لم تعد تلمع بعد الثانية عشرة - هشام أصلان - بوابة الشروق
الثلاثاء 21 مايو 2024 7:42 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لم تعد تلمع بعد الثانية عشرة

نشر فى : الثلاثاء 10 ديسمبر 2013 - 7:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 11 ديسمبر 2013 - 12:00 ص

1

"كل مدينة لا تُعرف من رائحتها، لا يُعول على ذكراها.."

محمود درويش. في حضرة الغياب..

2

قبل عام، لاحظ المارة بشارع الحبيب بورقيبة، قلب العاصمة التونسية، هؤلاء الغرباء الذين يجلسون بمقهى بديع يطل على منطلق ثورة الياسمين.

لم يأخذوا وقتا طويلًا، حتى يعرفوا أن هؤلاء المصريين، هم ضيوف معرض تونس الدولي للكتاب، الذي حلت مصر عليه ضيفًا للشرف. يبدأ حديث معتاد بين هؤلاء المصريين، عن تلك الحفاوة التي يلاقونها دومًا، مع زيارة أي من بلاد المغرب العربي تحديدًا، وإن لهجتك المصرية، هي مفتاح أبواب تلك المدن، لدرجة جعلت من سجائرنا المحلية، سببًا لبهجة مرافقينا، وحنين بعضهم لذكريات مصرية، ومحبة متبادلة.

نبدأ التنقيب عن أماكن السهر فورًا، نندهش من هذه المدن البديعة التي تنام فيها الحياة عند الثامنة، لينتهي بنا المطاف بغرفة أحدنا، أو في مكان مختبئ يعرفه أحد أبناء الليل ممن يشبهوننا.

يومان على الأكثر، وتفهم أن مسألة الليل هذه، هي مشكلة خاصة بك، أنت الآتي من مدينة تلمع بعد الثانية عشرة، وأن هناك مدنًا يلائمها الصباح، بينما القاهرة تحلو بالليل.

لكن المدينة الصاخبة استحلت الحظر، وأصبحت تتأنس بأجساد قليلة لبشر قليلين دون أرواحهم، وكأن "الجاثوم" جاء من ما وراء الطبيعة ليستقر بجسده فوق مركزها، ذاهبًا عنها مع أول خيط أبيض، ليتركها إلى نهار غير محتمل، فهو بطبيعة الحال، أبعد ما يكون عن أي "روقان".

3

قبل أسبوع تقريبًا، كان عزاء أحمد فؤاد نجم، وقد اعتدنا في مثل هذه الظروف الانتهاء من المراسم التقليدية، ثم الذهاب، كل مع شلته، لنتدفأ في بعضنا البعض، والسهر حتى الصباح. في الممرات بين مقهى وآخر، تقابل كل مجموعة الأخرى. ينزاح الحزن قليلًا عن الوجوه، ويكتفي بالاستقرار في القلب، بعدما يهوّن السهر والدردشة من الأمر، ويحل الشجن والذكريات بديلًا لحدة الفقد.

خرجنا من عمر مكرم، قطعنا ميدان التحرير إلى شارع طلعت حرب، قبل دخول الممر الشهير على يمين مقهى ريش، والوصول إلى زهرة البستان، نظرنا إلى بعضنا البعض دون كلام، ونحن نتحرك بسهولة وسط كراسي المقهى الخالية، إلا من أنفار قليلة متفرقة، لا يعرف أحدنا أحدهم.

أي "خميس" هذا الذي خلت فيه المقاهي والحانات من روادها؟ ومنذ متى كانت برودة الطقس مبررًا لقلة الساهرين، بعد عزاء حضره كل عشاق المدينة وليلها؟

4

لم يبق من أماكن وسط البلد وشوارعها، ما لم تطله الوحشة، غير مقر "ميريت" للنشر، وجدرانه التي تستمد البهجة من أرواح المؤسسين، لتنثرها على الأجيال التي طالما احتمت بداخله من الغاز وطلقات الخرطوش والرصاص، والآن من وحشة الطريق عند الثانية عشرة.

استكملنا السهرة في صحة أبو النجوم، واستمعنا لأشعاره من الأصدقاء، وغنى الناشر محمد هاشم، بأداء مذهل وإحساس مختلط عجيب:

يا حبايبنا فين؟ وحشتونا

لسه فاكرينا ولا نسيتونا

دا احنا في الغربة

في الهوا دوبنا

وانتو في الغربة جوا في قلوبنا

اوعوا تفتكروا إننا تبنا، مهما فرقونا ولا بعدونا..

5

للقاهرة رائحة، لا تنتشر إلا بالليل، لكن المقاهي، أصبحت تغلق أبوابها مبكرًا.

لعلها فترة مؤقتة.

هشام أصلان كاتب وصحفى
التعليقات