عمل من أجل الأشجار - نبيل الهادي - بوابة الشروق
الجمعة 24 أكتوبر 2025 11:58 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

برأيك.. هل تنجح خطة الـ21 بندًا لترامب في إنهاء حرب غزة؟

عمل من أجل الأشجار

نشر فى : السبت 11 أكتوبر 2025 - 7:00 م | آخر تحديث : السبت 11 أكتوبر 2025 - 7:00 م

كتبتُ سابقًا «فى محبة الأشجار»، كما كتبت عن «الأشجار طبيبات الروح والجسد»، وكتبت مرات عديدة عن الطبيعة وواجبنا نحوها. ولكن هل يمكن أن تتحول تلك الكلمات إلى فعل وعمل نلمسه جميعًا؟ وهل يمكن أن نخطو باتجاه إيجاد صلة عملية بين الناس والطبيعة ككل، متخذين من الأشجار مفتاحًا لهذه العملية، لأنها الأقرب إلى قلوب ومشاعر وخبرات الناس اليومية؟

بدأتُ ومعى فريق صغير من الشباب والشابات فى وضع تصوّرات أولية لعملية توثيق الأشجار ووضع خرائط لها، مستفيدين مما قمنا به سابقًا من توثيق وعمل خرائط لجزء من أشجار حديقتى الأورمان والحيوان، وجزء من حرم جامعة القاهرة وكلية الهندسة، من خلال ورشة شتوية استمرت لحوالى عشرة أيام منذ بداية فبراير عام ٢٠٢٣، ونأمل أن نتمكن قريبًا من نشر هذا العمل.

الأفكار الأولية التى بلورناها تركز على أنه قد يكون من اليسير والممكن للناس، خاصة الشباب، التعرّف على الأشجار الموجودة بالقرب من مساكنهم أو مدارسهم أو جامعاتهم أو أماكن عملهم. وستكون تلك العملية أكثر فائدة وأقصر فى المدى الزمنى إذا شارك العديد منهم فى هذا العمل، وتم وضع هذا التوثيق على منصة رقمية ليكون متاحًا لباقى أفراد المجتمع ليتعرفوا على ما يتم بالتوازى مع تطور العمل، ويتمكنوا من التعرف على الأشجار المتنوعة والأماكن المختلفة التى تنمو فيها. ويمكن لتلك المعرفة الأولية أن تزيد وتدعم علاقة الناس، بمختلف المرجعيات والميول، مع الأشجار، حيث سيتعرفون ليس فقط على أماكنها بدقة، ولكن أيضًا سيتعرفون على الاسم أو الأسماء الشائعة، كما سيتعرفون أيضًا على الاسم العلمى لكل شجرة. ولأننا نستهدف تمكين الناس من تخيّل كل شجرة، فإن البيانات التى نستهدف جمعها عن كل شجرة تشمل الارتفاع التقريبى والمساحة التقريبية للغطاء الورقى لها، وفى وقت لاحق ربما تُضاف معلومات عن شكل الأوراق وشكل الزهور ومواسمها.

• • •

نستهدف إطلاق عملية لا مركزية، وإن كانت منسّقة، ندعم من خلالها ظهور مجموعات محلية أساسها الشباب، وإن كانت مفتوحة لجميع الأعمار، تهتم بتوثيق الأشجار. ونتوقع أن تظهر مجموعات علمية صغيرة تهتم بتوثيق أشجار أسوان، أو أشجار قنا، أو أشجار كفر الشيخ، وغيرها من مختلف المدن وربما القرى المصرية. وربما يكون لتلك العملية منصة جامعة يمكن تسميتها «أشجار مصر»، أو اسم آخر يتفق عليه المشاركون، ربما من خلال مسابقات محلية وعامة يتم فيها اختيار النبات المحلى الذى يمثل كل مكان ويعبّر بصورة أكبر عن طبيعته.

ونأمل أن تتراكم معلومات كافية عن أشجار مدينة أو قرية معينة، أو حتى حيٍّ منها، وأن يلتقى المساهمون والمهتمون مع الدارسين وعلماء النبات من الجامعة الأقرب، لكى يتعلموا أكثر عن تلك الكائنات الرائعة والتحديات المحلية التى تواجهها. ونأمل من خلال تلك اللقاءات، التى نتمنى أن تتطور إلى ورش موسمية، أن تسهم فى دعم الدراسات والأبحاث الخاصة بتلك الأشجار.

على المدى المتوسط، نهدف إلى أن تدعم تلك العملية تطوير معرفتنا بعلاقة الأشجار بالعالم الطبيعى بما فيه من طيور مقيمة أو مهاجرة، وكائنات أخرى مثل الفراشات والنحل وأبو دقيق وفرس النبى وغيرهم من الكائنات التى أثبت العلم أهميتها البالغة فى تدعيم دورة الحياة ومساهمتها الكبيرة فى بقاء واستمرار الموارد الطبيعية الحاسمة لجودة الحياة لجميع الكائنات على سطح الأرض، بما فيهم البشر. كما نأمل البدء فى جمع الحكايات المحلية، خاصة عن الأشجار، ثم ربما عن غيرها من الكائنات البرية.

نعرف مثلًا أن "شجرة الحياة" فى الأساطير المصرية – وهى غالبًا شجرة الجميز – ارتبطت أيضًا بأسطورة إيزيس وأوزوريس، ولكننا نستهدف أيضًا حكايات أخرى، ربما عن الجميز أو الصفصاف أو السنط أو أى أشجار أو شجيرات أخرى. ونتصور أن المناطق ذات الطبيعة الخاصة مثل برارى شمال الدلتا، أو واحات الصحراء الغربية، أو مستوطنات البدو فى الصحراء الشمالية، أو أماكن تجمعات المجتمعات فى الصحراء الشرقية، بالإضافة إلى المناطق المختلفة عبر وادى النيل، قد تشهد غنًى كبيرًا من الحكايات. ونعتقد أن هذه الحكايات ستتنوع بتنوّع الأماكن، حتى وإن تعلقت بنفس النوع من الأشجار، وربما يكون ذلك بداية أو إضافة لدراسات علمية عديدة عن المعارف المحلية، التى تشكّل أحد الأركان المهمة لأى تنمية محلية مستدامة.

كما نأمل أيضًا أن يسهم المشاركون – والذين يمكن إطلاق لقب "المواطنون العلماء" عليهم (وهو اتجاه مهم للغاية تم تبنّيه فى أنحاء مختلفة من العالم) – فى التعرف على الأنواع المحلية الأصلية، ليس فقط للأشجار، لكن لباقى عالم النباتات، وأيضًا الكائنات الأخرى، وخاصة الطيور والفراشات والنحل وغيرها من الكائنات البرية.

• • •

إن التعرف على العالم الطبيعى من حولنا، والتحديات التى تواجهه، سيكون مصحوبًا أيضًا بمعرفة أن مواجهة التحديات الكبرى التى تواجهنا، مثل التغير المناخى وتدهور التنوع الطبيعى وآثارهما التى نراها حولنا على جودة حياتنا، تتلاقى مع تطوير معرفة جيدة بهذا العالم وتقديره للدرجة التى تدفع الكثيرين للبحث عما يمكن عمله، خاصة من خلال التحالف مع مكونات هذا العالم الطبيعى.

نأمل أن تشجع مثل هذه المبادرة العديد من الشباب الصغير، الذى لم يقرر بعد ماذا يريد أن يدرس فى المستوى الجامعى، على اختيار دراسة العالم الطبيعى فى مصر، والتنوعات المختلفة من الإيكولوجيات المحلية فى أنحاء مصر المختلفة. كما نأمل أن تمثّل دافعًا قويًا للآخرين للمساهمة فى العمل الكبير الذى يتطلبه الحفاظ على العالم الطبيعى ودعمه.

لتحويل تلك المبادرة إلى واقع، سنعمل على تصميم منصة رقمية تكون مفتوحة للجميع، لكى تقوم بتجميع مساهمات المواطنين العلماء. ونطمح أن تمكّن تلك المنصة المساهمين فى مدينة أو تجمع سكنى آخر - بصورة لا مركزية - من خلال تصميم شبكة تُدار محليًا بواسطة جمعية غير حكومية محلية، تعمل على الترويج للفكرة محليًا، وتقوم بعمل شراكات مع الجامعات الأقرب لمراجعة المساهمات وتوفير نصائح عملية عامة وإرشادات تتعلق مثلًا بالاسم العلمى لشجرة ما وما يشابه ذلك.

كما نأمل أن نكون قادرين على عمل ورش عمل على مستوى الأقاليم الأكبر مثل إقليم الدلتا، وإقليم الصعيد، وإقليم الساحل الشمالى، وإقليم البحر الأحمر، كل عدة أشهر لتبادل المعلومات والخبرات. ونأمل أيضًا أن نستطيع تنظيم ورشة على مستوى مصر مرة سنويًا.

فى المرحلة الأولى والأهم، سنركز على عدة معلومات محددة لكل شجرة مثل الموقع، والارتفاع (تقريبًا)، وقطر محيط الغطاء الورقى (تقريبًا)، وسنستخدم وسائل قياس مبنية على مقاييس جسم الإنسان (كما كانت تفعل العديد من المجتمعات تاريخيًا)، ثم تقريبها إلى الأمتار أو قياسها مباشرة من الصور الفضائية المتاحة على شبكة الإنترنت. وسيقوم الفريق المحلى بمراجعة المعلومات والاستعانة بالباحثين لإضافة الاسم العلمى.

سيتطلب تحديد شكل الزهرة وطول موسم التزهير - طبقًا لما يحدث فعليًا فى المكان - مراقبةً على مدى أطول للشجرة، وستخضع أيضًا هذه المعلومة للمراجعة، وربما مقارنتها بمواسم التزهير المذكورة فى المراجع. ونأمل أن يمكّننا هذا الرصد من إعلان عدد سنوى للأشجار يُعلن فى نهاية موسم الربيع مثلًا، كما سيمكن من إصدار تنبيهات بعد جمع البيانات الكافية عن الأشجار المزهرة فى الأماكن المختلفة، وهو ما قد يحفّز على عمل احتفالات أو أنشطة جماعية لمشاهدتها والتمتع بروائحها إن كان لها رائحة واضحة.

 

أستاذ العمارة بجامعة القاهرة

 

 

التعليقات