إذا فسدتم فاستتروا - أميمة كمال - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 10:38 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إذا فسدتم فاستتروا

نشر فى : الأحد 11 أبريل 2010 - 10:27 ص | آخر تحديث : الأحد 11 أبريل 2010 - 10:27 ص

 ربما كان يمكن أن يمر مشهد الطبل والزمر الذى صاحب عودة رجل الأعمال رامى لكح دون أن يقف عنده كثيرون ممن أعتادوا على المشاهد الكوميدية فى حياتنا، وما أكثرها.

كان يمكن للمشهد أن يمر لو اقتصر على هذا الهزل وفقط، ولكن ما حدث بعد ذلك هو ما جعل الأمر يصعب أن يمر. فإذا كان رامى العائد من رحلة هروب مثيرة قد نجح فى أن يؤجر من يخرج له المشهد الأول الذى أطل به على الناس فى أرض المطار، على نحو يظهره وكأنه عاد مظفرا. ويبدو فيه شخصا مرغوبا فيه من أبناء وطنه، باعتباره من الشرفاء الذين يضطهدهم كبار المسئوليين فى البلد، خوفا من شعبيتهم الجارفة. فإن هذا النوع من النجاح يبقى له نفس مذاق ما تحققه الأفلام التى يقدمها الثنائى (وديع وتهامى) فى قناة «ميلودى أفلام»، اللذان يسخران من مستواها الفنى ويضحكوننا عليها مثل «عضة كلب»، و«قبضة الهلالى»، و«لحم رخيص». ولكن أبدا لن يكون بمثابة أفلام «الرقص مع الذئاب» لكيفين كوستنير، أو«القلب الشجاع» لميل جيبسون أو«تيتانك» ليوناردو دى كابريو.

والحقيقة أن المشهد الذى تلا الطبل والزمر هو بيت القصيد، فقد حاول رجل الأعمال العائد بعد رحلة هروب فى الخارج مثيرة للجدل وللأعصاب حاول أن يبيض ذمته، ويغسل كل ذنوبه وجرائمه ومخالفاته التى ثبت وقوعها بالفعل فى تحقيقات وتقارير وأحكام للرقابة الإدارية، وهيئة سوق المال، ومحكمة جنايات القاهرة.

فهو أصر على أن يخرج علينا من شاشات الفضائيات، وصفحات بعض الجرائد ليستفز مشاعرنا ويستغفلنا، ويقول بمنتهى الحسم بأنه برىء، ولم يرتكب خطأ. ودليله أن النائب العام قرر حفظ التحقيقات، ورفع التحفظ على أمواله بعد أن تصالح مع البنوك. والحقيقة أن النائب العام قد قرر ذلك بالفعل، ولكن ليس لأنه برىء ولكن لأن هناك مادة فاسدة فى قانون البنك المركزى اسمها (133) قد شرعت لتقنين الفساد وحماية القائمين به.

وهذه المادة، والتى ربما تمر عقود قبل أن يستطيع أحد أن يضع مثيلا لفسادها، تنص على انقضاء الدعوى الجنائية عن المخالفين، والذين اتوا بالفعل بجرائم يعاقب عليها قانون البنوك، وقانون العقوبات أيضا وهى الاستيلاء على المال العام. والأدهى أن هذه المادة (133) التى تقضى بتدليل للفاسدين تتيح لمن وقع على عقد تسوية مع البنوك (حتى قبل أن يسدد مديونيته) أن يحصل على وقف تنفيذ للحكم من النائب العام حتى بعد صدوره وقبل أن يصبح الحكم باتا. أما الذين تم حبسهم بالفعل فيمكن وقف تنفيذ الحكم عليهم بقرار من محكمة النقض.

وبالطبع هذه الرأفة فى التعامل مع من ثبتت ضدهم الجرائم تمتد لكل من شارك فيها مثل موظف البنك الذى تربح. وكذلك تمتد لتشمل الجرائم الأخرى المتعلقة بالجريمة التى يعاقب عليها، مثل التزوير والإدلاء ببيانات كاذبة حول الأوضاع المالية للشركة مثلا.

ولرغبة لدى فى تعذيب الذات، أحاول أن أشرح لمن يصعب عليهم فهم مغزى هذه المادة الغاشمة. هذه المادة تتيح لكل من ثبت أنه استولى على المال العام، أو تربح دون وجه حق، أو قدم مستندات مزورة، أو تلاعب فى الأوراق لإظهار وضعه المالى أفضل، من أجل أن يرفع من الضمانات التى يحصل عليها من البنوك. وصدر ضده حكم بات بأنه ارتكب هذه الأفعال، أو بعضها يمكن طبقا لهذه المادة أن تسقط عنه التهمة، والحكم أيضا، حتى لو كان قد تم حبسه بالفعل تنفيذا لهذا الحكم. وذلك لمجرد أنه تصالح مع البنك، وقرر أن يرد الأموال التى استولى عليها بالمخالفة للقانون.

والأغرب من ذلك، أنه فى حالة ما إذا كانت النيابة مازالت تحقق فى إحدى هذه الجرائم قبل صدور حكم فيها، فإنه يجوز إسقاط الاتهام لدى النيابة بمجرد أن يتم توقيع اتفاق مع البنك بتسديد الأموال حتى ولو كان بعد 10 سنوات. يعنى بمجرد أن يوقع العميل (وهو فى هذه الحالة متهم بالتزوير أو بالاستيلاء على المال العام) مع البنك على ورقة تفيد بأنه سوف يسدد بعد 10 سنوات، دون أن يسدد الأموال بالفعل يكفى لكى يتم تبرئته، وبالطبع عقد التسوية هذا يكون قد أسقط معظم مديونيته. فى حين أن سارق كهرباء جاره لا تقرر النيابة إسقاط تهمة سرقة التيار عنه، إلا إذا ثبت أنه سدد قيمة ما سرقه بالكامل، دون تسوية أو إسقاط جانب من مديونيته الكهربائية.

ولكن الذى يجعلك تريد أن تقذف بالتليفزيون فى الشارع وأنت تسمع مثل هذه الأحاديث من المتعثرين الذين يتكلمون عن النزاهة والظلم الذى حاق بهم، هو ما أعلنه مصدر مصرفى مسئول من أن ملف تسويات الديون المتعثرة وهى (100 مليار جنيه) لم يسفر حتى الآن إلا عن استرجاع أقل من 50 مليار جنيه. أى أننا خسرنا من الأموال المنهوبة أكثر من النصف بفضل هذه التسويات التى اعتمدنا فيها على قيمة فاسدة وهى (عفا الله عن الفاسدين) دون حتى أن تعاد الأموال المنهوبة إلى البنوك.

وفى كل الأحوال لن يرحم التاريخ أبدا من وضع هذه المادة الفاسدة للمجتمع، ولأخلاقه، ولقيمه، والتى ساوت بين رءوس الفاسدين والشرفاء. ولحين يقول التاريخ كلمته فى هذه القضية يجب علينا أن نصرخ جميعا فى وجه البعض بكلمة واحدة «إذا فسدتم فاستتروا».

أميمة كمال كاتبة صحفية
التعليقات