«الكابتن مش معبرني» - مي حمدي - بوابة الشروق
الجمعة 9 مايو 2025 12:29 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

«الكابتن مش معبرني»

نشر فى : الإثنين 13 فبراير 2023 - 9:20 م | آخر تحديث : الإثنين 13 فبراير 2023 - 9:20 م
حين اصطحبت الصغير إلى تدريب السباحة، لم أتوقع أن يأتينى بعد دقائق باكيا: «الكابتن مش معبرنى». كنت قد انشغلت بهاتفى بعد أن نزل إلى حمام السباحة فلم أنتبه إلى أنه يقبع فى مكانه بجوار السور بينما المدرب منشغل بآخرين. ورغم أنى على يقين من أنه سهو غير مقصود من المدرب، وبعيدا عن أن المشكلة قد تم حلها، إلا أن ما لفت انتباهى كثيرا هو رد فعل الصبى ذى الأعوام التسعة على الأمر وتأثره الشديد به، والذى صاغه بكلمات بسيطة متألمة نطقها وسط دموعه: «الكابتن مش معبرنى»!!
فجأة تجسد أمامى واقع حى ما أقوم بتعليمه للأطفال فى المدارس: «الإقصاء أحد أنواع التنمر»، «إذا وجدت زميلا وحيدا قم بالتحدث معه ودعوته للعب»، فالتصرف غير المقصود من المدرب كان له هذا التأثير المؤذى على الطفل، رغم وجودى بالقرب منه، فما بالك بتعرض أى طفل للتنمر من زملائه وهو وحيد فى مدرسته أو فى أى مكان آخر بلا حيلة؟
ووفقا لليونيسف فالتنمر «هو أحد أشكال العنف الذى يمارسه طفل أو مجموعة من الأطفال ضد طفل آخر أو إزعاجه بطريقة متعمدة ومتكررة. وقد يأخذ التنمر أشكالا متعددة كنشر الشائعات، أو التهديد، أو مهاجمة الطفل المُتنمَّر عليه بدنيا أو لفظيا، أو عزل طفلٍ ما بقصد الإيذاء أو حركات وأفعال أخرى تحدث بشكل غير ملحوظ».
والتنمر له أنواع عدة فقد يكون بدنيا مثل الضرب أو سرقة وإتلاف الأغراض، أو لفظيا مثل الشتائم والسخرية والتهديد، أو اجتماعى مثل تجاهل أو إهمال الطفل بطريقة متعمدة أو استبعاده، أو نفسى مثل النظرات السيئة والتربص، أو إلكترونى مثل السخرية والتهديد عن طريق الإنترنت أو اختراق الحساب.
ومع زياراتى المتكررة للمدارس، وعملى فى تدريب الأطفال، أكاد أجزم للأسف أنه لا يوجد مدرسة تخلو من ظاهرة التنمر، فما من مرة فتحت النقاش مع الأطفال إلا وانهالت على القصص ما بين ضحية إلى مُشاهد لوقائع التنمر، والتى يكون لها أكبر الضرر على الأطفال وحياتهم وصحتهم النفسية، والذى يتراوح من فقدان الثقة بالنفس، وفقدان التركيز وتراجع المستوى الدراسى، والخجل الاجتماعى إلى مشكلات مثل الاكتئاب والقلق وقد يصل الأمر إلى حالات انتحار.
فالأمر خطير إذن، وليس مجرد لهو أطفال، والمشكلة تنتشر فى مدارسنا على اختلاف مستوياتها، من حكومى إلى دولى، بل وفى مختلف دول العالم. والأطفال الأكثر عرضة للتنمر عادة يكونون الأضعف أو من يعانون من مشكلة معينة أو المختلفين. ففى واحدة من المدارس الدولية التى زرتها كان من يعانى من التنمر أحد الأطفال الوافدين حديثا بعد الإقامة فى بلد أجنبى مما جعله لا يجيد العربية بشكل جيد، رغم أن هذا الأمر أحيانا ما يكون أحد أسباب «الروشنة» بكل أسف، وفى مدرسة أخرى كانت ضحية السخرية طفلة مصابة بحرق فى وجهها، وكأن المشكلة الأصلية لا تكفى، فيزيد عليها تنمر الرفاق. كما لا يسلم أيضا من التنمر وفقا لليونيسف المتفوقون والموهوبون بشكل استثنائى، وغيرهم، فأى طفل من الممكن أن يكون عرضة لأفعال التنمر والإساءة.
ولكى نحمى أولادنا من التنمر علينا أن نبث فيهم الثقة بالنفس، ونقترب منهم ونصادقهم لكى يحكوا لنا كل ما يمرون به، ولا يعانون وحدهم فى خندق مظلم تقيدهم الرهبة ويكبلهم الخوف أو الخجل من الكلام والإفصاح، وأن نشجعهم على ممارسة الرياضة والهوايات المختلفة لتنمية شخصيتهم، ولتكوين أصدقاء.
إن أولادنا يستقون فكرتهم عن العالم وعن أنفسهم منا، فينبغى ألا ننسى فى رحلة تربيتهم وتهذيبهم أن نحترمهم، ونعلمهم أنهم يستحقون الاحترام، لكى لا تصبح الإهانة شيئا مقبولا لديهم. وإذا كان واجبنا أن نعلمهم الصواب والخطأ فليس مسموحا لنا فى طريقنا لذلك أن نقلل من شأنهم أو أن نكون دائمى النقد بشكل منفر ومهين. إن هذا الجيل جيل مختلف ومميز جدا فعلينا تعلم الطرق والسبل المناسبة للتفاهم معه وكسبه وتربيته بحنان مع حزم. علينا أيضا منح الأطفال وقتا خاصا أو وقتا ذى جودة للاهتمام بهم والاستمتاع معهم والاستماع إليهم وتجاذب أطراف الحديث بحب، كما يجب ألا ننسى تثقيف أنفسنا وإياهم بمعلومات حول التنمر وكيفية تجنبه والتعامل معه، وأن نتابع استخدامهم للإنترنت ونضع قواعد مناسبة لعمرهم ولا نتركهم يغرقون وحدهم فى هذا البحر الشاسع، وأن نتذكر إشراكهم فى وضع هذه القواعد ومناقشتها معهم لكى يكونوا أكثر ميلا لتنفيذها.
حفظكم الله وأولادكم من التنمر، آفة العصر، وربما عصور سابقة.
* يحتوى المقال على بعض المعلومات من موقع يونيسف مصر.
مي حمدي مديرة اللجنة الثقافية بالمجلس القومى لحقوق الإنسان ومرشد تربوي
التعليقات