زيلينسكي يسقط جنراله.. لكن طريقه مسدود - مواقع عربية - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 8:47 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

زيلينسكي يسقط جنراله.. لكن طريقه مسدود

نشر فى : الإثنين 12 فبراير 2024 - 7:15 م | آخر تحديث : الإثنين 12 فبراير 2024 - 7:15 م
يعزى إلى ثلاثة جنرالات أوكرانيين الفضل فى صد الغزو الروسى فى 24 فبراير 2022؛ رئيس الأركان فاليرى زالوجنى، قائد القوات البرية أولكسندر سيرسكى، ورئيس الاستخبارات العسكرية كيريلو بودانوف. ومع ذلك، قام الرئيس الأوكرانى زيلينسكى بإقالة زالوجنى بحجة الخلاف حول كيفية مواصلة القتال ضد روسيا وتعيين سيرسكى خلفا له. فى ضوء ذلك، نشر موقع 180 مقالا للكاتب سميح صعب، تناول فيه الأسباب الحقيقية وراء الإطاحة بزالوجنى، وسمات خليفته، والتطورات التى طالت العلاقات السياسية ــ العسكرية فى الوقت الراهن بأوكرانيا... نعرض من المقال ما يلى:
على أعتاب بداية السنة الثالثة للحرب الروسية الأوكرانية، تخلص الرئيس فولوديمير زيلينسكى من فاليرى زالوجنى بعد اختلاف فى الرؤية حول الطريقة التى يتعين من خلالها مواصلة القتال. وإذا كان هذا هو العنوان العريض الذى اختلف عليه الرجلان، لا يجدر أبدا إغفال الظروف المحيطة بهذه الخطوة التى أحدثت أولى التشققات فى جدار الوحدة السياسية ــ العسكرية الداخلية فى أوكرانيا، للمرة الأولى منذ بداية الحرب.
طفت الخلافات على سطح العلاقة بين الرئيس والجنرال فورا عقب مقابلة صحفية فى الخريف الماضى أدلى بها زالوجنى لمجلة «الإيكونوميست» البريطانية، وفيها قال بلا لبس وبجلاء، إن الجبهات الممتدة بطول نحو ألف كيلومتر قد وصلت إلى «طريق مسدود»، وذلك عقب فشل الهجوم الأوكرانى المضاد، الصيف الماضى، والذى انتهى إلى نتائج أكثر من متواضعة، لا تتناسب فى أى حال من الأحوال مع حجم الخسائر البشرية كما فى العتاد الذى تكبدته ألوية فى الجيش تلقت تدريبا على مدى أشهر فى المعسكرات الغربية وجهزت بأحدث الدبابات الألمانية والبريطانية.
كلام زالوجنى لم ينزل بردا وسلاما على قلب زيلينسكى الذى سارع إلى نفى وجود «طريق مسدود» على الجبهات، وأحال المشككين بإمكان إحراز نصر على روسيا إلى «الإنجازات» التى حققتها أوكرانيا فى البحر الأسود، حيث نجحت فى تحييد الأسطول الروسى، وشق ممر ملاحى لتصدير الحبوب الأوكرانية. وتشكل ضربات المسيرات الأوكرانية إلى حد كبير عاملا مقلقا لروسيا من شبه جزيرة القرم إلى موسكو وهى توجه ضربات موجعة إلى البنى التحتية الروسية وبينها مصاف مهمة للنفط، كما أن الاستخبارات الأوكرانية تنشط فى عمليات أمنية وتفجيرات فى مناطق روسية مختلفة. ووفقا لزيلينسكى، فإن ما يعوز أوكرانيا لسد الفجوة، هو التوازن فى الجو، ومقاتلات إف ــ 16 الأمريكية التى وعد بها الشركاء القيادة فى كييف.. وتاليا ما هى إلا أشهر قليلة حتى تستطيع البلاد شن هجوم مضاد آخر.
أما زالوجنى فقد اتخذ نظرة أكثر واقعية لتوازن القوى مع روسيا، وأقر بأن أوكرانيا بعد فترة لن تجد شبانا لتجنيدهم، بسبب الخسائر البشرية التى تكبدتها، وبسبب عدم امتلاكها الموارد اللازمة لتعبئة جديدة يعتزم زيلينسكى الإعلان عنها قريبا، وأن تحقيق النصر التام على موسكو يتطلب من أوكرانيا حيازة تفوق لا يجارى فى ميدان التكنولوجيا.
تزامن هذا الجدل مع تعثر الكونجرس الأمريكى فى تمرير صفقة المساعدات التى طلبها الرئيس جو بايدن والبالغة 61 مليار دولار لأوكرانيا، بسبب رفضها من قبل الحزب الجمهورى الذى يصر على أن أمن الحدود الجنوبية للولايات المتحدة أولى من المضى فى ضخ الأموال فى حرب لا نهاية لها فى الأفق. وتحولت المساعدة لأوكرانيا مادة جدل رئيسية فى الحملات للانتخابات الرئاسية الأمريكية، مع إصرار الرئيس السابق دونالد ترامب على إعادة النظر فى المساعدات والدعوة إلى تسوية سياسية يرى نفسه الوحيد القادر على إبرامها «فى غضون 24 ساعة» حال عودته إلى البيت الأبيض، وهى عودة تؤرق زيلينسكى وفريقه منذ الآن.
• • •
لا يمكن استبعاد أن تكون الدوافع الشخصية قد لعبت هى الأخرى دورا كبيرا فى تعميق الجفاء بين الرئيس وجنراله. فمن المعلوم أن زالوجنى تحول خلال الحرب إلى أيقونة وبطل قومى لدى الغالبية الساحقة من الأوكرانيين، ويحظى أيضا بشعبية واسعة فى صفوف الجنود، وأيضا لدى نظرائه فى الدول الداعمة لكييف. وبحسب استطلاعات الرأى الداخلية والخارجية تصل نسبة التأييد لزالوجنى إلى 90 فى المائة فى مقابل 77 فى المائة لزيلينسكى.
ومع الاستقرار النسبى فى الجبهات، بدأت السياسة الداخلية تتحرك، ولم يعد توجيه الانتقادات لحكم زيلينسكى من المحرمات. وكسر الرئيس السابق بيترو بوروشنكو حاجز الصمت، بتحذيره من أخذ البلاد نحو الحكم الاستبدادى، ورأى أن زالوجنى أضحى رمزا للوحدة الوطينة، وأن المساس به يشكل مساسا بهذه الوحدة.
فهل استشعر زيلينسكى أن زالوجنى صار واجهة لتيار واسع يمتلك رؤية مختلفة لمستقبل أوكرانيا؟ الجنرال المقال يعتقد أنه فى بلد يسعى للالتحاق بالمعسكر الغربى، يتعين تقديم أهمية الإنسان على أهمية الأرض. ربما لمس زيلينسكى أن خلف هذه الفرضية تقبع رؤية أخرى مؤيدة لإنهاء الحرب مع روسيا من طريق التنازل عن بعض الأراضى، الأمر الذى يرفضه زيلينسكى رفضا مطلقا ويتمسك باستعادة كل شبر من الأراضى التى سيطرت عليها روسيا.
ويتعزز هذا المنحى، مع اختيار زيلينسكى لقائد القوات البرية الجنرال أولكسندر سيرسكى لخلافة زالوجنى. ذلك، أنه معروف عن القائد الجديد مجازفته بخسارة أعداد كبيرة من الجنود فى أرض المعركة من أجل تحقيق المكاسب. وهو لعب دورا فى الانتصارات السريعة على القوات الروسية فى خاركيف وخيرسون.
أما فى وضع باتت تعانى فيه أوكرانيا من نقص حاد فى المجندين وفى الذخائر وانتقال روسيا إلى الهجوم فى بعض مناطق الشرق وفى منطقة خاركيف، ومن تراجع الدعم الأمريكى، يبرز تساؤل حول مدى قدرة سيرسكى على المخاطرة بأرواح الجنود فى المعارك المقبلة. وإذا كان زيلينسكى تنفس الصعداء مع إقرار الاتحاد الأوروبى الأسبوع الماضى مساعدة مالية لأوكرانيا بـ50 مليار يورو مجدولة على سنوات، فإن تجنيد مئات الآلاف من الأوكرانيين وتجهيزهم بالعتاد اللازم، يستلزم سنوات من الإعداد والتحضير. وتحوطا لانقطاع المساعدات الغربية، يستعد زيلينسكى وفريقه لإطلاق مشاريع للصناعات العسكرية المحلية.
ولا يبارح زيلينسكى، التصميم على مسألة طرد القوات الروسية من كامل الأراضى الأوكرانية بما فيها شبه جزيرة القرم، برغم أن هذه الفرضية لم تعد تجد دعما كافيا فى الدول الأوروبية، حكومات وشعوبا، والتعاطف الذى برز فى أول الحرب، آخذ بالتلاشى مع اضطرار المواطنين فى ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وبولندا وغيرها من دول الاتحاد الأوروبى وبريطانيا إلى دفع ثمن فاتورة الحرب. وتتجلى النقمة فى الغرب فى الصعود الصاروخى لأحزاب اليمين المتطرف على خلفية الأزمات الاقتصادية المتلاحقة.
وكثير من عناصر رؤية زيلينسكى، تتوقف على تبعات يمكن أن تنجم عن قراره بالاستغناء عن زالوجنى فى الداخل الأوكرانى، فضلا عن مصير المساعدة الأمريكية التى تبقى حتى إشعار آخر، هى السند الأساسى لصمود أوكرانيا. وفى حال تمكن بايدن من التغلب على العقبات فى الكونجرس والذهاب إلى خيارات أخرى لتقديم الدعم لكييف مثل مصادرة ودائع البنك المركزى الروسى البالغة 300 مليار دولار ووضعها فى تصرف كييف، فإن مثل هذه الخطوة، على المخاطر المترتبة عليها، تبقى حلا مؤقتا قابلا لإعادة النظر، فى حال عاد ترامب إلى البيت الأبيض.
• • •
إن تغيير زالوجنى فى هذا الوقت العصيب الذى تمر به أوكرانيا تحت عنوان التجديد فى القوات المسلحة، يؤشر إلى أن الصراع السياسى المكتوم فى أوكرانيا، بدأ يتكشف إلى العلن، وبأن زيلينسكى الذى أعطى انطباعا فى أول الحرب، بأنه لا يطلب شيئا لنفسه، قرر أن يتخلص من الشخص الذى يشكل أكبر منافس له.
إن إعفاء زالوجنى كان الجزء الأسهل من الصراع على السلطة، وينبغى من الآن فصاعدا مراقبة الارتدادات. فلنر.

النص الأصلي

التعليقات