من دمشق إلى بغداد: الطريق للخلافة العباسية! - أحمد عبدربه - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 6:23 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

من دمشق إلى بغداد: الطريق للخلافة العباسية!

نشر فى : السبت 13 أبريل 2019 - 10:20 م | آخر تحديث : السبت 13 أبريل 2019 - 10:20 م

بعد فترة قصيرة أبلغ فيها الرسول محمد ــ صلى الله عليه وسلم ــ رسالة الإسلام للعالمين مؤسسا مبادئ أساسية للحكم تقوم على الإخاء والمساواة والتعددية، لم تستمر فترة الخلفاء الراشدين سوى لثلاثين عاما تم اغتيال فيها ثلاثة من أصل أربعة خلفاء على يد مسلمين ثم كانت الحرب الأهلية الأولى التى انهت حكم الخلفاء الراشدين وأتت بالحكم الأموى الذى استمر نحو أحد عشر عقدا من الزمان كان مليئا بالصعود والهبوط، بالاستقرار والإنجاز والتقدم مع استمرار سفك دماء المسلمين فى حروب دنيوية للتنازع على السلطة وكراسى الحكم. بعد انهيار الدولة الأموية ــ بمزيد من سفك الدماء والقتل ــ جاءت الخلافة العباسية لتستمر نحو خمسة قرون لتكون ثانى أطول دولة فى تاريخ الإسلام بعد الخلافة العثمانية.
كانت الخلافة العباسية تعبيرا ليس فقط عن «قوة» الدولة الإسلامية بالمعانى الحربية والمادية، ولكنها كانت أيضا تأكيدا على لحاق الدولة الإسلامية بركب الحضارة حيث ازدهار الفنون والعلوم والثقافة ثم قائدا للحضارات القائمة وقتها حتى انهارت. بلا شك، كان هذا الازدهار نتيجة لانخراط العباسيين فى دراسة العلوم التطبيقية بشتى أنواعها وعدم التقيد فقط بالعلوم الشرعية، فضلا عن انفتاحها على كل الحضارات القائمة وقتها والتخلى عن التزمت والجمود والرجعية.
***
منذ اليوم الأول للخلافة العباسية اتخذ حكمها سمتين رئيسيتين، الأولى هى السمة الدينية الإسلامية حيث حرصها على التأكيد على الانتساب للرسول وأهل بيته، والثانية دنيوية حيث المزيد من مظاهر الأبهة والإسراف ببذخ والمزيد من الابتعاد عن الناس بحيث كانت دولة هيراركية بامتياز. كذلك فقد توافرت للدولة فى بداية عهدها سمتين إضافيتين، الأولى هى تمكنها من الحكم وفنونه كون أن مناطقها (الكوفة وبغداد والبصرة) كانت تتمتع باستقلال نسبى طوال العهد الأموى، والثانية هى حصولها على الدعم الشيعى الذى كان حريصا على التشفى فى الأمويين وهزيمتهم وتأكيد انتصار نسل الرسول وأهل بيته عليهم.
أسس المنتمون للحكم العباسى تنظيمات سرية للانقلاب على الأمويين وألحقوا بهم هزائم متتالية بدأت من وسط آسيا مرورا وانتهت فى العراق حيث تأمين السلطة فى الكوفة حيث هرب آخر خلفاء الأمويين إلى سوريا ومنها إلى مصر إلى أن قضى نحبه هناك. لم يتردد الجيش العباسى فى ارتكاب المجازر الموثقة تاريخيا بحق معظم أفراد السلالة الأموية الحاكمة، بل وحتى من استسلم من الحكام الأمويين وحصل على وعد بحماية حياته، تم نقض الوعد لاحقا وإعدامهم! كانت المجازر العباسية للأمويين تهدف وبلا تردد إلى القضاء على أى خطورة محتملة من الأخيرين عن طريق تصفيتهم لتعضيد الحكم الجديد. وكما قامت الدولة الأموية بنقل العاصمة الإسلامية من المدينة إلى دمشق، فقد قام العباسيون بنقل مقر الخلافة من دمشق إلى الكوفة ولاحقا من الكوفة إلى بغداد.
كان على العباسيين فى البداية أن ينتقوا رجال الدولة لتأمينها، فكان الانحياز فى البداية للفرس ولقليل من العرب وتحديدا من سكان العراق واليمن، بينما تم تهميش باقى القبائل العربية، كذلك فقد لاحظ المؤرخون أن الدولة العباسية فى البداية كانت ذات طابع آسيوى وبعدت تدريجيا عن البحر المتوسط، أصبح للعراقيين والفرس ومسلمى آسيا الوسطى سطوة على مقاليد الحكم وتوغلوا فى دولاب الدولة وأداروا سياستها العسكرية والاقتصادية.
***
كانت الفترة الأولى للخلافة العباسية شديدة الحساسية، فإذا لم يقم أول خلفائها بتعضيد الدولة وتوحيدها انهارت الإمبراطورية الإسلامية بالكامل وقد كانت إرهاصات ذلك ممكنة فى السنوات الأخيرة للحكم الأموى حيث الفوضوية والانقسامات والحروب حتى بين أفراد الأمويين أنفسهم، لذلك فإن أسس الدولة العباسية يمكن القول بأنه تم إرساؤها بواسطة أول ثلاثة خلفاء، الخليفة عبدالله بن محمد والملقب بالسفاح وخصوصا بعد انتصاره الساحق على الأمويين فى معركة الزاب والذى لم يلبث حكمه سوى أربع سنوات، والثانى هو عبدالله الثانى بن محمد والملقب بأبى جعفر المنصور والذى استمر حكمه لنحو إحدى عشرة سنة، ثم الخليفة المهدى والذى استمر حكمه أيضا لنحو إحدى عشرة سنة.
بعد فترة حكم قصيرة للسفاح حاول فيها إرساء مبادئ الدولة الجديدة، جاء أبوجعفر المنصور ليجهز على أى معارضة محتملة لحكمه وخصوصا من عمه عبدالله بن على والذى قيل إن السفاح كان قد أعده للحكم بدلا من أخيه (المنصور). مزيد من القتل والسفك للدماء اتخذه المنصور ليجهز على أى منافسة حقيقية أو حتى محتملة وصلت بالمنصور إلى طرد كل أعمامه من كل مناصب أو قصور مرتبطة بالدولة بل ولاحقا قام بخطوة أكثر دموية حيث أمر أعمامه بتسليمه كل مساعديهم وأمر بإعدام الأخيرين وهو ما تم بالفعل فى غضون ساعات! ثم أكمل الطريق بالإطاحة بأبناء عمومته من كل المناصب الإدارية أو العسكرية بل وبأى عضو فى السلالة العباسية الحاكمة من المحتمل أن يكون مصدرا للخطر المستقبلى واستبدالهم بآخرين مجهولين أو غير معروفين كان معظمهم من العبيد الفرس الذين تم تحريرهم ليضمن ولاءهم المطلق! بل والأكثر من ذلك أنه وحينما تظاهر مجموعة من حرس المنصور مطالبين بتقديس الخليفة ورغم أن هذه المظاهرات كانت تأييدا له إلا أنه قرر معاقبتهم لأنهم تظاهروا بدون إذن فوضع بعضهم فى السجن ثم قام بإعدام البعض الآخر!
***
بعد أن قام المنصور حرفيا بعمليات تشبه التطهير العرقى لم يسلم منها حتى بعض أفراد أسرته فإنه بدأ مواجهة موجات متتالية من الثورات المناهضة لحكمه سواء كانت من الخوارج أو من الشيعة أو من غيرهم ممن لم يرضوا عن حكمه وكانت أخطر هذه الثورات من «النفس الذكية» وهو من أحفاد الإمام الحسن وهو من أول من تمرد على حكم السفاح (الخليفة العباسى الأول وأخو المنصور) وقام بالاختباء عن الأعين تمهيدا للثورة على الحكم العباسى متعاونا مع أخيه إبراهيم، ولما فشل المنصور فى العثور عليه أو على أخيه فقد قام بالقبض على والدهم لإجبارهم على تسليم أنفسهم! لكن النفس الذكية قاد ثورة بجيش منظم وذهب إلى المدينة (حيث كان يعيش أبوه المقبوض عليه) لكن جيش المنصور سحق جيش النفس الذكية فقام إبراهيم بتنظيم ثورة جديدة فى البصرة واتهم المنصور بالخروج على الحكم الإسلامى والإساءة لآل بيت الرسول فى محاولة منه لاجتذاب تأييد سكان المدينة وعلمائها، ولكن جيش المنصور سحقه أيضا وبهذا الانتصار الأخير أسس المنصور أسطورته وأسس دعائم دولته بحيث يتم اعتباره المؤسس الأول الحقيقى للدولة العباسية.
فى عهد المنصور انتعش الاقتصاد وتم تطوير الجيش وتطوير جهاز الدولة الإدارى وإعادة تنظيم العلاقة بين الخليفة وبين حكام الأقاليم مترامية الأطراف فى الدولة، ولم يخرج عن سيطرة العباسيين فى تلك الحقبة سوى إمارة الأندلس والتى تمكن الأمويون (أو بالأحرى من تبقى منهم) من الاحتفاظ بحكمها لقرون لاحقة واتخاذ قرطبة كعاصمة لها، بل وإعلانها لاحقا (تحديدا فى القرن العاشر الميلادى) كخلافة إسلامية استمرت حتى القرن الحادى عشر الميلادى.
لمزيد من الأمان قام المنصور بتحويل مقر الخلافة من الكوفة إلى بغداد وعمل على تحصينها لتأمينها من أى قلائل محتملة ليستمر فى تنمية الدولة لتتأكد وحدتها واستقرارها حتى توفى فى رحلة الحج ليخلفه ابنه المهدى والذى أكمل المرحلة التأسيسية للدولة لتبدأ رحلة جديدة فى تاريخ المسلمين أتناولها فى مقالة قادمة.
الاقتباس
كانت الخلافة العباسية تعبيرا ليس فقط عن «قوة» الدولة الإسلامية بالمعانى الحربية والمادية، ولكنها كانت أيضا تأكيدا على لحاق الدولة الإسلامية بركب الحضارة حيث ازدهار الفنون والعلوم والثقافة ثم قائدا للحضارات القائمة وقتها حتى انهارت.

أحمد عبدربه مدير برنامج التعاون الدبلوماسي الأمريكي الياباني، وأستاذ مساعد العلاقات الدولية بجامعة دنفر.