التسلل عبر حائط صد الفاشية - سور برلين وأنا (٢) - حسام السكرى - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 10:01 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التسلل عبر حائط صد الفاشية - سور برلين وأنا (٢)

نشر فى : السبت 12 أكتوبر 2019 - 8:10 م | آخر تحديث : السبت 12 أكتوبر 2019 - 8:10 م

أخذت طريقي نحو نقطة عبور تشكبوينت تشارلي بعد طردي من فريدريش شتراسه. كنت أريد اللحاق بصديقتي مشتلد على الجانب الآخر. هناك مخاطرة. ماذا لو كان الضابط قد سجل بطريقة ما أنني طردت عندما حاولت العبور من النقطة الوحيدة الأخرى.
كان سور برلين في الحقيقة سوران من الخرسانة المسلحة امتدت بينهما مسافة عرضها عشرات الأمتار أطلق عليها إسم "قطاع الموت". انتشرت فيها الألواح المسمارية (تسمى للطرافة سرير الفقير أو Fakir Beds لأنها تشبه اللوح المسماري الشهير الذي ينام عليه الفقير الهندي على الأقل في رسوم الكاريكاتير)، كما توزعت فيها الخنادق الدفاعية وموانع تقدم السيارات. امتد السور مسافة 155 كيلومترا، حول القسم الغربي من برلين ليعزله عن محيطه في ألمانيا الشرقية وتوزع عبره أكثر من ثلاثمئة برج حراسة يعمرها جنود مدججون بالأسلحة على مدى أربع وعشرين ساعة.
لم يبن السور مباشرة بعد "تحرير برلين". معركة برلين بدأت في شتاء ١٩٤٥. والتحرك الحاسم فيها بدأ للطرافة يوم عشرين أبريل وهو عيد الميلاد السادس والخمسين للفوهرر أدولف هتلر. بعدها بعشرة أيام انتحر الزعيم وعشيقته إيفا براون، وتبعه عدد من قادة النازية لتسقط العاصمة. بعد انتها الحرب قسم الحلفاء (السوفييت والبريطانيون والفرنسيون والأمريكيون) ألمانيا وعاصمتها. وحدتهم الرغبة في القضاء على جنون هتلر إلا أن الأيديولوجيا لم تلبث أن شقت صفهم، فبدأت حرب باردة بين حلفاء الأمس: الشيوعيين السوفييت، والرأسماليين الغربيين.
في ترتيبات ما بعد الحرب أصبح القطاع السوفييتي دولة مستقلة بحد ذاتها تدور في الفلك السوفييتي تعرف بـ "ألمانيا الديمقراطية".. لاحظ "الديمقراطية"(!)، وانضمت القطاعات التي استولى عليها الأمريكيون والفرنسيون والبريطانيون لتشكل ألمانيا الاتحادية (الغربية). في السنوات التي أعقبت التقسيم بدأت هجرة الألمان من قسمها الشرقي إلى الغرب عبر برلين. الحياة في الغرب كانت أكثر جاذبية من "الانخراط في بناء الحلم الاشتراكي" لأكثر من ثلاثة ونصف مليون ألماني هربوا من عبر برلين إلى أن بني السور عام 1961. بعد هذا العام لقي نحو بين ١٣٢ و٢٠٠ شخص حتفهم في محاولات الهرب إلى داخل السور.
رسميا لم يبن السور من أجل الحجر على حرية الألمان. الحجة الرسمية كانت منع "العناصر الفاشية المتآمرة من التسلل (إلى الشرق!) لمنع الشعب من فرض رغبته وبناء الاشتراكية". لهذا السبب أسموه: "حائط الصد ضد الفاشية" (!)
كنت أقدم رجلا وأقدم أخرى وأنا اقترب من نقطة عبور تشكبوينت تشارلي. رمقني جندي متجهم وأنا أعبر البوابة حاملا جواز سفري الأخضر. اقتربت من باب أبيض فوقه مرآة وأحسست برأسي تحترق تحت الكاميرات المنتشرة في الأسقف وعلى الأسطح. سمعت صوتا الكترونيا مزعجا يؤذن بأن الباب انفتح. دفعته ودخلت فوجدت نفسي في ممر ضيق قصير. كل شيء هنا أبيض. الأسطح ملساء وناعمة. إلى يساري حاجز زجاجي يجلس خلفه ضابط متجهم. في مواجهته وفي أعلى الممر توجد مرأة طويلة مثبتة عرضيا بزاوية 45 درجة. لا تملك إلا أن تشعر في هذه الغرفة بأن هناك عشرات الأعين تحدق فيك من خلف المرايا العاكسة والألواح الزجاجية أحادية الاتجاه.
تناول الضابط الذي لم أستطع أن أرى عبر الزجاج أكثر من وجهه جواز السفر. عبثت أصابعه بأزرار الكمبيوتر. توقف ثم حدق طويلا في وجهي. هل اكتشف ما فعلت؟ طال الصمت. التقت عيوننا وشعرت بالعرق يتصبب. خفت أن يفضحني التوتر. شعرت أنني مذنب وفكرت في الاعتراف. هل يخفف من جرمي أن أخبره بالحقيقة؟
(يتبع)
سور برلين و أنا - الهروب داخل أسوار الحرية (١)

التعليقات