الصين في الإستراتيجية الأطلسية - بشير عبد الفتاح - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 8:16 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الصين في الإستراتيجية الأطلسية

نشر فى : الإثنين 12 ديسمبر 2022 - 7:40 م | آخر تحديث : الإثنين 12 ديسمبر 2022 - 7:40 م
منذ تأسيسه فى العام 1948، أبت استراتيجية، حلف شمال الأطلسى، إلا أن تضرب الذكر صفحا عن الصين، غير مكترثة بإدراجها فى إطار مهمته. فلطالما دأب الحلف على اعتبار بكين شريكا تجاريا، غير ذى خطورة، وقاعدة تصنيعية مفيدة للغرب.
غير أن تعاظم القوة الشاملة للدولة الصينية، على نحو مقلق، طوال العقود الثلاثة الأخيرة، وحرص قيادتها على ترجمة فائض تلك القوة، إلى نفوذ جيوسياسى كونى. تزامنا مع تسارع وتيرة التقارب الاستراتيجى بين موسكو وبكين؛ قد أجبر، الناتو، على إعادة النظر فى تقدير موقفه الاستراتيجى حيال التنين الصينى. وخلال قمته، التى عقدها بمدريد، فى يونيو الماضى، أقدم الحلف على إدراج، الصين، ضمن «وثيقة المفهوم الاستراتيجى الجديد»، التى اعتمدتها القمة، لتحديد المبادئ التوجيهية للسياسة الأطلسية. فدونما مواربة، أكدت الوثيقة، وللمرة الأولى، أن الصين، باتت تشكل تهديدا مباشرا لأمن دول الحلف، وتحديا سافرا لـمصالحهم ومنظومتهم القيمية.
وقد أرجعت الوثيقة، ذلك التحول الأطلسى التاريخى إزاء الصين، إلى أجواء الغموض، التى تكتنف استراتيجياتها، ونواياها، واستعداداتها العسكرية. فضلا عن إصرارها على تكثيف استثماراتها، فى التكنولوجيا العسكرية المتطورة، وتشبثها بالسيطرة على بنى تحتية حيوية، مثل شبكات الجيل الخامس. ما يمكن أن يتمخض عن عواقب وخيمة على أمن الدول الأطلسية، فى قادم الزمن. علاوة على استخدامها مروحة واسعة من الميكانيزمات السياسية، والاقتصادية، والعسكرية، بقصد زيادة نفوذها الدولى. كذلك، أبدى الحلف انزعاجه مما نعته «الشراكة الاستراتيجية العميقة» بين بكين وموسكو، ومحاولاتهما المشتركة والحثيثة، لتقويض دعائم النظام العالمى، القائم على القواعد. وفى هذا السياق، ندد الحلف بالهجمات السيبرانية الصينية، التى اعتبرها «سيئة النية»، كما مخططات بكين لنشرالمعلومات المضللة، وأدبيات المواجهة. وكذا تبنيها إجراءات هدامة، لبلوغ مآربها الجيوسياسية، مثل: التلاعب بالعملة، والعبث بقوانين تنظيم المنافسة، ومبادئ التجارة الحرة. ولا تفتأ بكين تستخدم ثقلها الاقتصادى المتنامى، لتكريس التبعية الاستراتيجية لها من لدن دول شتى، وتوسيع دائرة نفوذها حول العالم.
إلى أبعد من ذلك ذهب الناتو؛ حينما كال اتهاماته للصين بمباشرة تدخلات عدوانية فجة، فى شئون بعض أعضائه، لاسيما ليتوانيا. حيث لم تتورع بكين حسب حلف الناتو عن استخدام أساليب الإكراه الاقتصادى ضدها، بغية حملها على تجميد علاقاتها الاقتصادية الوثيقة مع تايوان؛ التى انتقد الحلف سياسات الصين التصعيدية الأخيرة ضدها، معتبرا إياها موازية للعدوان الروسى على أوكرانيا.
وخلال اجتماع وزراء خارجية الناتو، فى بوخارست، مطلع الشهر الحالى، تم التحذير من مساعى بكين لتعزيز تموضعها العسكرى فى مختلف أصقاع المعمورة، وعلى مستوى الفضاء الخارجى. وحض أمينه العام، الدول الغربية، المتمسكة بخيار التخلى عن إمدادات الطاقة الروسية، على ضرورة توخى الحذرمن مغبة السقوط فى براثن شبكات التبعية الاقتصادية للصين. ملوحا باستراتيجيات جديدة، سيتبناها الحلف، لتقويض جهود بكين فى هذا الصدد، تتضمن حزمة من المشاريع والخطط الدفاعية الواعدة، فى المقبل من الأيام.
بمنعطفه الاستراتيجى التاريخى حيال الصين، ينحو، حلف الناتو، باتجاه التعاطى معها بوصفها التحدى، الأكثر خطورة، على استقرار واستدامة النظام الدولى، على المدى الطويل. وهو التصور الذى يستوجب بلورة استجابة استراتيجية أطلسية شاملة، تبتغى كبح جماح تطلعات بكين فى الهيمنة، وتقليص وتيرة تقاربها الاستراتيجى مع موسكو، واحتواء نزعاتها العدوانية التصعيدية حيال تايوان وبحر الصين الجنوبى حسب رأى الناتو. وستشمل هذه الاستجابة طيفا واسعا من التدابيرالعسكرية، والاقتصادية، والسياسية، والتكنولوجية، والسيبرانية. كما ستتضمن تطوير نهج استراتيجى تعاونى، لمواجهة حروب الجيلين الخامس والسادس، والتصدى لجميع التحركات الاقتصادية، والاستخباراتية، والعسكرية الصينية، التى يمكن أن تضع الأمن والسلم الدوليين على المحك.
من جانبها، ومثلما كان متوقعا، فندت الصين الوثيقة الأطلسية، بكل ما انطوت عليه من مفهوم استراتيجى جديد، يجعل منها مصدر تهديد لدول الناتو. حيث اعتبرتها مضللة، ومجافية للواقع، واتهمتها بالتدليس وعرض الوقائع بشكل معاكس، والإمعان فى تشويه سياسة الصين الخارجية. أما البعثة الدبلوماسية الصينية لدى الاتحاد الأوروبى، فنددت بمساعى الناتو، لمهاجمة بكين، والإساءة إلى سمعتها بشكل خبيث. فى الوقت الذى لا يتورع الحلف عن خلق وتعقيد الأزمات فى ربوع البسيطة؛ حتى أضحى، بلا منازع، التحدى الفعلى للسلام والاستقرار العالميين. وأدانت بكين ما وصفته بالتناقض الصارخ، ما بين تصريحات قيادة الحلف البراقة، وسياساتها الواقعية الهدامة.
فخلافا لمزاعمها بشأن التزام، الناتو، بكونه تحالفا دفاعيا إقليميا، لا يتوخى التوسع أو التمدد الجيوسياسيين، لم تتوان القيادات الأطلسية، فى إجراء مناورات حربية متكررة فى منطقة آسيا والمحيط الهادئ. كما نفذت بعض دول الحلف تدريبات عسكرية استفزازية فى المياه القريبة من الصين، مما ينذر بتغذية التوترات وإذكاء النزاعات. وانتقدت وسائل الإعلام الصينية الحكومية، تغلغل الشراكات الاستراتيجية الأطلسية إلى عمق القارة الآسيوية. كما حذرت من الأصداء السلبية لمشاركة كل من، كوريا الجنوبية واليابان، فى فاعليات القمم الأطلسية. ودعت بكين قيادة، الناتو، إلى تجاوز عقلية الحرب الباردة، والتخلى عن سياسة اختلاق الأعداء وافتعال الأزمات.
على وقع التغييرات، التى أدخلها الحلف على وثيقته ومفاهيمه الاستراتيجية، ضمن خارطة الطريق، التى جرى اعتمادها إبان قمة مدريد؛ بعدما اعتبرت روسيا، «التهديد الأكبر والمباشر» لسلام وأمن أعضائه، فيما تشكل الصين تحديا لمصالحهم وأمنهم. اتهمت، موسكو وبكين، الكتلة الأطلسية، بتوسل التوسع والهيمنة، وفرض الأحادية القطبية، ومواصلة تصعيد التوترات وتأجيج النزاعات عالميا. ولم تستبعد دوائر استخباراتية وعلمية غربية، أن يدفع ذلك المفهوم الاستراتيجى الجديد للناتو، الدب الروسى والتنين الصينى، صوب تدشين تحالف استراتيجى، يمثل بدوره تحديا مركزيا ووجوديا للحلف الأطلسى. ففى سياق تحديهما، لاستراتيجيات محاصرتهما، ورفضهما القاطع لإبقاء العالم أسيرا للهيمنة الأمريكية، المدعومة غربيا؛ ربما تجنح الصين وروسيا لتبنى خطوات وإجراءات مضادة ومنسقة. فمرارا، أعلنت الدولتان رفضهما استمرارالأحادية القطبية الأمريكية، وأعربتا عن رغبتهما فى بناء نظام عالمى متعدد الأقطاب. كما عارضتا تمدد الناتو شرقا، ليشمل السويد وفنلندا، بما يضيف 1300كم إلى حدود الحلف مع روسيا، ليتخطى طولها 2600 كيلومتر، معززة بالهياكل الأمنية والعسكرية المتطورة. فيما وصفه الأمين العام للحلف، بأضخم مشروع إصلاح جماعى دفاعى فى تاريخه.
قُدُما يمضى الغرب فى استراتيجية الاحتواء المزدوج لروسيا والصين؛ عبر قيام الناتو بتحويل الأولى من مشروع شريك استراتيجى، إلى تهديد جيوسياسى وعسكرى مباشر. وتصنيف الثانية كتحد هائل وتهديد استراتيجى مُلح. ونتيجة لهذا المنحى التصعيدى، سيتوسع الميدان الجيوسياسى للتحرك الأطلسى، من شرق أوربا إلى شرق آسيا ومنطقة المحيطين الهادى والهندى. الأمر الذى من شأنه أن يرفع سقف المنافسة بين الدول العظمى، ويشعل سباقات التسلح النوعى، ويفاقم عسكرة الأرض والفضاء؛ على النحو الذى يضاعف محنة السلم والأمن العالميين. وخلال قمة مدريد الأطلسية، دق الناتو، ناقوس الخطر، محذرا من ولوج العالم حقبة المنافسة الضارية بين الحلف وكل من موسكو وبكين. تلك التى تدلف خلالها قواعد الاشتباك وصراعات النفوذ، طورا جديدا، تتنوع خلاله أدوات المنافسة، وتتشعب صور المواجهة، ما بين حروب بالوكالة، أو أخرى سيبرانية، أو تكنولوجية، أو اقتصادية.
بموازاة مساعيه الدءوبة لإعاقة صعود الصين، ومحاصرة نفوذها المتعاظم، وعرقلة تحالفها الاستراتيجى المحتمل مع روسيا، عمد، الناتو، إلى مواربة الباب، تلافيا للمواجهة، وطمعا فى إدراك تفاهمات وتوافقات بناءة مع بكين؛ لاسيما أنها لا تزال الشريك التجارى الأول لكل من الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة. فى الأثناء، أكد الأمين العام للحلف، أن الصين ليست خصما؛ معلنا إطلاق مباحثات جادة معها حول قضايا استراتيجية عالمية. وفى سبتمبر الفائت، بحث الرجل، مع وزير الخارجية الصينى، الأزمة التايوانية، وقضيتا أوكرانيا وكوريا الشمالية. وبعدما ناقش قلق الحلف بشأن حقوق الإنسان فى تايوان، دعا بكين إلى استخدام نفوذها لدى كييف، وبيونج يانج، من أجل إنهاء الحرب الأوكرانية، وإقناع كوريا الشمالية بلجم وترشيد طموحاتها النووية. وبعدما جدد الحلف استعداده لمواصلة الحوار مع بكين حول الأمن العالمى، أعاد التأكيد فى نهاية نوفمبر الماضى، على تمسك أعضائه بمواصلة تعاونهم مع الصين فى شتى المجالات، التى تلبى الاحتياجات والمصالح الأطلسية؛ مع تجنب الانزلاق فى براثن التبعية لبكين. وقبل أيام، أشاد المستشار الألمانى، شولتز، بالدور الصينى الفعال، ضمن سياق التحرك الدولى، لمنع الرئيس الروسى من التورط فى استخدام السلاح النووى خلال الحرب الأوكرانية.
التعليقات