الانتخابات الأمريكية تفرض اختيارات مصيرية - ماجدة شاهين - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 1:37 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الانتخابات الأمريكية تفرض اختيارات مصيرية

نشر فى : الخميس 11 أغسطس 2016 - 9:15 م | آخر تحديث : الخميس 11 أغسطس 2016 - 9:15 م
يردد الكثيرون أن الانتخابات الأمريكية هذا العام تختلف جذريا عن سابقتها، ويشير إليها البعض على أنها تقع فى مفترق الطرق، غير أننى أميل أكثر إلى من ينظرون إليها باعتبارها انتخابات مصيرية بما تفرضه على الناخب الأمريكى من خيارات صعبة. فهذه الانتخابات لا تقتصر على الانتقاء بين مرشحين يتفاوتان فى الرؤى، وهو أضعف الإيمان، ولكنها تفرض اختيارات مصيرية سوف تغير من نهج وسياسات الولايات المتحدة مستقبلا. وتتمثل تلك الخيارات فى مصير الحزب الجمهورى وإعادة هيكلته فى ضوء الانقسام الواضح الذى يعانى منه، كما أنها تتمثل فى تحديد المسار الجديد للحزب الديمقراطى وتوجهه إلى اليسار.

أضف إلى ذلك خيار احتمالية قبول الناخب الأمريكى فكرة ظهور الحزب الثالث، وتزداد جدية احتمالات هذه الفكرة على أساس تصاعد عدم الرضا عن مرشحين الرئاسة هذا العام ورفض الكثيرين لكل من ترامب البليونير الأمريكى، الذى يفتقد إلى الخبرة والتركيز واللباقة فى الحديث وهيلارى كلينتون، التى تنتمى إلى النخبة السياسية، وهو ما أدى إلى فقدان الثقة بها وبوعودها.

كما أن مصيرية هذه الانتخابات تشمل أيضا التحول فى كثير من المفاهيم التى سبق أن اعتنقتها الإدارات الأمريكية الواحدة تلو الأخرى سواء كانت تنتمى إلى الحزب الجمهورى أم الديمقراطى، حيث كان الخط الذى يفصل بين سياسات الحزبين غير محدد وغير واضح، وكان كثيرا ما يلتقى الحزبان فى الوسط وتتطابق سياسات النخبة السياسية بغض النظر عن انتماءاتها لأى من الحزبين، حيث كان شاغلها الأول هو تحقيق مصالحها.

***

ويبدو جليا اليوم أنه سواء فاز ترامب أو خسر فى الانتخابات المقبلة، فإنه لا مناص سوف يوقع ضررا على الحزب الجمهورى، قد يؤدى إلى انهياره وتفككه. وبدأت بوادر هذا التفكك تظهر فى الأفق بالفعل. فإن التباعد بل العداء الذى يكنه كثير من كبار رجال الحزب لترامب من شأنه أن يحدث انشقاقا يصعب أن يلتئم مستقبلا، سواء بفوز أو خسارة ترامب فى الانتخابات المقبلة. ويبدو أن ترامب نفسه يعزز هذا الشقاق بتصرفاته الصبيانية وملاعبته لأعضاء حزبه. فعلى غير العادة رفض ترامب مرشح الحزب الجمهورى الوقوف مع أو تأييد أعضاء حزبه مثل بول راين المتحدث الرسمى باسم مجلس النواب والسيناتور جون ماكين فى الانتخابات الأولية استعدادا لانتخابات الكونجرس المقبلة فى أوائل نوفمبر المقبل بحجة أنهما لم يبايعاه فى مؤتمر الحزب الجمهورى.
وعدم تأييد ترامب لهما يعنى عدم حصول كل من راين وماكين على أصوات مؤيدى ترامب كل فى ولايته، وهو ما يعتبر خسارة كبيرة لهما باعتبارهما مرشحى الحزب الجمهورى ومما يعنى انشقاقا أكبر داخل الحزب. وتراجع ترامب لاحقا، وإن على مضض، عن هذا الموقف.

ويتعين على الحزب الجمهورى ــ سواء فاز ترامب أو خسر ــ أن يعيد حساباته وصياغة برنامج جديد يكون أكثر شمولا وأكثر جاذبية للأقليات وألا يقتصر على مخاطبة قاعدته من الناخب الأبيض فحسب، على نحو ما يقوم به ترامب، لا سيما وأن هذه القاعدة فى طريقها إلى التقلص. ولا يبالغ الكثيرون حينما يرددون بأن مصير الحزب الجمهورى أصبح بالفعل على المحك، وعليه أن يعيد هيكلة نفسه، بل أن فوز ترامب أو خسارته لا يعوضا عن ذلك.

وإذا كان الوضع كذلك بالنسبة للحزب الجمهورى، فإن الحزب الديمقراطى ليس أفضل حالا، حيث بدأت كلينتون بالفعل فى إدخال تعديلات على برنامج الحزب توددا لمجموعة الناخبين الأكثر يسارا. وذهبت هيلارى كلينتون فى خطابها أمام مؤتمر الحزب إلى التعهد بإلزام شارع المال وول ستريت والأغنياء بدفع مزيد من الضرائب للنهوض بالطبقة المتوسطة ورفع مستوى الأجور إلى خمسة عشر دولارا فى الساعة ووعدت بجعل التعليم الجامعى العام فى متناول الجميع وخفض مديونية الطلبة وإعادة النظر فى اتفاقيات التجارة الحرة لجعلها أكثر توازنا وفى مصلحة العامل الأمريكى. وهى كلها مطالب طالما نادى بها منافسها بيرنى ساندرز فى الانتخابات الأولية، ويبدو أنه نجح فى جعلها جزءا لا يتجزأ من حملة كلينتون مقابل تأييده لها وتشجيع ناخبيه على مبايعتها فى الانتخابات العامة.

***

كما يبدو أن هناك اتجاها إلى توسيع قاعدة الحزبين وضم أحزاب جديدة إلى النظام السياسى الأمريكى. وأسارع بالقول إنه لن تكون هناك أحزاب منافسة، على الأقل فى الفترة القادمة، ولكنها سوف تعطى للناخب الأمريكى مساحة للمناورة ومجال للإعراب عن رفضه لما يمليه عليه نظام الحزبين. وظهرت بالفعل أحزاب مثل حزب الخضر وحزب الأحرار، وإن لم تعلُ أصواتهما بعد. وعلى الرغم من صغر حجم هذين الحزبين وضعف مواردهما المالية، فإنهما قد يجذبا فى الانتخابات المقبلة بعض الأصوات المستقلة، التى ترفض كلا من مرشحى الحزبين الديمقراطى والجمهورى.

وعلى نحو ما أشرنا إليه، فإن الخيارات التى تشهدها هذه الانتخابات تشمل أيضا سياسات النخبة، التى أصبحت محل تساؤل وشك، وإعادة النظر فى كثير من المفاهيم التى فرضتها هذه النخبة على الناخب الأمريكى بل على العالم لسنوات طويلة ودون جدال لتحقيق مصالحها والوصول إلى الغنى الفاحش التى هى عليه اليوم. ويقع على رأس هذه المفاهيم مفهوم العولمة والحوكمة الدولية وغيرها من مفاهيم سعت الولايات المتحدة بها ومن خلالها إلى قيادة العالم والسيطرة عليه. ويتساءل الناخب الأمريكى ــ وعن حق ــ عما جناه من تحرير التجارة، ومن المظلة الأمنية التى تمتد من أوروبا مرورا بدول الخليج ووصولا إلى شرق آسيا واليابان، ومن الإنفاق المتفاقم على الناتو، ومن الحروب التى خاضتها بلاده ولا ناقة لها فيها ولا جمل، فإنه يتعين إعادة النظر فى كل هذه السياسات، التى ينسبها الناخب الأمريكى إلى النخبة والتى أصبحت بالنسبة له مرفوضة شكلا وموضوعا.

فكان المقصود من العولمة زيادة قبضة أمريكا على العالم من خلال فتح الحدود أمام تجارة السلع والخدمات وانتقال رؤوس الأموال من أجل تحقيق الربحية السريعة، بيد أنه بدلا من ذلك، ساهمت العولمة فى إضعاف الدولة القومية وتقويض الحدود وسرعة انتقال الفوضى من منطقة إلى أخرى، وتصدير الإرهاب وزيادة معدلاته. فبدلا من استخدام العولمة فى نشر المبادئ والمثل الغربية والحقوق والحريات الليبرالية، كما كان مخططا لها من قبل الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، انقلبت العولمة وأتت الرياح للغرب بما لا تشتهيه السفن، وأصبح الغرب مهددا من قبل الفوضى الخلاقة التى ابتدعتها أمريكا وأرادت أن تتحكم فيها وتحولها إلى طاقة لخدمتها.

وأصبح المواطن الأمريكى يرفض العولمة ويرفض ما يزعمه السياسيون من التزام بل وحق الولايات المتحدة فى تصدير مثلها ومبادئها إلى العالم. ويتوق إلى العودة مرة أخرى إلى سياسة العزلة، والاهتمام بأموره أكثر من الاهتمام بأوضاع العالم. فهل تعود الولايات المتحدة فعلا إلى سياسة العزلة التى عاشتها لأكثر من مائة وخمسين عاما عند نشأتها؟ وإن كان ذلك مستبعدا فى ظل عالمنا اليوم الذى تحكمه المعلوماتية وشبكات التواصل، فإنه من المتوقع أن نشهد مستقبلا توليه الولايات المتحدة اهتماما أكبر بالداخل استجابة لرغبة ناخبيها والارتقاء بمصالحهم. والتراجع شيئا فشيئا عن بسط نفوذها فى جميع أنحاء العالم، وذلك سواء فى حالة فوز ترامب أو هيلارى فى الانتخابات فى نوفمبر.

***

وعلى كل، فإنه فى غضون أقل من ثلاثة أشهر سوف يحدد الناخب الأمريكى اختياراته. فقد بدأ العد التنازلى للانتخابات العامة الأمريكية، ويبدو أن هيلارى كلينتون تتفوق على منافسها ترامب بجدارة وبفارق عشر نقاط. واكتسبت كلينتون هذا الفارق الكبير نسبيا فى ظل نجاح مؤتمر الحزب الديمقراطى والمتحدثين فيه بدءا من الرئيس أوباما ونائبه بايدن إلى زوجها بيل كلينتون وغيرهم من حيث تقديمها كإنسانة وفية وكأم وزوجة وصديقة دائما على استعداد لخدمة الآخرين والمحتاجين. بل وتعهد الرئيس أوباما بأنها كرئيس ستكون أفضل منه ومن زوجها بيل كلينتون، فهى شخص لا يخشى التغيير، وهى إنسانة ليست معصومة من الخطأ، فإنها تخطئ كما يخطئ الجميع لأنها تفضل خوض المعركة وألا تبقى خلف الكواليس.

غير أنه إلى جانب هذه المظاهرة الفريدة فى الإشادة بكلينتون وبشخصها وبملكاتها من قبل أعلى رجال الدولة، فإنه يبدو على النقيض أن الأرض بدأت تهتز تحت أقدام ترامب منافسها من الحزب الجمهورى، الذى خسر الكثير بالدخول فى موضوعات هامشية نجح الحزب الديمقراطى بجدارة فى استدراجه اليها، مثل اشتباكه شخصيا مع مواطن أمريكى مسلم من أصل باكستانى فقد ابنه فى حرب العراق، واتهم ترامب بأنه غير ملم بدستور الولايات المتحدة الذى لا يفرق بين المواطنين من حيث الدين والملة واللون والعرق. فعلى العكس من نصح حملته، آثر ترامب الدخول مع الباكستانى وزوجته التى كانت تقف بجانبه دون التفوه بكلمة، آثر الدخول فى حوار سلبى حول الإسلام وعادات وتقاليد الدين الإسلامى الذى لا يحترم المرأة وحريتها. ولا شك أن هذه الواقعة أفقدت ترامب الكثير. ومع ذلك، فتبقى المناظرات الثلاث بين المرشحين المحتملين التى سوف يكون لها تأثيرها على اختيارات الناخب، خاصة الناخب المستقل الذى لم يحدد موقفه بعد.
ماجدة شاهين مساعد وزير الخارجية للعلاقات الاقتصادية الدولية (سابقاً)
التعليقات