في تعريف الإبداع.. حكاية الأبنودي مع عرق البلح - هشام أصلان - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 5:24 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

في تعريف الإبداع.. حكاية الأبنودي مع عرق البلح

نشر فى : الجمعة 9 يونيو 2023 - 9:00 م | آخر تحديث : الجمعة 9 يونيو 2023 - 9:00 م
يحكى عبدالرحمن الأبنودى، فى أحد البرامج، عن هاتف تلقاه من المخرج رضوان الكاشف، يطلب منه كتابة أغنية فيلمه الجديد «عرق البلح». قال له الكاشف: «عايز أغنية ملهاش معنى لكن فيها كل المعانى». وصف غريب لا يدل على شىء واضح. وربما أن رضوان الكاشف، كان فى ذهنه أفكارا معينة وشكلا للأغنية لا يعرف كيف يعبر عنهما بالضبط، خصوصا وهو يطلب من شاعر أن يصيغ تصوره الفكرى والفنى بأبيات غنائية تتسق مع الحالة السينمائية التى لا تزال محض خياله.
قرأ الأبنودى قصة الفيلم ووصلته أفكار رضوان، لكنه لم يكتب سطرا أو حتى كلمة واحدة فى الأغنية، وإنما، وفق حكايته، وجد ضالته لدى ذكرياته مع أمه فاطمة قنديل، ملهمته فى كثير من شعره المعروف عبر حفظها لكثير من التراث والفلكلور الصعيدى. وتذكر أغنية كانت تلقيها على مسامعه وهو صغير، لكنه هذه المرة لم يستوح من تراثها أو يستلهمه، ولكن نقله كما هو بالضبط. نعم نقل الأغنية بالكلمة لرضوان الكاشف دون تغيير، قبل أن تذهب إلى الملحن الكبير ياسر عبدالرحمن لتخرج الأغنية الشهيرة والجميلة «بيبه»، والتى بالمناسبة حين دندنها الأبنودى أثناء حكايته وهو يصف طريقة فاطمة قنديل فى غنائها، دندنها بنفس لحنها الذى عرفناها به فى الفيلم مع اختلافات طفيفة ربما تتعلق بالتوزيع وليس بالنغمة اللحنية.
وفى حكايته، تكلم الأبنودى مبهورا بكيف كانت أمه السيدة البسيطة التى لا تعرف القراءة تلقى عليه الأغنية المحتشدة بـ«مشاهد سيريالية ملهمة وشعرية وتوصل لك حالة ما تلاقيهاش فى كتب عميقة بتعبيره». غير أننى بعد ما سمعت حكايته الأبنودى انتابتنى أفكار وأسئلة حول تعريف الإبداع والمسافة الفاصلة فى وجوده من عدمه:
لماذا يعترف الأبنودى بهذه الأريحية، وهو المعروف عنه إحساسه بذاته كشاعر كبير، أنه نقل الأغنية ولم يكتب فيها حرفا؟ طيب. هل هذا ما حدث بالضبط أم أن أغنية فاطمة قنديل كانت سطورا قليلة مثلا أوحت للأبنودى بأغنيته أو بنى عليها أبياته فيما أغراه أن يقول الحكاية بهذه الطريقة لإدراكه أن حكاياته عن عالمه وتراثه دائما ما تضفى جاذبية لأسطورته الشعرية؟ غير أن السؤال الأهم بالنسبة لى كان: لو أن هذا ما حدث فعلا، لو أن الأبنودى أخذ أغنية جاهزة من أمه أو من تراث مغمور وسلط عليها الضوء واشتهرت وأحبها الناس وتركت لديهم ما يتركه الفن الجميل لدى المتلقى، هل تزول عنه تماما صفة إبداع هذه الكلمات؟ هل نستطيع نفى فعل التأليف عنه فى هذه الحالة باعتبار أن التأليف مرتبط بخلق المؤلف سطوره مرورا بمحاولات وصوله إلى أفضل لغة كتابة وصناعة أسلوبه الخاص للتعبير عن عالمه وما إلى ذلك؟ أم أن كونه مد يده أسفل ركام وأتربة وأخرجها بقطعة جوهرة منظفا إياها ليضعها فى الضوء تبرق ويرى الناس لمعتها يعطيه صفة صانعها؟
كثيرون من الكتاب العظماء ساهموا فى خروج ملامح عالمهم من الحيز الضيق للزمن والمكان الذى خلقت فيه تلك الملامح إلى اتساع الإنسانية، لكن هنا سؤال حول العلاقة بين طريقة التعبير عن عالمك وبين معنى الإبداع. ماذا عن الوضع فى الاعتبار أن عينيه وحدهما التقطتا فى كلمات أمه التراثية شعرا كبيرا والنداء بصوت عالٍ ليرى الناس ما رآه هو والنجاح فى هذا؟ الحقيقة لا توجد لدى إجابة قاطعة، فقط أسئلة فتحتها الحكاية فى ذهنى، فيما هى مناسبة نتذكر معها القصيدة والأغنية الجميلة، والسردية السينمائية الكبيرة والرائعة لرضوان الكاشف والكادرات المدهشة لطارق التلمسانى فى واحد من أجمل الأفلام.
بيبه عمى حمادة.. بيبه جابلى طبق.. بيبه مليان نبق.. بيبه قالى كلى.. بيبه قولت له ماكُلشى.. بيبه وديه لأمك.. بيبه أمى بعيد.. بيبه آخر الصعيد.. بيبه والصعيد مات.. بيبه خلف بنات.. بيبه خلف بنية
بيبه قد القطية.. بيبه خدها على.. بيبه خدها بدبايح.. بيبه والسمن سايح.. بيبه سايح لفوق.. بيبه وعامله طوق..
هشام أصلان كاتب وصحفى
التعليقات