الحكومة الموالية للأغنياء تعادى الاستثمار - صحافة عالمية - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 5:55 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الحكومة الموالية للأغنياء تعادى الاستثمار

نشر فى : الإثنين 9 مارس 2015 - 8:40 ص | آخر تحديث : الإثنين 9 مارس 2015 - 8:40 ص

نشرت صحيفة الجارديان البريطانية مقالا للكاتب ها ــ جون تشانج يتحدث فيه عن علاقة رجال الأعمال بحكومة يعد الاستثمار أحد أهم سياساتها الاقتصادية، متناولا السبب وراء ضرورة أن تكون الحكومة مؤيدة لقطاع الأعمال حتى تحقق الازدهار المرجو منها. فعلى الرغم من الجهود الجبارة التى يبذلها بعض أعضاء مجتمع الأعمال لإبعاد أنفسهم عن تهم التلاعب بالسوق، والتهرب من دفع الضرائب، والمكافآت التى لا مبرر لها، يرى تشانج أنه لا يزال هذا المجتمع يعيش فى قلق داخل بريطانيا. حيث يوصم أى اقتراح برفع الضرائب على أصحاب الدخول العليا، أو لوائح أكثر صرامة على إساءة استعمال سلطة السوق، بأنه معاد للاستثمار على نحو خطير. ومن المتفق عليه أن الساسة الجادين بشأن ازدهار البلاد ورفاهية مواطنيها، عليهم أن يكونوا موالين«لقطاع الاعمال».

•••

ويُعرِف تشانج ما المقصود بأن تكون مؤيدا لقطاع الاعمال بأنه، أولا، يجب عدم الخلط بين موقف المؤيد لقطاع الاعمال مع موقف المؤيد للأغنياء. فليس جميع الأغنياء رجال أعمال أو «خالقى ثروة»، مثلما يطلق عليهم هذه الأيام. فقد ورث بعضهم ببساطة مبالغ طائلة من المال، فى حين أن آخرين خلقوا الثروة فى أماكن أخرى، ويستمتعون ببساطة بالعيش فى المملكة المتحدة.


وبطبيعة الحال، ينفق هؤلاء المال ويخلقون ـ بشكل غير مباشر ـ فرص العمل، والدخل، فى تلك العملية. ولكن خلق الوظيفة ــ والدخل ــ من خلال الاستهلاك يمكن القيام به من قِبَلِ أى شخص، إذا ما أتيح له المال. فى الواقع، يمكن القول بأن الفقراء أكثر فعالية فى هذا الصدد، فهم يميلون إلى إنفاق حصة أكبر من دخلهم، فيخلقون المزيد من الطلب على الاستثمارات. وبالتالى فإن نقل الدخل من «الأغنياء الخاملين» إلى الفئات الفقيرة فى المجتمع، من خلال الضرائب، قد يكون فى الواقع سياسة مؤيدة للاستثمار.


ثم إنه لا يجب خلط الأمر ببعضه البعض. فلا يعنى مساندة الاستثمارات، التساهل مع أنشطة غير قانونية، أو شبه قانونيةـ يقوم يها رجال الأعمال والشركات؛ مثلما يريد بعض مانحى حزب الجمهوريين والصحف اليمينية.


ويعتبر تشانج التسامح مع الشركات التى تنتهك القوانين، مناهضة للاستثمار. فعندما لا تدفع بعض الشركات ورجال الأعمال حصتهم العادلة من الضرائب، فهم يزيدون الأعباء الضريبية على غيرهم من أفراد المجتمع، بما فى ذلك الشركات الأخرى. وعندما يكسر رجال الأعمال عديمو الضمير القواعد الأساسية للمنافسة، سواء كان التحايل فى أسواق الصرف الأجنبى أو عدم دفع الحد الأدنى للأجور، فهم يؤذون بقية مجتمع الأعمال.

•••

وبعد تأكيد تشانج على أن تأييد الاستثمار لا يعنى التساهل مع الخارجين على القانون. ويتساءل إذا كان من الممكن، على الأقل، أن يعنى ذلك وضع مصالح الشركات التى تحترم القانون فوق ماعداها؟ ويجيب بـ«لا» ــ فإن الحكومة المنتخبة ديمقراطيا التى تفعل هذا، تكون مقصرة فى أداء واجبها.
فتحت تأثير الخطاب المؤيد للاستثمار، غالبا ما ننسى أن الحكومة لديها اهتمامات أخرى أبعد من الاستثمارات، عليها أن تهتم بها. فعلى سبيل المثال، قد يرغب رجال الأعمال فى تخفيض الضريبة على الشركات، إلا أن الموافقة على هذا يعنى فرض ضرائب على الآخرين بشكل أكبر من أجل توفير نفس المستوى من الخدمات العامة. وعلاوة على ذلك، هناك العديد من الكيانات الممولة من الإنفاق الحكومى لأننا نقدر ما ينتجونه، وليس لأنها تحقق الأرباح ــ بى بى سى، مجلس الفنون، وأقسام الفلسفة أو الأقسام الأنجلو ساكسونية.


ولكن، فى حالة قبول مساعدة رجال الأعمال يجب أن تكون أولوية بالنسبة للحكومة، والمشكلة أنه لا يوجد مايسمى «مصلحة الاستثمار».
ويُفَصل تشانج ذلك بأن الاستثمار يتكون من العديد من القطاعات المختلفة ــ الزراعة والتصنيع والطاقة والبناء والتمويل، وتجارة التجزئة، والبرمجيات، أيا ما كان اسمها ــ وأنواع مختلفة عديدة من الشركات، من خدمات تنظيف السجاد الصغيرة لشركات التكنولوجيا الفائقة المتوسطة الحجم والشركات العالمية العملاقة مثل رولز رويس أو HSBC. وهذا يعنى أن أى سياسة تساعد قطاعا واحدا من الأعمال قد تضر الآخرين. على سبيل المثال، إذا ما تركت شركات الطاقة تسيء استخدام نفوذها فى السوق، سوف يعانى غيرها من الشركات المستهلكة للطاقة. كما أن ارتفاع العملة الذى يروق لصناعة التمويل، يعتبر من الأخبار السيئة بالنسبة لشركات التصنع والتصدير. وعلى الرغم من أن تخفيف القيود المالية يفيد صناعة التمويل عن طريق زيادة خياراتها، ولكن هذه الزيادة نفسها فى الخيارات يجعلها أقل صبرا، وهو ما يجعل الحياة صعبة بالنسبة للشركات التى تريد الحصول على تمويل طويل الأجل.


وحتى داخل نفس القطاع العريض، تختلف المصالح لأن الشركات المختلفة تستخدم مدخلات مختلفة فى مواقع مختلفة. وعلى سبيل المثال، تقول جميع الشركات أنها تريد أفضل البنى التحتية والعمال من ذوى المهارات العالية، ولكن ما تريده شركة آلات مقرها برمنجهام من البنية التحتية والعمال، سيكون مختلفا جدا عما تريده شركة تكنولوجيا معلومات مقرها كامبريدج.
وفى كل من الحالات المذكورة أعلاه، يعتقد تشانج أنه ليس من الواضح ما الذى ينبغى أن تفعله حكومة مؤيدة للاستثمار. هل ينبغى أن تترك شركات الطاقة تبالغ فى تحصيل رسوم من الشركات الأخرى؟ هل تضع مصالح القطاع المالى فوق مصالح شركات التصنيع؟ هل ينبغى أن تمول المهارات والبنية التحتية المطلوبة لشركة برمنجهام، أو احتياجات شركة كامبريدج؟

•••

يرى تشانج أنه، بطبيعة الحال، يجب على الحكومة البريطانية رسميا، دعم جميع الشركات، ولكن بسبب هذا الغموض، كلما كانت الصناعة أكثر قدرة على الضغط، كلما استطاعت الحصول على «معاملة خاصة». ويدعو تشانج إلى تأمل الدعم الصريح والضمنى الذى حصل عليه القطاع المصرفى فى شكل عمليات الإنقاذ والقروض منخفضة الفائدة فى السنوات القليلة الماضية فقط. أو ماذا عن حقيقة أن المملكة المتحدة كانت تدعم سرا مشغلى السكك الحديدية على نطاق واسع عن طريق تخفيض الرسوم على استخدام البنية التحتية للسكك الحديدية؟ وما يزيد الطين بلة، أن هذه الإعانات لا تشترط معايير كافية للسلوك والأداء؛ على النقيض من المعايير التى تفرض على المستفيدين من إعانات العجز أو بدل الباحثين عن عمل.
وعندما تحصل بعض الشركات على مثل هذه التسهيلات الخاصة، تعانى غيرها من الشركات، لأن الحكومة ليس لديها المال الكافى لدعمها من خلال، على سبيل المثال، الاستثمارات فى البنية التحتية والبحث والتطوير، والمهارات. ويرجح تشانج أن تكون العاقبة سيئة بالنسبة لمعظم مجتمع الأعمال.


•••

وفى الختام يوضح تشانج بأن بريطانيا تحتاج إلى حكومة مؤيدة لقطاع الاعمال حقا، لديها استراتيجية اقتصادية واضحة تعترف بالمصالح والأولويات الاستثمارية المختلفة، مع التوفيق بين ذلك وبين مصالح وقيم بقية أفراد المجتمع. فإذا كان هذا يبدو راديكاليا أكثر من اللازم، فذلك لأن الحكومة سمحت للأغنياء الكسالى أن يظهروا بمظهر خالقى الثروة المبدعين، كما تسامحت مع كسر رجال الأعمال للقوانين، وللشركات القوية باستغلال فكرة تأييد الاستثمار لتحقيق المصالح الفئوية الخاصة بها فترة طويلة جدا.

التعليقات