حتى لا تنتقم أمريكا بتدمير سوريا - طلال سلمان - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 2:17 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حتى لا تنتقم أمريكا بتدمير سوريا

نشر فى : الأربعاء 11 سبتمبر 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 11 سبتمبر 2013 - 8:00 ص

يصادف نشر هذه الكلمات مع الذكرى الثانية عشرة للحادى عشر من أيلول (سبتمبر) 2001 التى كانت أخطر إنجاز للإرهاب الدولى الذى ارتكبه ــ مع عميق الأسف ــ مجموعة من الشبان العرب الذين نظمتهم ودربتهم «القاعدة» بزعامة أسامة بن لادن، فقاموا بتفجير برجى نيويورك متسببين بكارثة إنسانية فى أمريكا، ومن ثم بمسلسل من الكوارث الذى أصاب ــ ولا يزال يصيب ــ الأمة العربية بدولها ومواطنيها جميعاً..

ويصادف، أيضاً، الموعد المفترض لمناقشة «الضربة الأمريكية» لسوريا داخل مؤسسات الحكم فى الولايات المتحدة الأمريكية، وتحديد مداها وقدرتها على التدمير، إذا ما تقرر تنفيذها بعد مداولات مطولة تعدت الحدود الامريكية إلى مختلف دول العالم فاضطرتها إلى تحديد مواقفها بتأييد هذه «الحرب المحدودة» أو رفضها..

ومن أسف انه فى حين اتخذت معظم دول أوروبا وأمريكا اللاتينية، فضلاً عن الدول الآسيوية، موقفاً معارضاً لهذا التصرف الأمريكى الحربى، إذ أن المخابرات الأمريكية هى من «فحص الأدلة» وأثبت تهمة استخدام الكيماوى من طرف النظام السورى وقرر ــ وبالتالى ــ شن الحرب على سوريا ولو عبر «ضربة» تأديبية تذهب بقدراته القتالية وبعض مؤسساته، وفى الطليعة القوات المسلحة بمختلف أسلحتها ومراكز قياداتها، فإن عدداً من الدول العربية، تتصدرها السعودية وبعض أقطار الخليج، قد تعهدت بتغطية تكاليف هذه «الحرب»، وانطلقت تروج لها وكأنها «تنفيذ لإرادة عربية» بسلاح الإدارة الأمريكية.

●●●

 وليس من غير دلالة أن يكون الرئيس الأمريكى الأسمر ببعض جذوره الإسلامية، باراك اوباما، هو صاحب القرار بالضربة التى ثبت أن أكثرية وازنة فى مجلس النواب، فضلاً عن أكثرية عارمة من الشعب الامريكى تعارضها بقوة. كذلك فليس من غير دلالة أن تكون بعض الدول العربية، وبالتحديد السعودية وقطر، هى فى طليعة المحرضين على هذه « الضربة» بعدما عجزت عن «إنجازها» التنظيمات المسلحة متعددة الشعار والولاء والأقوى بينها والأكثر دموية «مستورد» من خارج سوريا، بل ومن خارج الوطن العربى جميعاً.

هل من الضرورى الإشارة إلى أن الدولتين العربيتين اللتين تتصدران الدعوة للحرب على سوريا كانتا الأكثر دعماً والأوثق علاقة مع أهل النظام السورى، حتى ما بعد انفجار الشارع فى بعض المدن السورية والأرياف بالاعتراض الذى سرعان ما اتخذ ــ مع سوء إدارة النظام وبطشه وتجبره ــ شكل المقاومة المسلحة معتمداً مختلف أنواع العمليات القتالية، بما فى ذلك نسف المؤسسات العسكرية والمدنية بالسيارات المفخخة، أو بالصواريخ بعيدة المدى، متنافساً فى ذلك مع النظام فى القدرة على التدمير والقتل الجماعى فى مختلف أنحاء هذه الدولة العربية المحورية.

وكائناً ما كان الرأى فى طبيعة النظام السورى القمعية ومدى تورطه فى تحويل الاعتراض على بعض إجراءاته إلى معركة مدمرة كان بين نتائجها التسبب فى تخريب منهجى وتعطيل لمقومات الدولة فى سوريا، إلا أن «الحرب الأمريكية» على سوريا لا يمكن أن تكون مقبولة أو مبررة.. فليست الإدارة الأمريكية هى ولى أمر الشعب السورى وسائر شعوب الأرض، ولا هى حارسة الديمقراطية فى العالم وجيوشها ما زالت تقاتل خارج حدودها، وأخطرها الطائرات من دون طيار والتى تطارد معارضى السياسة الأمريكية فى أربع رياح الأرض.

وتتصرف الإدارة الأمريكية وكأنها تنفذ هذه «الضربة» بتفويض عربى وبذريعة تأمين مسيرة الديمقراطية فى الوطن العربى، فتصور إجراءها المدمر وكأنها «حرب عربية» بالسلاح الامريكى، على سوريا دولة وشعباً.

●●●

ولا يمكن التمويه أو المخادعة فشعار الجامعة العربية كان يظلل وزير الخارجية الأمريكى ومعه الوزير القطرى وهو يتلو مذكرة اتهام النظام السورى التى تبرر الحكم بإعدامه... كذلك فإن مسئولين أمنيين سعوديين هم الذين يشرفون على تدريب طوابير المقاتلين، من الموالين للمعارضة التى وجدت «الحاضنة العربية» التى تمول والموجه الذى يرسم خرائط الهجوم والدفاع وينسق بين الدول المستعدة للعمل على إسقاط النظام السورى بإيواء طوابير المقاتلين الآتين من أربع رياح الأرض وتدريبهم وتسليحهم ورسم الخرائط لميدان حركتهم.

وإذا ما عدنا إلى محاضر اجتماعات مجلس الجامعة والى تصريحات بعض كبار المسئولين فيها، فضلاً عن وزراء دول الهجوم، لأمكن التأكيد أنها «حرب عربية» قبل أن تكون أمريكية، حتى لو تم تنفيذها بضربات جوية أمريكية تدمر قدرات سوريا العسكرية ومؤسسات الإنتاج فيها.

هل من المبالغة القول أن هذه الحرب الأمريكية القيادة بالتمويل العربى تتجاوز الدولة العربية سوريا لتصيب العرب جميعاً بالشعوب والدول؟

وهل يمكن تجاوز المقارنة مع الحرب الاميركية على عراق صدام حسين، والتى لم تتبق بعدها دولة فى العراق الذى تمزقت وحدة شعبه ونهبت موارده وتعاظمت فيه مخاطر الحروب الطائفية والمذهبية والعنصرية فبات ينزف على مدار الساعة ودون أفق لحل أو تسوية فى المدى المنظور؟

وهل يتجاوز «الواقع» من يرى فى هذه الحرب الأمريكية إرهابا لثورة مصر بأهداف التغيير الجذرى وإعادة بناء الدولة بقدرات شعبها وبما يحقق طموحاته إلى المنعة والتقدم فى ظل إرادته الحرة؟

ومن يرى فى هذه الحرب إرهابا لثورة تونس التى حرفها الإخوان المسلمون عن مسارها، والتى ما يزال شعب تونس فى الشارع من اجل استنقاذ ثورته وإعادة بناء دولته بما يحقق طموحه إلى الحرية والديمقراطية والخبز مع الكرامة، وهو الذى يسافر فى زوارق التهريب إلى الغرب الذى يجدد إذلاله فيرتضى من اجل أن يعيش أبناؤه ولو كعمال سخرة فى خدمة مستعمرهم القديم؟

●●●

لقد ميزت مصر الجديدة، بفعل الثورة موقفها عن سائر «الإخوة  ــ الأعداء» الساعين إلى تدمير قدرات سوريا بالضربة الامريكية .. وأعادت بعض العلاقة مع سوريا، لا سيما المؤسسة العسكرية والأمنية فيها، ورفضت الانضمام إلى جبهة المقاتلين لإسقاط نظامها، وان كانت مع الداعين لوقف المذبحة بحل سياسى.

ومن غير المعقول أو المقبول أن ترتفع أصوات أكثرية الشعب الامريكى ضد الحرب على سوريا، وان يواجه الرئيس الامريكى محنة اتخاذ قرار مخالف للوعد والتعهدات التى قدمها خلال حملته الانتخابية والتى أعاد التزامه بها بعد انتخابه فنال عليها جائزة نوبل للسلام، فى حين يندفع بعض القادة العرب محرضين ومزينين له هذه الخطيئة مع التعهد بتغطية تكاليفها بالغة ما بلغت.. فالذهب الأسود جاهز ومعه الذهب الأبيض.

كذلك ليس من المعقول أن تكون روسيا وإيران أكثر حرصاً من العرب، ومن مصر على وجه التحديد، على وحدة سوريا بشعبها ودولتها وهويتها العربية. إن العرب يتابعون بقلوبهم تقدم مصر على طريق أهداف ثورتها، ليس فقط بدافع الحب والتقدير لشعبها وأصالته، وإنما كذلك لأنهم يحتاجون إليها، وهى الدولة الكبرى التى طالما رعت مسيرة التحرر فى الوطن العربى جميعاً، والتى تقدر بنفوذها المعنوى على ترشيد النظام فى سوريا ومساعدته على الخروج من مأزقه الدموى عبر إقدامه على التخلى عن المكابرة وتلبية مطالب الشعب، وهى حقوقه الطبيعية، بما يوقف الحرب الأهلية... مع التأكيد على رفض «الضربة» الامريكية والعمل لمنعها حتى لا تكون سوريا ضحيتها العظمى.

وفى تقدير أوساط عربية واسعة، أن مصر وحدها، من دون سائر الدول العربية، وبالتعاون مع بعضها الذى لم يتورط فى النفخ فى نار الحرب الأهلية داخل سوريا، تستطيع أن تلعب دوراً مؤثراً فى وقف أو منع « الضربة» الامريكية، وبالمقابل تستطيع أن تسهم فى إنقاذ النظام السورى من بعض أخطائه وخطاياه، خصوصاً وأنها صاحبة تأثير على فصائل من «المعارضة المدنية» السورية...وبالتالى فهى قد تتمكن من فتح الباب لمشروع مصالحة وطنية فى سوريا، تستنقذ وحدة هذه الدولة العربية المؤثرة، وتوقف نهر الدم فيها، وهو الذى يستخدم لتبرير التدخل الأجنبى، بأشكاله كافة وآخرها: الضربة العسكرية التى لا يمكن اعتبارها إلا حرباً على العرب وثورتهم العتيدة من اجل أنظمة ديمقراطية حقاً.

●●●

 ومع التقدير للظروف الصعبة التى تعيشها مصر، فى ظل التآمر على ثورتها وقدرتها على تحقيق مطالب شعبها، فإن قدر مصر أن تلعب دور القيادة فى أمتها. وأول موجبات هذه الدور أن تضع مصر ثقلها لمنع هذه «الضربة» الامريكية التى قد تفتح أبواب جهنم على المنطقة العربية جميعاً.

 

رئيس تحرير جريدة «السفير» اللبنانية

طلال سلمان كاتب صحفي عربي بارز، مؤسس ورئيس تحرير جريدة السفير اللبنانية، كما أنه عضو في مجلس نقابة الصحافة اللبنانية - المدونة: www.talalsalman.com
التعليقات