«الهلال» في عيدها - سامح فوزي - بوابة الشروق
الأحد 6 أكتوبر 2024 4:49 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«الهلال» في عيدها

نشر فى : الثلاثاء 10 سبتمبر 2024 - 7:40 م | آخر تحديث : الثلاثاء 10 سبتمبر 2024 - 7:40 م

فى رحاب دار الهلال، المؤسسة الصحفية العريقة، تذكرنا الأربعاء الماضى مرور ١٣٢ عاما على تأسيس جورجى زيدان مجلة الهلال. شارك فى الحوار نخبة من المثقفين، الذين تذكروا هذه المناسبة بخلفية التاريخ وشجون الحاضر. 
تعد مجلة الهلال من أعرق المطبوعات الثقافية فى العالم العربى، صمدت فى وجه تقلبات السياسة، وتحولات الثقافة، بينما خرج غيرها تباعا من ملعب الثقافة. أسسها جورجى زيدان، الشاب اللبنانى الذى لم يعجبه العمل فى مطعم والده فى بيروت، وتمرد على حرفة إصلاح الأحذية التى ألحق بها، وجاء إلى مصر حاملا أربع لغات، وحلم التغيير، والسعى إلى دراسة الطب، وكان له فى دنيا الثقافة شأن آخر، ومعارك يتردد صداها إلى الآن. 
من مطبعة فى دكان صغير فى حى الفجالة أسس جورجى زيدان الهلال، تيمنا بالهلال العثمانى، لافتا إلى أن هلال الشهر يهل كل ثلاثين يوما، والهلال أيضا ستظهر كل شهر. اختار حى الفجالة على مقربة من محطة سكك حديد مصر، رغبة فى وصول المجلة إلى جميع أنحاء مصر، ولا أدرى هل كان يدور بخلده فى تلك اللحظة أن تصل مطبوعته الثقافية إلى عدد من قارات العالم بعد مرور عشر سنوات فقط على تأسيسها. 
كانت الهلال، وظلت فى قلب تغيرات وتقلبات الحال فى مصر على مدى أكثر من ١٣٠ عاما، فقد تأسست عام ١٨٩٢ بعد مرور عقد على الاحتلال البريطانى لمصر، وبعد يومين فقط من إصدار عبد الله النديم مجلة «الأستاذ»، والتى لم تصمد مثلما صمدت الهلال التى أتمت عمرها الخمسين عام ١٩٤٢ فى قلب الحرب العالمية الثانية، وشهدت نكسة ١٩٦٧ فى عمرها الخامس والسبعين، وعندما أتمت مئويتها شهدت مصر بعد أيام من تلك المناسبة زلزال ١٩٩٢. ولكن الزلزال الحقيقى، القديم الحديث، تمثل فى التغيرات التى ألمت بالمشهد السياسى، خاصة المعركة مع الإرهاب، ومحاولات تغيير الهوية المصرية، وترويج تفسيرات متشددة للدين مستوردة من مجتمعات لا تعرف رحابة الثقافة المصرية، وخبرة التعددية الدينية العميقة. 
هذه هى معركة الهلال، وكل المطبوعات الثقافية فى مصر، والسبب أن الوهن السياسى الذى أصاب الحركات الإسلامية فى العقد الأخير، ارتبط بصعود مناخ من المحافظة الثقافية فى التفكير، والنظرة إلى الإبداع والفن، وطرائق الحياة، ويعد التزمت الثقافى دون شك الحاضنة الاجتماعية للتشدد السياسى. 
فى هذه المناسبة أتمنى على القائمين على الهلال، الأستاذين عمر سامى رئيس مجلس الإدارة، وطه فرغلى رئيس التحرير، أن يضعا على قمة اهتمام الهلال قضية التنوير، وتحرير العقل المصرى من التطرف والتفاهة الاستهلاكية، والجمود الفكرى، ووصول المطبوعة الثقافية إلى جميع الأنحاء، مثلما سعى مؤسسها جورجى زيدان، لأن الانتشار الثقافى يحقق العدالة الثقافية، ويكسر نخبوية الثقافة، ويجعلها فى متناول الجماهير. هذه هى الحداثة فى جوهرها، حداثة المجتمعات وليس نخبة تتحدث عن الحداثة، ولا يؤمن كثير من المثقفين بها. وكما قدمت الهلال على مدار عقود عقولا ثقافية مبدعة فى كل مجالات الثقافة والفنون والعلوم، يجسدون لوحة شديدة التنوع، فإن انفتاح الهلال على جيل من المبدعين الشباب فى الفترة الراهنة يجدد شبابها، ويجعلها أكثر تواصلا مع قطاعات واسعة للمجتمع.

سامح فوزي  كاتب وناشط مدني
التعليقات