تكريم يحيى حقى الذى كرم الحمير - سيد محمود - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 9:40 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تكريم يحيى حقى الذى كرم الحمير

نشر فى : الثلاثاء 9 مايو 2023 - 8:25 م | آخر تحديث : الثلاثاء 9 مايو 2023 - 9:19 م

قبل عشرين عاما بالتمام والكمال أهدانى صديقى المصور الفوتوغرافى العالمى أسطوانة مدمجة تحوى صورا لحمير قام بتصويرها فى مختلف مناطق الجمهورية وأضاف إليها «حميرا» أخرى صورها فى بلاد الفرنجة التى ذهب إليها
كنا نحلم آنذاك بتنظيم معرض لصور أولئك وهؤلاء، لولا أننا انشغلنا فى أمورنا ثم سافر حمدى بعدها إلى أوروبا والدول المتقدمة وصار يصور الحقول وطواحين الهواء.
تذكرت حمدى و«حميره» وأنا أقرا عن اليوم العالمى للحمير الذى حل أمس الأول وهى مناسبة لا نحتاجها فى مصر، لأننا كما نعرف جميعا نعامل الحمير أحسن معاملة.
حسب تقارير صحفية هناك أكثر من 44 مليون حمار فى العالم، لها أشكال وأحجام مختلفة وتأتى من أكثر من 186 سلالة.
والاحتفال باليوم العالمى للحمير حديث العهد إلى حد كبير، بدأ قبل خمس سنوات فقط وبالتحديد 2018 عندما دشن عالم الحيوانات أرك رازق، (جروب) على موقع (فيسبوك) وأطلق الفكرة للتعريف بفضل الحمار على البشرية ووجدت اهتماما عالميا.
ساعد الحمار ــ بحسب أنصاره ــ على ازدهار الحياة فى المناطق ذات المناخ القاسى والتضاريس الصعبة، وعزز من شروط جودة حياة الأفراد فى جميع أنحاء العالم.
وهناك صفات كثيرة للحمار تجعلنا نندم على وصف أى بنى آدم غبى بالحمار، لأن الحمار كائن نظيف له ذاكرة حديدية وإلى جانب ذلك يملك قدرة خارقة على استشعار الخطر.
يؤكد الخبراء أنه كائن عاطفى رقيق يغضب لفراق الأحبة، ربما أكثر من الكلب ويشعر بالوحدة، لذلك ينهق كثيرا ليلاغى رفاقه أو بحثا عن أصدقاء فى الفضاء المجاور.
الحمار، أعزك الله، يحسن التصرف وخلال أوقات فراغه القليلة يحفر فى الأرض بأمل الوصول إلى المياه الجوفية، وبالتالى تزويد الطيور والسنجاب بالتربة الرطبة اللازمة للحياة.
وعلى الرغم من تفانيها لأجل راحتنا، تعانى الحمير من البشر فى مناطق كثيرة من العالم وتقتل لأسباب مختلفة نعرفها فى مصر.
المهم أن الكلام عن الحمير ذكرنى بالكاتب العظيم يحيى حقى الذى أفنى حياته يؤرخ لـ(ناس فى الظل) وبحسب تعبيره «وجد سعادته مع الحمير».
مثل صاحبها لم تحظَ حمير يحيى حقى بالشهرة التى تستحقها ولم تجد الاهتمام الذى وجده حمار توفيق الحكيم أو حمار محمود السعدنى وظل (بلاتيرو) حمار الإسبانى خوان رامون خيمينيث هو الأشهر لأنه أوصله لجائزة نوبل.
كتب حقى فصولا من أجمل ما يكون عن (الحمير) فى كتابه الذى لا يقاوم (خليها على الله) ورصد حياة الحمارين وما كانوا يحظون به فى صعيد مصر من فقر وفرص فى الثروة وكتب كذلك عن ريبتهم فى الغرباء الراكبين معهم.
الاهم أنه سبق من أطلق الدعوة للاحتفال بالحمار والإشارة لأفضاله على البشرية وأول من دعا إلى حب الحمار، ولفت النظر إليه وكتب (انظر إلى الحمار كيف يتحسس طريقه، يمرق من المآزق ويثبت عند المزالق، قوائمه طوع أمره كالخيزران، له جلد على الجرى، ويحفظ الطريق، ينتظم فى القافلة لا يربكها، لا يعرف الجموح ولا يقفز خوفا من خياله كالحصان الاسترالى، غلبان يبلع الاهانات، بخس الثمن نادر الأمراض، لا تنتفخ بطنه على ندى البرسيم كما يحدث للجاموس، لا يجر صاحبه إلى الترع، بل إذا طلب الاستحمام سار وحده ليتمرغ فى التراب).
اهتم كاتبى المفضل بالكتابة عن أنواع الحمير ودرجاتهم وقال إن أدناها (حمار السبخ، فهو لا يطلب منه أن يجرى، وقدره أن يمشى كما يشاء، فيمشى يربط عظامه بعضها إلى بعض خيط واه، مشيه أجرب يحك بيد خفية قروحا بعيدة على جسده لا يبلغها إلا بعد مشقة وتلو) والدرجة الثانية فى تصنيف حقى هى (حمير الأجرة) لا تعرف الراحة أبدا وتعتصر قواها إلى آخر قطرة كما يستنزف دم الذبيحة وهى أكثر الحمير مكرا ثم يأتى بعد ذلك حمار الفلاح طيب القلب وديعا وفيه كثير من عباطة السذج ــ كما يقول ــ لأنه يعيش ــ وأن فى شظف العيش بين أحضان أسرة كواحد من أفرادها).
يمتلئ الكتاب بنباهة غير عادية فى الالتفات لتفاصيل الحياة اليومية فى الريف وفى قاهرة العشرينيات ولا اظن أن هناك كاتبا قدم لمصر ما قدمه يحيى حقى من خدمات، فبالإضافة لإخلاصه الوظيفى وحبه لـ«تراب الميرى» فى المواقع التى عمل فيها سواء النيابة أو السلك الدبلوماسى أو مصلحة الفنون ثم مجلة المجلة أتاح الراحل مادة تاريخية وأنثربولوجية هائلة لا أبالغ إن قلت إنها لم تكتشف بعد، كما لا أبالغ لو قلت إنه لا يزال بمشروعه الإبداعى مثل (قارة مجهولة) أو محمية بشرية لم تمس.
لا أعرف إلى متى سيبقى يحيى حقى مهضوما حقه، فقد هدمنا مقبرته وأهلنا التراب على ذكراه. لم يهتم المثقفون ولم تتحفظ وزارة الثقافة ولم تجد ابنته فى شيخوختها من يحترم دموعها ويمسحها من باب «جبر الخواطر».
لم يفكر أحد فى إطلاق اسمه على شارع رئيسى فى مصر الجديدة التى سكنها أو فى السيدة زينب التى ولد فيها وهو اقتراح أقدمه وعسى ينجح أحد فى «تطييب خاطرها» فهى لا تزال تحلم بتصرف يليق بالرجل ولو من (من باب العشم) كما كتب.