الأعمال الخيريّة في الدولة المدنيّة - صحافة عربية - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 3:07 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الأعمال الخيريّة في الدولة المدنيّة

نشر فى : الأربعاء 12 يونيو 2019 - 8:55 م | آخر تحديث : الأربعاء 12 يونيو 2019 - 8:55 م

نشرت جريدة المغرب التونسية مقالا للكاتبة «آمال قرامى» نعرض منه ما يلى:

ما الذى يحدث عندما تقصّر الدولة فى أداء واجباتها وتعجز عن تحقيق العدالة الاجتماعيّة وضمان حقّ العيش الكريم لجميع المواطنين؟

سؤال وجيه يطرحه أغلب التونسيين اليوم، وهو معبّر عن تمثّل للدولة يصلها بالرموز الأنثوية فهى «الأمّ الراعية» والحنون والخدوم التى يجب أن توفّر كلّ الاحتياجات لأبنائها، وقد عكست لغة الدستور هذه النظرة إذ نعتت الدولة فى عديد الفصول بأنّها راعية وضامنة وساهرة.. ولكن يبدو أنّ هذه الدولة قد وصلت مرحلة الشيخوخة أو المر،ض فما عادت قادرة على أداء مهامها وتقديم الخدمات. ولعلّ وزارة الشئون الدينية تعدّ أبرز مثال عن عجز بعض الوزارات عن تغيير طريقة عملها وخطابها بما يتلاءم مع السياق الجديد. فالمشرفون على إدارة الشأن الدينيّ لم يتجرّأوا على تحفيز الناس على بذل أموال الحجّ فى خدمة الصالح العامّ كبناء المستشفيات وتجهيزها إلى غير ذلك من الخدمات.

وأمام هذا الوضع حلّت بعض مكونات المجتمع المدنيّ لتضطلع بدورها فى سدّ الفجوة بين الطبقات وتذليل بعض الصعوبات وتقديم بعض الحلول. ومن هذه المنظمّات والجمعيّات التى عرفت تطوّرا ملفتا للانتباه فى السنوات الأخيرة: الجمعيّات الخيريّة التى تقدّم بعض الخدمات الصحيّة والتعليميّة وغيرها.

غير أنّ ما يثير القلق فى عمل هذه الجمعيّات الخيريّة هو أنّ عددا منها بات يروم الحلول محلّ الدولة إذ يلتبس العمل الخيريّ، فى نظر المشرفين على هذه الجمعيّات، بالدعوى وبالسياسيّ وبالأيديولوجيا. ففى مقابل المساعدات التى تقدّم لمختلف الأفراد (شباب وكهول وشيوخ ونساء...) هناك ولاءات تُبنى وانتماءات تعزّز الأحزاب ودعاية تنجز لفائدة القيادات الحزبيّة. فليست «القفّة» التى تقدّم فى الأعياد وفى رمضان وغيره من المناسبات سوى وسيلة لكسب أنصار جدد للحزب يدافعون عن «قرب» المسئولين من الشعب وخدمتهم ويساهمون فى الترويج لخطابات القياديين.

وحين يظهر العمل السياسى فى شكل العمل الخيريّ تتضّح عمليّة التلاعب بالعقول والقلوب ويغدو النشاط الخيريّ وسيلة لتصنيف الناس وأداة لمراقبتهم وأداة تساعد على تأسيس القاعدة الاجتماعية والسياسية للحزب. ولئن كان هذا الشكل المتعارف عليه بالنسبة إلى الجمعيات الخيرية ذات التوجه الدينيّ فإنّ جمعيّات أخرى أصبحت هى الأخرى مطيّة لتحقيق الطموح الشخصيّ والتأثير فى نوايا التصويت. أمّا الجامع بين كلّ هذه الجمعيّات الخيريّة فهو إصرارها على «مسرحة» العمل الخيريّ وتوظيفها لصور المنتفعين بالخدمات من أجل التموقع ونيل مزيد من الامتيازات. ولا يهمّ إن انتهكت كرامة المعوزين الذين يقبلون على موائد «الرحمة».

إنّ هذه الممارسات القائمة على استغلال الآخرين وتحويلهم إلى أدوات لتحقيق أغراض متعدّدة كالاستقطاب فى مجال التطرّف العنيف أو التوظيف فى الحملات الانتخابية وغيرها يفرض إعادة النظر فى ضبط مفهوم العمل الخيريّ وتحديد هويّة الجمعيّة الخيريّة تشريعيّا واجتماعيا، فضلا عن ضبط مهامها ومسئولياتها دون أن نتغافل عن ضرورة إلزامها باحترام الدستور وما نص عليه من قيم وفى مقدمتها الكرامة وكذلك إخضاعها للمراقبة والمساءلة والمحاسبة.

إنّ من مهامّ الجمعيّات التى تروم خدمة الصالح العامّ فى الدولة المدنيّة ترسيخ مبدأ العمل التطوّعى لدى جميع الأفراد، وخاصّة الناشئة وحثّهم على العطاء دون مقابل وتشجيعهم على أخذ زمام المبادرات والتفكير فى البدائل والانخراط فى العمل الجماعيّ إلى غير ذلك. أمّا مسئولية المواطن فتكمن فى ممارسة اليقظة ومطالبة الجمعية برقم التسجيل وقانونها الداخلى إلى غير ذلك من التفاصيل التى تساعده على التمييز بين الجمعيات التى تلتزم بالعمل وفق الضوابط القانونيّة والجمعيات الفاقدة للمصداقية fake charity وتحميه فى ذات الوقت من الوقوع ضحيّة التلاعب بالعقول.

التعليقات