فى مواجهة سيناريو الانقلاب الناعم .. ثورة الإرادة وإرادة الثورة - سيف الدين عبدالفتاح - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 5:33 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فى مواجهة سيناريو الانقلاب الناعم .. ثورة الإرادة وإرادة الثورة

نشر فى : الأربعاء 13 يونيو 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 13 يونيو 2012 - 8:00 ص

إذا قامت الثورات حكمت، هذا هو قانون الثورات فى التاريخ، ثورة 25 يناير كانت استثناء، ثورة شعبية سلمية بلا رأس كان شعارها «ما أنا بباسط يدى لأقتلك»، لم تحكم الثورة فى 11 فبراير، ولكن سقط الفرعون، وفى حركة التفافية تنحى المخلوع مسلما سلطة إدارة البلاد إلى ما سُمّى بالمجلس العسكرى. وأعلن المجلس العسكرى أنه حارس الثورة، وفى الحقيقة أنه شكل حارسا على الثورة لا حارس لها، حارس على الثورة يتحكم فى إيقاعها وفى مسارها لا حارسا لها أهدافا ومكتسبات، وفى تلبيس شديد نقل دوره من وهم حراسة الثورة إلى حقيقة كونه حارسا على الثورة وحركتها، حارسا على الثورة يفرض مسار حبس الثورة أهدافا ومسارا وحركة، وبرز المجلس العسكرى يدير المرحلة الانتقالية إدارة يتحكم هو فى مفاصلها ويسيرها فى فترة انتقامية تحاول تحجيم الثورة وتشويه الثوار، وصناعة الكراهية للثورة، فى إدارة غير مسبوقة بالكوارث والحوادث التى صدرها المجلس العسكرى بأسف «ولكن رصيدنا عندكم يسمح»، هكذا كانت الأحداث تسير فى طريق «نأسف لوقوع ضحايا ونواصل قتل المتظاهرين وفى سياقات الفشل فى إدارة المرحلة الانتقالية التى طالت بدأ تململ الناس، وانتقل الناس من شعار إلى شعار، انتقل الناس من «الجيش والشعب إيد واحدة» إلى «يسقط.. يسقط حكم العسكر»، وبدت العلاقات المدنية العسكرية فى صراع غير معلن، مطالب من العسكر ومطالب من هؤلاء المدنيين، العسكر صاروا كحراس على الثورة لا يتقدمون لفعل شىء إلا تحت الضغط الشعبى يسندهم بعض الأحكام القضائية، محاكمة الرئيس وأعوانه، حل الحزب الوطنى، حل مباحث أمن الدولة، وحتى هذه الأمور تحولت وبحالة التفافية إلى عمليات شكلية، وفى بعض صورها إلى حالة هزلية.

 

وبدت شخوص وقوى الدولة العميقة تخرج من جحورها، وفى بعض أحوالها برعاية المتنفذين فى السلطة لتحرك صناعة الفوضى والانفلات الأمنى الأسود فى جماعات بلطجية كانت تعمل فى كنف الجهاز الأمنى، وانتقلت لتعمل له فى بعض أمور، ولحساب الحزب الوطنى المنحل، وجهاز أمن الدولة المنحل شكلا العامل فعلا، فحتى هذه المؤسسات ظلت تتحكم وفى كثير من الأحوال بحال الدولة، مؤسسات انحلت وما انحلت ولكنها شكلت بامتياز وفى رعاية أجهزة الدولة الأخرى قيادة الثورة المضادة، وتحريك مفاصل الدولة العميقة عند الطلب، وبقدرات متاحة ومستباحة مازالت موجودة تحركها ومن غير تفلسف تحالفات اجتماعية وتحالفات مصالح، وفئات تضار حتما من ثورة جديدة، تستغل حاجات الناس فى الأمن والاستقرار لتحدث حالة أكبر من عدم الأمن وعدم الاستقرار وتربط بين كل ما هو سلبى والثورة المصرية وحركة احتجاجاتها، وكأن لسان حالهم ينطق: خلوا الثورة تنفعكم!!

 

وبدا كل ذلك يعمل عمله برعاية العسكرى فى دوره كحارس على الثورة وعمليات تحجيمها، والالتفاف عليها.

 

آليات استخدمتها القوى المتنفذة وعلى رأسها العسكرى لخطة التفافية على الثورة:

 

الأولى: آلية صناعة الفرقة بين القوى السياسية، ومثلت القوى السياسية فى ذات الوقت قابلية خطيرة لهذه الصناعة، النخبة القديمة عادت أدراجها فى احتراف الاستقطاب ولغة التنافى وعقد الصفقات،والمساومات، وفى ظل هذه الممارسات تُركت الثورة وأهدافها نهبا ونهشا لمن أراد من قوى ترى فيها تهديدا لمصالحها واعتداء على مكاسبها، فضلا عن ممارسات سابقة لهم وضعتهم فى خانة الثورة المضادة والعمل فيها ولها.

 

الثانية: آلية صناعة الفوضى فى شكل انفلات أمنى مبرمج وممنهج، يحاول أن يقرن ومن كل طريق بين الثورة وعدم الأمن وعدم الاستقرار وهى أمور ترسخ فى يقين عموم الناس، أن الأمر الأول فيما قبل الثورة أفضل، وبدت عبارة «ولا يوم من أيامك» تشيع على الألسن، ويدفع إليها دفعا طلبا للأمن ودفعا للخوف.

 

الثالثة: آلية زراعة عدم الثقة وعدم اليقين،وهو أمر لا يقل خطورة عن صناعة الخوف، لأنه يزرع كل مداخل القلق والشك والريبة،وعدم الأمان والخوف من المستقبل، اللايقين عند الناس يغذى صناعة المخاوف، ويحرك كل عناصر الإقصاء، ويتوافق مع ذلك استخدام الفزاعات المتبادلة ليضمن حالة من الشقاق الدائم وعدم اليقين القائم، وفى النهاية يصب كل هذا فى صناعة الخوف، والخائف لا يختار فهو عبد خوفه وأسير قلقه ويتبع شكه وعدم ثقته.

 

الرابعة: آلية حصار المؤسسات، وبمنطق أن المؤسسة العسكرية هى الأقوى والأرقى، وفى إطار الضغط على مفاصل الأحداث، وفى كل مرة يقول «أنا الأقوى»، آلية حصار المؤسسات برزت فى تشويه القضاء وإبرازه بمظهر التابع الخانع وما أزمة التمويل الأجنبى ببعيدة، وبرزت فى التهديد المتكرر لمؤسسة البرلمان، فهى مؤسسة تحت التهديد بالحل «بدعوى شبهة عدم دستورية قانون الانتخابات لمجلسى الشعب والشورى الذى أصدره المجلس العسكرى بمرسوم، مؤسسة تحت التشويه المتعمد، وأخرى تحت الحصار والتهديد المقصود أيضا، الرسالة التى أراد أن يوجهها العسكرى» مؤسساتكم خواء، والعسكر هم الأقوى هم الفيصل هم الحل.

 

الخامسة: آلية صناعة الكراهية لكل أمر يتعلق بالثورة، بل إن معظم الأزمات التى قام بها العسكرى كفاعل أصيل والتى قام بها نفر كنائب فاعل، ألصقت عمدا وتشويها بالثورة والثوار، ولسان حاله يقول: لا تقل عملت لنا الثورة ولكن قل عملت فينا الثورة، إنها الصناعة النفسية للكراهية إذا انضمت لغيرها من مخاوف وقلق وعدم ثقة كانت النتيجة كفرا بالثورة، هكذا أرادوا وعن عمد أن يضعوا كل من يدافع عن الثورة فى موضع دفاع وربما اتهام.

 

السادسة: آلية عجلة الإنتاج، وهى آلية يُصدع بها عند كل احتجاج، عند كل تظاهرة أو مليونية، فى محاولة تفريغ تلك الآليات الاحتجاجية من منابع قوتها ومن مصادر فاعليتها، إن الاحتجاج فى عرفهم صار قرينا لتعطيل عجلة الإنتاج، والتظاهر صار علامة على عدم الاستقرار، إن الثوار سبب «وقف الحال» وغلاء الأسعار وأزمة البنزين والسولار، صناعة التأزيم وإحالته وإسقاطه على الثورة والثوار كانت صناعة هؤلاء، ولم يقولوا لنا: أين هى عجلة الإنتاج التى سرقت بالفساد من النظام السابق، أين عجلة الإنتاج حينما نصب العسكر المتاريس يسدون الشوارع لشهور، أم أن تظاهر الثوار فحسب هو وحده الذى يعطل الإنتاج، ومتاريسهم ليس لها شأن بعجلة الإنتاج، وما أرادوا إلا استكمال حلقة التشويش على الناس وحلقة التشويه للثورة.

 

السابعة: آلية التصفير للاقتصاد والعلاقات، وهى آلية تلوح بتجويع المصريين، «استمروا فى ثورتكم تصلون إلى حافة الإفلاس والجوع»، صناعة يحرسون فيها عملية تصفير حقيقية للاحتياطى النقدى، وتصفير للإنتاج، وتصفير للاقتصاد، ضمن عملية منظمة تضع مصير المصريين على حافة الخطر، صناعة الخطر جزء من صناعة الخوف، والخائف عبد خوفه، لاخيار له ولا قرار، لا مصير ولا مسار.

 

آليات بعضها من بعضها، هذا غيض من فيض استخدمته قوى الثورة المضادة، وقوى الدولة العميقة، وقوى التحالفات الاجتماعية وتحالفات المصالح (السبوبة)، وقوى الحزب الوطنى المنحل، وحكومة كاتم السر و«صناعة الأزمات»، وقوى أمن الدولة القديم المنحل، والأمن الوطنى الجديد المعتل والقوى الأمنية من أجهزة المخابرات، والمجلس العسكرى وقوى سياسية متعاونة، وترزية القوانين خدام كل عصر وأصحاب الصفقات والمساومات، ورجال الأعمال المستفيدون من النظام البائد وفساده، والنظام القديم واستبداده كل هؤلاء اصطفوا فى عمل آخر:

 

سيناريو الانقلاب الناعم

 

نعم الانقلاب على الثورة بكل معانيها وكل مكاسبها، وضمن مرحلة انتقالية وعملية انتقال معركة الدولة العميقة، ضمن مهزلة حاولت أن تضفى على عملها نتائج مطبوخة، ومواقف مكتوفة، وأحكام مصنوعة، حينما داست الأدلة، وأتلفت البراهين القاطعة عن عمد، وفى غطاء انتخابى بدعوى الإجراءات النزيهة وعدم التزوير، قام هؤلاء بما هو أقسى وأقصى من التزوير، وهو عملية تزييف الإرادة الشعبية، وتزييف إرادة الناس تارة بعمل المجلس العسكرى وتارة أخرى بعمل اللجنة الرئاسية «لجنة البدع الرئاسية»، فأضفت على التزوير شرعية، وأطلقت التزييف للإرادة الشعبية، وقالت نحتكم إلى الصناديق، فهى صناعة غطاء لشرعية انتخابية، وباتوا يتحدثوا عن الصندوق وما أدراك ما صندوق الانتخابات المرتبط بصندوق أسود للدولة العميقة يزيفها ويهندسها لمصالح دولية وإقليمية وداخلية.

 

على «بلاطة» وبدون مواربة إن العسكرى قام بانقلاب ناعم بتزييف قائم لا بتزوير صادم، حيث سلم الدولة بكل أجهزتها يدا بيد «لأحمد شفيق» بالمؤسسات المنحلة وغير المنحلة، بالحزب الوطنى المنحل، بالأجهزة الأمنية المنحلة والقائمة، برجال أعمال «مبارك»، بأجهزة البيروقراطية المصرية عن عمد وإدارة محلية وجمعيات زراعية ونقابات مصطنعة، بمباركة ورعاية العسكرى سلم له نصف الدولة فى الجولة الأولى ومسلم له نصف الدولة الآخر فى الجولة الثانية، وبمباركة بعض القوى الدولية والإقليمية المتنفذة فى مصالح داخلية ربطت نفسها بمصالح إقليمية ودولية فى حركة تابعة، تعبر عن أن الثورة فى خطر كبير.

 

  والتى كان عنوانها : «مصر: أحمد شفيق، رجل وكالة المخابرات المركزية

 

فى مقالته بالديلى تلجراف فى 27 مايو اقرأوا معى بعض ماكتبه الأستاذ الأمريكى المتقاعد Nikos Resos:

 

«إن الثورة ظن أهلها أنهم قد فازوا، وابتهجوا لذلك واحتفلوا.. إن هؤلاء قد يرون أن الثورة الآن قد اختفت فجأة، إنها خدعة الساحر، إن الثورة كانت هنا فأين ذهبت؟ وماذا حدث؟

 

ويجيب إن الساحر (الأمريكى والعسكرى) اختطفا الثورة، بيد العسكر وبمباركة من الولايات المتحدة لاحتواء ما أصاب مصالح الولايات المتحدة فى الشرق الأوسط.

 

وعندما أعطت الولايات المتحدة ضوءا أخضر للعسكر بإسقاط مبارك فإنها كذلك دشنت خططا أخرى «لتحقيق الاستقرار فى مصر» وهو الشعار الشفرى كناية عن «تخريب الثورة» و«الحفاظ على الوضع الراهن» وكان من هذه الخطة أن ارتفع وتصدر رئيس الوزراء فى نهاية عهد مبارك المخلوع «أحمد شيفق» إلى صدارة المشهد، وفقط فقد قلبت الولايات المتحدة والمجلس العسكرى قطعة النقود التى حملت وجه مبارك على وجه، ووجه شفيق على الناحية الأخرى.. تحت ذريعة الاستقرار سوقوا شفيق أنه الأصلح لمصالحنا (الأمريكان والعسكر) وسوقوه للناس من كل طريق باطل، إنها مرة أخرى مقولة: «إن أمريكا لا يمكن أن تخسر» فى إشارة إلى ما قاله السناتور جون ماكين للصحفيين خلال الصراع فى صربياوكوسوفو.

 

وحتى يفوز العسكرى والولايات المتحدة فلابد أن يفوز شفيق.

 

أبناء ثورة مصر فى مواجهة الانقلاب الناعم فإنها ثورة أو لا ثورة، لقنوا الدروس لمن يريد أن يختطف ثورتكم.. إنها إرادة الشعوب ستواجه كل من أهان الثورة أو اختطفها، يا أصحاب الثورة المضادة ادخلوا جحوركم وبطلوا بجاحة وتناحة.

سيف الدين عبدالفتاح أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة
التعليقات