النكبة الجديدة.. بسط السيادة الإسرائيلية على مناطق جديدة فى فلسطين المحتلة - طاهر حمدي كنعان - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 8:07 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

النكبة الجديدة.. بسط السيادة الإسرائيلية على مناطق جديدة فى فلسطين المحتلة

نشر فى : الخميس 11 يونيو 2020 - 8:55 م | آخر تحديث : الخميس 11 يونيو 2020 - 8:55 م

ما زالت ردود الفعل الفلسطينية والعربية والعالمية على توجه الحكومة الإسرائيلية نحو ضم الأغوار والمستوطنات فى الضفة الغربية إلى دولة إسرائيل أضعف بكثير من أن تشكل ضغطا كافيا لإحباط النكبة الجديدة التى توشك الدولة الصهيونية أن تلحقها بالشعب الفلسطينى.
ولعل من العوامل التى ربما تضعف من ردود الفعل المطلوبة هو التوهم أن الجريمة الجديدة التى تقبل إسرائيل على ارتكابها لا تغير كثيرا من الواقع الراهن وهو أن إسرائيل بالفعل تسيطر حاليا سيطرة كاملة على الأغوار والمستوطنات بل وكامل جغرافيا الضفة الغربية وغزة، فما الجديد الذى يضيفه فعل «الضم»؟ أو على حد التعبير الشعرى: «أنا الغريق فما خوفى من البلل؟».
فى خطورة هذا التوهم وإزالة غشاوته ليس من حجة أقوى مما يقدمه «شاهد من أهله»، إذ تتصدى صحيفة «هاآرتس» الإسرائيلية لإجلاء هذا الوهم بتبيان أن قرار الضم بما يعنيه من بسط السيادة والقانون الإسرائيلى على المناطق التى يصيبها الضم سرعان ما سيقود إلى:
(1) اغتصاب مساحات وأحجام غير مسبوقة من الملكيات الخاصة للمواطنين الفلسطينيين من أراضٍ وعقارات وطرد أصحابها أفرادا كانوا أم عائلات وتهجيرهم، وسوف يطال ذلك مجتمعات وقرى كاملة بتعداد مئات الآلاف من السكان، بما فى ذلك أكثر من خمسين قرية فى الأغوار.
(2) فى جميع الأراضى التى يشملها الضم وتبسط السيادة الإسرائيلية عليها يصبح المواطنون الفلسطينيون مجرد «غرباء مقيمين» ويمكن طردهم منها بجرة قلم!
(3) سوف يصبح «السيد» فى الأراضى التى أخضعت للضم هم قطعان المستوطنين ويحل نفوذهم الإجرامى الشرس محل نفوذ سلطة الحكم العسكرى القائمة حاليا والتى تراعى حدودا ولو دنيا من القانون والنظام.

***
لا تجدى ردود الفعل الفلسطينية والعربية بمجرد التهديد بأفعال تنفذ «بعد» قرار الضم!
ما يجدى هو أفعال تنفذ قبل ارتكاب الجريمة.. اليوم وليس غدا:
فى فلسطين المحتلة: انتفاضة سلمية يشارك فيها جميع الفلسطينيين متحدين بجميع فصائلهم وأحزابهم وانتماءاتهم.
فى الدول العربية المتصالحة مع إسرائيل: إلغاء أو تعليق العمل باتفاقيات السلم المبرمة كون قرار الضم هو خرق إسرائيلى فاضح لهذه الاتفاقيات، وقطع جميع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية.
على المستوى الدولى: تحشد الدول العربية كل مواردها وقدراتها الدبلوماسية والاقتصادية من أجل الأهداف التالية:
(1) إحياء المقاطعة الاقتصادية العربية لإسرائيل ولكل الشركات وكيانات الأعمال التى تتعامل مع إسرائيل. وبالتوازى مع ذلك تحشد الدول العربية كل قدراتها لحمل الدول الأخرى على فرض العقوبات الاقتصادية على إسرائيل ودعم حملة المقاطعة والعقوبات الدولية BDS.
(2) العمل على تمكين محكمة الجنايات الدولية من الملاحقة القانونية لجرائم واختراقات إسرائيل للقانون الدولى.
(3) تنظيم مؤتمر دولى لجميع الدول الموقعة على اتفاقية جنيف الرابعة لمحاسبة إسرائيل على خرقها لعهودها بموجب هذه الاتفاقية.
وأهمية هذا الهدف الثالث هو ميل معظم الناس إلى التسليم بأن إسرائيل وهى تخالف وتخرق القانون الدولى هى وحدها المسئولة عن المخالفة والخرق، وأن دور الدول الأخرى هو الإدانة والعزل المعنوى لهذه الدولة المخالفة. قد ينطبق هذا على مخالفة إسرائيل لمعظم القرارات الدولية. لكنه لا ينطبق بالتأكيد على مخالفة إسرائيل وخروقها لاتفاقية جنيف الرابعة لاسيما مخالفتها للمواد التالية من هذه الاتفاقية:
المــادة (49) [فى موضوع الاستيطان]
«يحظر النقل الجبرى الجماعى أو الفردى للأشخاص المحميين أو نفيهم من الأراضى المحتلة إلى أراضى دولة الاحتلال أو إلى أراضى أى دولة أخرى، محتلة أو غير محتلة، أيا كانت دواعيه».
«لا يجوز لدولة الاحتلال أن ترحل أو تنقل جزءا من سكانها المدنيين إلى الأراضى التى تحتلها».
المادة (147) [فى موضوع اضطهاد وقمع السكان تحت الاحتلال]
«تعتبر الممارسات التالية مخالفات جسيمة ضد أشخاص محميين أو ممتلكات محمية بالاتفاقية: القتل العمد، والتعذيب أو المعاملة اللا إنسانية، بما فى ذلك التجارب الخاصة بعلم الحياة، وتعمد إحداث آلام شديدة أو الإضرار الخطير بالسلامة البدنية أو بالصحة، والنفى أو النقل غير المشروع، والحجز غير المشروع، وإكراه الشخص المحمى على الخدمة فى القوات المسلحة بالدولة المعادية، أو حرمانه من حقه فى أن يحاكم بصورة قانونية وغير متحيزة وفقا للتعليمات الواردة فى هذه الاتفاقية، وأخذ الرهائن، وتدمير واغتصاب الممتلكات على نحو لا تبرره ضرورات حربية وعلى نطاق كبير بطريقة غير مشروعة وتعسفية».
***
إزاء مخالفة الاتفاقية عموما والمواد متقدمة الذكر خصوصا تقضى الاتفاقية بأن التزام كل دولة من الدول الموقعة على الاتفاقية (الأطراف المتعاقدة) لا يشمل فقط تعهدها بالالتزام بالاتفاقية فى سلوكها، وإنما يشمل تعهدها بإجبار أى دولة تخالف الاتفاقية على الانصياع إلى أحكام الاتفاقية والارتداد عن المخالفة، وذلك إعمالا لأحكام المواد التالية من الاتفاقية:
المادة (146) «تتعهد الأطراف السامية المتعاقدة بأن تتخذ أى إجراء تشريعى يلزم لفرض عقوبات جزائية فعالة على الأشخاص الذين يقترفون أو يأمرون باقتراف إحدى المخالفات الجسيمة لهذه الاتفاقية، المبينة فى المادة 147. يلتزم كل طرف متعاقد بملاحقة المتهمين باقتراف مثل هذه المخالفات الجسيمة أو بالأمر باقترافها، وبتقديمهم إلى محاكمة، أيا كانت جنسيتهم. وله أيضا، إذا فضل ذلك، وطبقا لأحكام تشريعه، أن يسلمهم إلى طرف متعاقد معنى آخر لمحاكمتهم مادامت تتوافر لدى الطرف المذكور أدلة اتهام كافية ضد هؤلاء الأشخاص».
«على كل طرف متعاقد اتخاذ التدابير اللازمة لوقف جميع الأفعال التى تتعارض مع أحكام هذه الاتفاقية بخلاف المخالفات الجسيمة المبينة فى المادة 147».
فى ضوء هذه الأحكام الواضحة تستطيع الدول العربية والدول الصديقة والساعية للعدالة بصفتها أطرافا متعاقدة فى اتفاقية جنيف، أن تدعو إلى مؤتمر دولى لجميع الدول الموقعة على اتفاقية جنيف الرابعة لمواجهة مسئوليتها بموجب أحكام هذه الاتفاقية وتحرى سبل إجبار إسرائيل على الانصياع والارتداد عن جميع خروقاتها للاتفاقية، بما فى ذلك استخراج قرار بهذا الانصياع من مجلس الأمن تحت الفصل السابع، وبما فى ذلك انخراط الدول المشاركة فى حملة مقاطعة توسع نطاق BDS لتشمل دولة إسرائيل ذاتها وليس فقط المستوطنات.

طاهر حمدي كنعان  مفكر عربي، نائب رئيس وزراء الأردن الأسبق.
التعليقات