عن الخلط بين العبيد والمهاجرين - صحافة عالمية - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 9:32 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عن الخلط بين العبيد والمهاجرين

نشر فى : الإثنين 13 مارس 2017 - 10:45 م | آخر تحديث : الثلاثاء 14 مارس 2017 - 3:36 م
نشرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية مقالا لـ«تيرا دبليو هانتر» – المؤلفة والأستاذة بقسم التاريخ وقسم الدراسات الأفريقية الأمريكية بجامعة برينستون ــ حول العبيد والمهاجرين ونظرة البعض للمهاجرين باعتبارهم عبيدا، تتناول ذلك من خلال العودة للحديث عن تاريخ الولايات المتحدة القديم وبخاصة فيما يتعلق باستعباد الأفارقة رغبة فى تحقيق أهداف معينة.

تستهل الكاتبة المقال بما قاله «بن كارسون» ــ وزير الإسكان والتنمية الحضارية الأمريكى ــ فى أول خطاباته للإعلام قبل أيام قليلة؛ حيث وجه خطابه للمهاجرين الأوروبيين الجدد إلى جزيرة «إليس» ــ التابعة لميناء نيويورك: «هذا ما يجب أن تكونه أمريكا، أرض الأحلام والفرص للمهاجرين»، ثم أضاف «يوجد مهاجرون آخرون قد أتوا هنا على متن السفن مختبئين بأسفلها وهم يعملون كثيرا ويتعبون ولا يجنون مقابل ذلك كله سوى القليل، ولكنهم رغم ذلك يأملون بأن يكتسب أولادهم وبناتهم وأحفادهم وحفيداتهم الحياة الكريمة والسعادة والرخاء على هذه الأرض».
كما استطرد وزير الإسكان قائلا: «هناك ظروف صعبة وراء وجود هؤلاء الأفراد والجماعات على هذه البلاد رغما عنهم والتى قد أدت بهم إلى ترك أوطانهم، إلا أن وجودهم قد أدى إلى عواقب ونتائج كثيرة أثرت على حقوق المواطنين الأصليين». تقول الكاتبة إن كارسون قد اعتبر المهاجرين الأوروبيين «مهاجرين بالفعل» لهم حقوق وفرص وأحلام بالبلاد، فى حين اعتبر المهاجرين الآخرين ــ من عرب وأفارقة ــ كالعبيد الذين يعملون ولا يجنون سوى القليل بل وأن وجودهم يؤثر سلبا على الأمريكيين.

تقول «هانتر» إن العبيد فى السابق لم يكونوا سوى غنيمة ومتاع لصاحبها يفعل بهم ما يريد، فقد كان الرق نظاما عنيفا وأداة بيد الأنظمة المحتلة من أجل فرض مزيد من السيطرة والهيمنة. كان الأفارقة يتم اختطافهم من المناطق النائية بالقارة والسير بهم فى السواحل والطرق الضيقة كالبضائع وتحميلهم على السفن والتى كان يفر منها بعضهم أملا فى النجاة بحياتهم، وبخاصة مع الظروف القاسية غير الآدمية والتى لا يمكن أن يحتملها أى فرد، فقد كانت بمثابة رحلة إلى الجحيم، كانت رحلة ذهاب فقط بلا أى فرصة للعودة.

حوالى 12 مليون شخص تم أسرهم قديما وإرسالهم إلى أسواق المستعمرات الاستيطانية الجديدة سواء فى جزء الكاريبى أو أمريكا الشمالية والجنوبية، وذلك لبيعها لأعلى سعر، وبعد البيع تبدأ رحلتهم الشاقة والتى تتمثل فى العمل بالمزارع والمصانع والمنازل الخاصة المملوكة لهؤلاء المستعمرين. ليس هذا فحسب بل كانوا لا يتقاضون أجرا مقابل هذه الأعمال وكانت أموالهم تذهب لمن يملكونهم ليزدادوا ثراء، فى حين يقبع هؤلاء العبيد فى المزيد من الفقر والذل. تمنى هؤلاء العبيد الفرار وكثيرا ما حلموا بالحرية والعودة إلى ديارهم هربا من أنظمة العمل القاسية التى واجهتهم، ولكن بقى الوضع كما هو عليه بل وورثه هؤلاء العبيد إلى أولادهم وأحفادهم وأحفاد أحفادهم. كان ذلك واحدا من أطول الكوابيس فى التاريخ البشرى وأكثرها ظلمًا وقسوة.

***

من جهة أخرى فقد أعقبت تصريحات كارسون عاصفة من الاحتجاجات والانتقادات مما دفعه إلى الحديث بشكل مفصل عن ذلك الموضوع مرة أخرى محللا عددا من البيانات عن بلده والمهاجرين، حيث حل ضيفا على أحد البرامج الإذاعية وبدأ حديثه قائلا «إنك من الممكن أن تكون مهاجرا وبشكل غير طوعى»، وقد تبنى حينها مفهوما للمهاجر تمثل فى: «أن المهاجر هو من يأتى للعيش بشكل دائم فى بلد آخر أجنبى»، ولكن فى نفس اليوم عبر موقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك» أكد أن السرد فيما يتعلق بالرقيق يختلف تماما عن السرد فيما يتعلق بالمهاجرين، فكلتاهما تجربتان مختلفتان، لا ينبغى أبدا أن يتم الربط بينهما كما أنه لا يمكن نسيانهما.

تضيف الكاتبة بأن هذه التجارب التى جعلت خطاب «كارسون» مثيرا للقلق أدت إلى تعديل بتعريف المهاجرين وكذلك العبيد. فالمهاجرون هم أشخاص انتقلوا للبحث عن ملجأ وملاذ، فضلا عن أن إعادة توطينهم قد جاءت بمحض إرادتهم، أما العبيد فهم عكس ذلك تماما؛ فهم أشخاص تم جلبهم رغما عنهم لبيعهم وإخضاعهم للعمل دون مقابل أو مقابل أجر زهيد للغاية.

خلال عصور الرق بالولايات المتحدة قد أتى وافدون جدد إلى البلاد ــ من أووربا وآسيا ودول أخرى ــ وأطلق عليهم «مهاجرين». أما العبيد الأفارقة فلم يكونوا كذلك، فالدولة الأمريكية قد تبنت أنماطًا متعددة من الهجرة تحركها دوافع عديدة، فهناك وافدون جدد وهناك عبيد، ذلك رغبة من البعض فى الاضطهاد الدينى لهؤلاء واستغلالهم لتحقيق عدد من المنافع والمزايا الاقتصادية.

تؤكد الكاتبة على ضرورة تجاوز كل ذلك وفهم التاريخ فهمًا جيدًا بل ودراسة العناصر المعقدة التى جعلت الولايات المتحدة اليوم أمة متنوعة حاضنة للعديد من الأديان والثقافات والجنسيات... إلخ.. جدير بالذكر أنه ليس كل سكان الولايات المتحدة سكانا أصليين للبلاد بل البعض فقط. فهناك شعوب قد احتلت الأرض لالآف السنين قبل وصول مستعمرين جدد آخرين قد تم مصادرة أراضيهم. كل ذلك حدث قبل ترسيم الحدود الوطنية وقبل ما يعرف الآن بالولايات المتحدة الأمريكية، وقد جاء عدد من الذين هاجروا عبر البحار إلى البلاد غير المرسومة حدوديا، إلا أن معظمهم هاجر بشكل طوعى، لكن الأفارقة لم يكونوا من ذلك النوع الذى هاجر طواعية وذلك حتى أواخر القرن العشرين.

***

إن أحفاد الأفارقة الذين قد تم استعبادهم خلال عصور سابقة يقولون بأنهم مواطنون أمريكيون من أصول أفريقية، ليس من غانا أو غينيا أو سيراليون، بل أمريكيون ولكن لهم جذور أفريقية. بشكل عام لا يمكن تحديد أمر لم نعرفه حقا ولم نشهد وقت حدوثه وبخاصة مع تضارب المعلومات حوله، إلا أن ما يمكن تأكيده هو أن هؤلاء مهاجرون حقيقيون قد أتو من القارة الأفريقية.

تختتم الكاتبة بالتأكيد على أن ذلك ليس زلات وجرائم تذكر ليتم إلصاقها بالأبرياء، ورغم أنها تضر بالتاريخ الأمريكى إلا أنها مفيدة لأولئك الذين يرغبون بتبرئة البلاد من ماضى التمييز العنصرى، فمؤسسات وثقافة الأمة لا يمكن أن تبنى وتتقدم على أساس روايات كاذبة بل لابد دوما من البحث عن الحقيقة لمعرفة الأمر وكيفية معالجته والتعامل معه بعيدا عن الروايات الملتبسة والمغرضة.

النص الأصلى

 

التعليقات