الدبلوماسى المتبع بين الدول.
***
الآن وإدارة بايدن تفتح باب العودة للاتفاق مع إيران النووية، وتشطب الحوثيين من جدول الجماعات الإرهابية بالرغم من هجومهم الصاروخى المستمر على مدن المملكة، تفعل ذلك وهى تريد صفقة مع المملكة. قد تكون التسوية مالية، وهذا أهون الأمر. وقد يتبعها حراك سياسى داخلى، وهذا باب للمفسدة. وقد يسفر الضغط عن تحرك للخارج، يتمثل فى التصعيد ضد إيران، وهذا أكبر الخطر. وفى هذا السياق وجب التنبيه إلى مسألة أخرى، مرتبطة بتصنيف الولايات الامريكية لمن هى الجماعة الإرهابية. فإذا كان الحوثيون جزء من نسيج المجتمع اليمنى، فإن شيعة لبنان جزء من نسيج المجتمع اللبنانى. لكن حزب الله قابع فى التصنيف ولن يغادره، مثله مثل جماعات شيعية كثيرة فى العراق، وإيران. وكلها شمال المملكة. أما التى فى جنوب المملكة فلا يتم تصنيفها على أنها إرهابية، بالرغم أنها مطابقة فى الفعل، والتوجه مثل التى بالشمال. بل بالعكس، فإن خطر الحوثيين طال الملاحة فى بحر العرب والبحر الأحمر أكثر من مرة! فما السر فى التفرقة فى تصنيف تنظيمات الهلال الخصيب، وتصنيفات اليمن الذى كان سعيدا؟
إن الرياح التى تهب على الخليج فى الوقت الراهن تنذر بعاصفة قد يأتى أوانها بعد حين. والتعامل مع هذه العواصف يتطلب وحدة الصف، والتقارب، والاتفاق. فلم تعد دولة بمفردها مهما كانت إمكانياتها قادرة على التعايش فى وسط أمواج السياسة بدون مجموعة تلجأ إليه وتستقوى بها. المصالحة الخليجية قد تكون بداية، ولكن لابد من خطوات تالية. إعادة إعمار اليمن خطوة قد تزيل العداوة وتحقق ما لا يستطيع السلاح تحقيقه. إعادة الاعتبار لجامعة الدول العربية قد تجمع من البلدان ما لا تستطيع أى منظمة أخرى فعله فى الوقت الراهن. وإذا كانت هذه أحلام، فنرجو ألا نفيق على ما هو أسوأ.

باحث فى مجال السياسة والعلاقات الدولية

الاقتباس
إذا كانت إدارة ترامب نجحت فى حصد ما يفوق 400 مليار دولار فى صفقات مع المملكة، فإن إدارة بايدن ستحاول الحصول على صفقات بنفس المقدار.

معتمر أمين باحث في مجال السياسة والعلاقات الدولية
التعليقات