غباء.. أم استغباء؟ - محمد محمود الإمام - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 6:35 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

غباء.. أم استغباء؟

نشر فى : الإثنين 11 مارس 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الإثنين 11 مارس 2013 - 8:00 ص

يرى كثيرون ممن يشهد لهم بصواب الفكر ورجاحة العقل أن الإخوان وتوابعهم فيما يطلق عليه الحرية والعدالة، إنما يرتكبون خطأ جسيما لكونهم لم يستغلوا فرصة تراجع شعبية العسكر، وتولى بديلهم الرئاسة، فى غيبة قوى منافسة منظمة، ليعملوا من الحسنات ما يزيل عنهم السيئات، وأن يجتهدوا فى إثبات صدق دعواهم بانتمائهم لثورة شعب قاوم الاستبداد والطغيان والفساد، ونادى أول ما نادى بطلب العيش والحرية، فيزودونه ولو بكسرة خبز تحيى آماله فى عيش كريم، أو يضيئون له بصيص حرية تطلق إرادته التى كُبتت أربعين عاما تحت رئاسة رئيس غاشم، ثم رئيس غشيم، أو يرسلون له رسائل ولو مشفرة على المحمول بوعود بأنهم يملكون الرغبة والقدرة معا على تحقيق عدالة اجتماعية تكفل توفير كرامة إنسانية أهدرت، بغير إفقارهم إلى حد الدخول فى زمرة الفقراء والمساكين وأبناء السبيل الذين تجوز لهم الزكاة ممن يعتبرون أنهم للزكاة هم فاعلون بنهب حقوق الآخرين، شريطة أن يتسع الوقت لبناء بيت المال.

 

قد يبدو أولئك على صواب فى ذهن من يتبع فى التفكير المنطق القويم، ويأتى الله بقلب سليم. ولذلك علينا أن نتيقن أن الإخوان يملكونه أولا، ويطبقونه ثانيا، ولكن خانهم التوفيق فى الوفاء بوعود سبقت مسرحيات الاستفتاءات والانتخابات والإعلانات الدستورية والجمعيات التأسيسية، وتَلَتها، وهو أمر يتعذر قبوله. وتفرض علينا قواعد الديمقراطية ألا نملى أسلوبنا للتفكير والتدبير على الغير، بل نسعى أولا للتعرف على أسلوب التفكير الذى يعكس رؤيتهم الخاصة لمصالحهم، وفق بدائل لا نرفض منها إلا ما يثبت بالدليل القاطع خطأه. وأبدأ بالقول أن اتهام فئة تعمقت فى دين حفظه الله بكتاب هو أبلغ فى أسلوبه مما كتب بلغة اختارها الخالق عز وجل لبلاغة تعبيرها، ورقة بديعها، ووضوح بيانها، لتكون فى متناول العالمين وتنفذ إلى قلب وعقل كل إنسان، خلقه الله وعلمه البيان ولو كان أميا. أقول أن اتهام هذه الفئة بالخطأ، وبإصرارها عليه رغم لفت أنظارها إليه، وتحذيرها من تدنى شعبيتها الذى تتوالى شواهده ولا تغيب عن أبصار كل ذى عينين، هو خطأ بذاته. وعلينا أن نتلمس تفسيرا لما يجرى بالبحث عن منطق بديل يفسر هذا السلوك الممعن فى الضلالة والتضليل.

 

•••

 

ولا يصعب تلمس البديل إذا أرجعناه إلى الشعار الذى يرددونه: الشريعة والشرعية. وهو واضح فى أن الشرعية، التى لا يجوز إضفاؤها على شخص أو فئة بصفة دائمة، لا تتطلب فى أذهانهم العمل دوما على إرضاء الشعب واسترضاء مختلف فئاته، طالما أنهم يدعون أنهم يحكمون بالشريعة التى تفرض الطاعة على الجميع، وتستبعد كل من يكتفون باستلهام مبادئها، كما فعل الأولون، فى إصدار تشريعات تساير تطورات قدرة الإنسان على تقدير شئون حياته، ناهيك عن إقصاء من اختاروا البقاء ملتزمين بسابق كتبه ورسله، الذين لا يفرق الله بين أحد منهم. ولو راجعوا أنفسهم عن حكمة الله جل شأنه فى تعاقب الرسالات وتوقفها عند ما أتى به خاتم النبيين، الذى أمّهم فى صلاة جمعتهم جميعا فى السماء، لرأوا أن الرسالات تعاقبت لتواكب تطور مدارك البشر وتزايد قدرتهم على تبين الخبيث من الطيب، وتوقفت عندما قدّر، عزت قدرته، أن الإنسان بلغ مستوى من تقدير الأمور، ما يجعله أهلا لأن يظل يتعلم ما لم يعلم إلى يوم الدين، وأمام باصريه آيات الكتاب الكريم، تهديه الصراط المستقيم، صراط الذى أنعم عليهم بنعمة الإيمان، لا الذين يملون عليهم الإيمان إملاء.

 

إذا صح هذا المنطق، فإن الساعين إلى السلطة بموجبه، ليس فى تقديرهم أن من حق الشعب أن ينصرف عنهم، وإلا تخلى عن الشريعة، فحقت عليه لعنة الله ونقمة ولى الأمر الذى يحكم باسمه. وهكذا ننحصر مهمتهم فى لعبة كر وفر تستنفد الوقت لحين إتمام الاستيلاء على كافة مؤسسات الدولة، وهو ما يطلق عليه «الأخونة» (من إخوان وليس من خيانة الأمانة). وتتعدد أساليب إضاعة الوقت وتفويت الفرص على باقى شرائح المجتمع، مع التظاهر طول الوقت بأنهم صامدون رغم توالى الضربات من كل جانب. فإذا هدأت حركة الاحتجاجات والمليونيات، حشدوا لها المأمورين بالسمع والطاعة، تارة فى محيط جامعة القاهرة حيث الشباب ــ الذى قاد الثورة ــ يتلقى العلم فيها (وفى نظيراتها)، أو فى الاتحادية التى تم وضع اليد عليها. ثم تعامل الاحتجاجات بأسلوب يزيد من اشتعالها، لتتعطل مصالح الشعب ومرافق الدولة. وتكتمل الكوميدية السوداء بدفع الاقتصاد إلى الهاوية فيتقدم الشاطر وإخوانه الشطار لشراء منشآته التجارية والإنتاجية والسياحية بأبخس الأثمان، لتكون الأخونة أسوأ صيغ الخصخصة.

 

فتتصاعد آمال بالخلاص من الثورة وتداعياتها، وتنحصر البدائل بين مبارك ومرسى. ويبدو الأخير مترددا فى قرارات لم تكن سلامة التقدير تسمح بها، ليظهر بمظهر غير القادر على قيادة الدفة، وينشغل القضاء والإعلام وبجانبهم الشعب بجدل لا طائل وراءه، يجرى فيه اتهام مستشاريه تارة، والمرشد أخرى، بأنهم يرشدوه إلى طريق الضلالة، ولكنه دائما يستبقى من حطام المعركة ما استهدفه كاملا. وتثار زوابع عن تدهور علاقته بالمؤسسة التى تظل ــ رغم كل شىء ــ الراعية لأمن الشعب وسلامته، وتثار تمثيلية إعفاء طنطاوى ومجلسه، ليشاع وجود خلاف بين رئاستى الدولة والجيش. فتحاك تمثيلية أخرى أن الشعب يريد إزاحة الإخوان وتولى الجيش مقاليد الأمور، وهو أمر لا يستقيم مع الأوضاع المحلية ولا تتقبله الأعراف الدولية. بل إن القوات المصرية تشارك فى قوات دولية تتصدى للانقلابات العسكرية، وبخاصة فى إطار الاتحاد الأفريقى. ويصبح من السهل إبقاء حكومة أثبتت ضعفها بجدارة، لتشرف على إنجاز الانتخابات التشريعية، ولو طال الزمن.

 

•••

 

ومبعث السخرية والألم أن هذه البالونات التى تطلق بين حين وآخر شغلت القوى السياسية فى جدل حول قضايا جانبية، وخدعت بحوارات نعتت زورا بالوطنية، لتضيع فرصا كان عليها استغلالها لإعادة تنظيم صفوفها وتوعية الشعب بحقيقة مصالحه ودوره الوطنى. وهكذا وقع الجميع ضحية استغباء شديد الذكاء.

 

 

 

خبير فى التخطيط

محمد محمود الإمام وزير التخطيط الأسبق
التعليقات