لماذا لا يستطيع مَن جمَّد آمال القوة العاملة فى أمريكا أن يجمِّد الاستيطان؟ - طاهر حمدي كنعان - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 7:59 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لماذا لا يستطيع مَن جمَّد آمال القوة العاملة فى أمريكا أن يجمِّد الاستيطان؟

نشر فى : الأربعاء 15 ديسمبر 2010 - 11:25 ص | آخر تحديث : الأربعاء 15 ديسمبر 2010 - 11:25 ص

 لماذا لا يستطيع أوباما أن يجعل (إسرائيل) تجمد الاستيطان؟ الجواب يعطيه عالم الاقتصاد والمفكر الأمريكى الشهير بول كروجمان، الحائز على جائزة نوبل، فى عمود الرأى الذى يكتبه بانتظام فى صحيفة نيويرك تايمز.

ففى مقال جديد فى هذا العمود بتاريخ 2 ديسمبر كتب كروجمان مقالا بعنوان «تجميد الأمل» يحاول فيه تقييم «المعدن المصنوع منه أوباما». والمقال درس للقيادات والشعوب العربية وخاصة فى فلسطين لمعرفة «معدن» أوباما، من سلوكه كقائد فى وطنه وسياسته الداخلية هناك، وليس من خطابات النفاق المتحذلقة من منابر استانبول والقاهرة.

إن رخاوة العمود الفقرى لأوباما تجاه الآمال التى عقدتها عليه القيادات العربية والفلسطينية، انتهت به إلى التخاذل والتراجع غير المنتظم عن موقفه المبدئى من استمرار (إسرائيل) فى بناء المستوطنات، بالرغم من أنه، بصفته خريج مدرسة هارفرد للقانون، الأعلم بأن الاستيطان خرق صريح للقانون الدولى واتفاقيات جنيف التى تمنع سلطة الاحتلال من نقل رعاياها إلى الأرض التى تحتلها.

وتراجع أوباما عن وعوده لا يعود إذا إلى قوة اللوبى الصهيونى ولا إلى صلابة (أو جلافة) نتنياهو، بل إلى معدن أوباما الأصلى الرخو والمتهافت. ودليل ذلك أن سياسته الداخلية فى الولايات المتحدة تظهر ذات الرخاوة والتهافت تجاه الآمال التى عقدتها على رئاسته جماهير الشعب الأمريكى لا سيما الأقل حظا والفقراء الذين مولوا حملته بدولارات عزيزة اقتطعوها من مدخراتهم وسط أزمة اقتصادية طاحنة لكى يجنبوه الاعتماد على تمويل المصالح الرأسمالية المتحكمة بالحياة السياسية لأمريكا.

فهو فى سياسته الداخلية الراهنة يتورط بالتدريج فى سياسة اقتصادية شريرة تسعى لاسترضاء مصالح الطبقة الرأسمالية التى يمثلها الحزب الجمهورى تحت وطأة الذعر الذى أحدثه نجاح هذا الحزب فى الانتخابات النصفية للكونجرس، وذلك على حساب مقتضيات السياسة الاقتصادية السليمة وسط الأزمة الاقتصادية الخانقة فى البلاد.

فى مقاله المشار إليه يطرح كروجمان التساؤل الذى نشأ بعد فشل «الديمقراطيين» فى الانتخابات النصفية للكونجرس، وهو: كيف سيتصرف أوباما؟ ما هو معدنه الحقيقى الذى سيكشفه هذا التصرف؟ هل سيقف ثابتا فى الدفاع عن القيم التى يؤمن بها فى وجه أعدائه السياسيين؟
جاء الجواب من أوباما منذ أيام فى صورة قراره بتجميد أجور ورواتب العاملين فى الحكومة الفدرالية. وكان بهذا القرار، يستسلم للسياسة ذاتها التى يحبذها أعداؤه الراغبين فى تدميره.

ذلك، يقول كروجمان، لأنه من السخف الاعتقاد أن تجميد الأجور والرواتب الحكومية سيكون له أثر يذكر على الموازنة المالية العامة التى تشكو من عجز مزمن. إذ لا علاقة لهذا العجز بتلك الأجور، ومن الخطأ الزعم أن كلفتها أعلى مما يجب، لأن مستواها يقل فى المتوسط عن مستوى الأجور فى القطاع الخاص، ولا يشكل مبلغها سوى جزء صغير من عبء الانفاق الحكومى. وحتى لو افترضنا أن بالامكان تخفيض تلك الأجور إلى النصف، فإن ذلك لا ينقص من الانفاق الحكومى بأكثر من 3%. واللجوء إلى تجميد الأجور والرواتب عند مستوياتها الحالية بحجة ضبط العجز فى الموازنة لا يعدو كونه إجراء مسرحيا خاليا من الجدية. بل هو حرفيا حيلة رخيصة لا تنطلى إلا على من لا علم لهم بواقع الموازنة.

الأنكى من ذلك أن خفض الانفاق الحكومى بتلك الطريقة فى ظروف الأزمة والكساد الاقتصادى هو بالتأكيد الإجراء الخطأ، ونقيض الإجراءات التى ينصح بها بنك الاحتياط الفيدرالى (المركزى) من أجل التوليد السريع لفرص العمل.

فى المقابل هناك قضية جدية جدا فى موضوع عجز الموازنة، وهى مطالبة الجمهوريين بتمديد أجل التخفيضات الضريبية على الطبقة الغنية فى المجتمع. وفى تقدير كروجمان أن تمديد أجل التخفيضات الضريبية لمدة 75 سنة قادمة سيكون مساويا تقريبا لمجموع العجز المتوقع فى استحقاقات الضمان الاجتماعى خلال هذه المدة!
ولربما، يقول كروجمان، فقط لربما كان ثمة تبرير لمبادرة أوباما بتجميد الرواتب والأجور الحكومية، لو أن أوباما حين أعلنها أعلن معها موقفا رافضا بصلابة مطالب الجمهوريين، من قبيل تمديد تخفيض الضرائب، ذات الأثر السلبى على عجز الموازنة، ولو أنه أعلن بقوة أن إعطاء الأغنياء مثل هذه التنازلات الضريبية هو أمر لا يمكن قبوله.

لكن أوباما لم يفعل ذلك! بل إنه بدا وكأنه يقدم قراره بتجميد الأجور والرواتب الحكومية كلفته مداهنة ومسالمة نحو الجمهوريين عشية لقاء القمة لقيادات الحزبين الجمهورى والديمقراطى.. ما كان ينقص هذا الموقف المتخاذل من أوباما إزاء أعدائه الجمهوريين سوى أن يضع على قفاه يافطة بعبارة «أرجوك.. ارفسنى بقدمك»!

ولم يكن هناك أى إشارات تصالحية مماثلة من طرف الجمهوريين. بل أصر هؤلاء على تجميد التشريعات قيد البحث على الطاولة وعلى ربط السير فيها بالبت فى قضية التخفيضات الضريبية لصالحهم، وذلك بالرغم من أن بعض هذه التشريعات ــ مثل معاهدة الحد من الأسلحة الاستراتيجية ــ تعتبر حيوية للأمن القومى الأمريكى!

وهنا يتساءل كروجمان: بماذا يفكر السيد أوباما وبطانته من المستشارين؟
هل يعتقدون حقا أن لفتات المداهنة والمسالمة تجاه الجمهوريين سوف تستدرج استجابة من النوايا الحسنة؟
والأشد باعثا على الحيرة هو أن فريق أوباما يبدو غير مكترث البتة لتأثير هذه المواقف المتخاذلة تجاه الجمهوريين على الجمهور المؤيد لأوباما. وكان المتوقع هو أن تكون المواقف عكس ذلك لا سيما من رئيس يعود نجاحه فى الوصول إلى سدة الرئاسة إلى حماسة وتأييد هذا الجمهور بالذات! وبإهماله الاحتفاظ بهذه الثروة من الأنصار، يبدو الأمر وكأن أوباما مصمم تصميما منهجيا على خذلان من كانوا أنصاره المتحمسين، وعلى أن يثبت لكل من اختاره للرئاسة أنه ارتكب خطأ بهذا الاختيار.


ويستنتج كروجمان من كل ذلك أن على الديمقراطيين أن يبحثوا فى مكان آخر عن القيادة التى يحتاجها حزبهم.

هل يصل الفلسطينيون والعرب إلى الاستنتاج ذاته، فيبحثوا فى مكان آخر عن من يلبى حاجتهم؟ ولماذا لا يبحثون عنه فى أنفسهم ذاتها ما دام الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم؟

طاهر حمدي كنعان  مفكر عربي، نائب رئيس وزراء الأردن الأسبق.
التعليقات