أحمد كمال أبو المجد.. رحيل مفكر كبير - إيهاب الملاح - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 9:35 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أحمد كمال أبو المجد.. رحيل مفكر كبير

نشر فى : الجمعة 12 أبريل 2019 - 11:50 م | آخر تحديث : الجمعة 12 أبريل 2019 - 11:50 م

فى مساء الأحد الماضى، وأنا فى عزاء المغفور له؛ العالم والمفكر الجليل، والفقيه القانونى، أحمد كمال أبو المجد، عليه رحمة الله؛ الذى فارق دنيانا الفانية فى الثالث من إبريل الجارى، تأكد لى بعض ما أدركتُ من قيمة الرجل، وأثره الفكرى والحضارى والثقافى الشامل على كل المستويات؛ الدوائر الأكاديمية المتخصصة، والمجال السياسى العام، وقبل ذلك وبعده، المستوى الإنسانى المجرد من الشوائب والمصالح.
لم أشرف بلقاء المرحوم أحمد كمال أبو المجد سوى مرات معدودة؛ وكان أوّل اتصال بينى وبينه، رحمه الله، فى العام 2008 أطلب منه إجراء حوار أنشره فى جريدة (الشرق الأوسط) اللندنية؛ ورغم أنّه لم يُقدَّر لهذا الحوار أن يتم، فقد كان اللقاء البسيط الذى التقيتُه فيه، بعد ذلك له فى حياتى كبير الأثر وعميقه، وكنت ما زلتُ فى أول الطريق.
لكن معرفتى الفكرية باسم أحمد كمال أبو المجد سبقت ذلك اللقاء بكثير جدًا؛ كنتُ فى الخامسة عشرة أو أقل عندما تعرفت عن قربٍ على كتبه ومقالاته، وخاصة كتابيه المهمين «حوار لا مواجهة ـ دراسات حول الإسلام والعصر»، و«رؤية إسلامية معاصرة ـ إعلان مبادئ»؛ اللذين بفضلهما اتضحت لى معالم أفكار وملامح رؤى ضبطت الكثير من المفاهيم فى نفس شاب صغير السنّ قليل الخبرة، يحاول تلمس طريقه وسط ركام من الفوضى والارتباك وغياب تعليم جيد، لم يكن أمامه آنذاك سوى خوض طريقه باجتهاده الشخصى محاذرًا أن يُسلم قيادَ عقله لأحد مهما كان؛ فقط كان يجتهد فى أن يقرأ، ويكتشف، ويوازن ويسأل، ويقطع ما تيسر من الطريق حتى يستقيم له السير دون خوف أو وجل.
كانت كتب وأفكار المرحوم كمال أبو المجد، فى هذه المرحلة العمرية، أحد قوارب النجاة وتلمس هذا الطريق، بلا نتوءات ولا أشواك ولا أوهام، فى وقت كان من السهل جدًا، بل كان هذا هو المسار الحتمى، الانزلاق إلى شباك تيارات التطرف والجمود، بكل سهولةٍ ويسر.
أهم ما وجدتُه، وقتها، فى فكر الرجل وإنتاجه؛ الإعلاء من قيمة الحوار الهادئ العقلانى المرن، والانحياز إلى العقل والمعرفة، والإيمان بالتطور والتجديد، وإدراك أن ما تمّ تقديمه فى إطار الفكر الدينى كلّه، بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وسلم)، هو اجتهاد بشرى يخضع لظروف إنتاجه؛ وأن على رجال كل عصرٍ ووقت أن يجتهدوا ويقدموا أفكارهم ورؤاهم، دون تقديس أو مغالاة، كل ذلك بالتوازى مع احترام التنوع والتعدد والاختلاف، وقبول الرأى والرأى الآخر.
بالتأكيد، طمح المرحوم أحمد كمال أبو المجد إلى صوغ مشروع فكرى حضارى؛ فى كتابيه المرجعيين المشار إليهما، تغيَّا منه بوضوح، ومن دون مواربة «تحريك الواقع العربى والإسلامى تحريكًا ينهى مرحلة بياتِه الحضارى، ويوجه القرارات السياسية والاجتماعية التى تحكمه وتنظمه»، وقدّم رحمه الله بين يدى هذا المشروع الجاد الطموح، بالمطالبة بحذف التأويلات المتطرفة لما صاغه البعض حول «الحاكمية» أو «الحكومة الدينية»، وطالب مخلصًا بالتخلص من آفات تغييب العقل والحرية والقانون واحترام قيمة العمل. كما رأى بوضوح أن «الحكم الذى يقوم على الشورى والعدل واحترام الحريات، وتحديد مسئولية الحاكم»، هو حكم يتسم بالروح الإسلامى، ويتسق مع القيم والمبادئ الإسلامية، أيًّا ما كان مُسمّاه، كان رحمه الله واعيًا جدًا بضرورة البدء من الإصلاح الثقافى الشامل وإعلاء قيمة المعرفة والبحث، والانفتاح على الآخر، والتحاور المثمر والحقيقى معه.
بالمناسبة، أعدّ المرحوم أحمد كمال أبو المجد من أصحاب الأساليب اللغوية البديعة، كان متحدثًا مفوها ولبِقًا وكاتبًا مجيدًا ذا ثقافة واسعة، وإلمام حقيقى بمعارف وفنون شتى. يحكى عنه صديقى الناقد الكبير محمود عبدالشكور «كان رحمه الله شخصًا ودودًا وبشوشًا ومتحدثًا لبقًا ومجاملًا وذكيًّا، أجريتُ معه حوارًا طويلًا فى نهاية الثمانينيات، عن فترة عمله العام والوزارى.. وكان شديد الموضوعية فى تقييم تلك التجربة، يقول ما له وما عليه، لا يهرب من أى سؤال مهما كان حادًا، ولا يدعى بطولاتٍ وهمية لا يوجد عليها أى شهود».
رحم الله الكبير أحمد كمال أبو المجد، وأسكنه فسيح جناته، وغفر له، وجازاه خير الجزاء عما قدّم وعلّم وأفاد ونفع.