ساحر النساء - محمود قاسم - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 9:54 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ساحر النساء

نشر فى : الجمعة 13 مايو 2022 - 8:05 م | آخر تحديث : الجمعة 13 مايو 2022 - 8:05 م

فى حياة كل منا فيلم ما وربما أكثر لا يمكنا أن نستوعبه أو نهضمه نفسيا وعقليا ووجدانيا مهما طالت السنوات ومهما تعددت مرات المشاهدة، وأعتقد أن الفيلم الأبرز فى مسيرتى كمشاهد هو ساحر النساء إخراج فطين عبدالوهاب 1958 بطولة فريد شوقى وهند رستم وتوفيق الدقن وأسماء أخرى.. الفيلم هو واحد من الأعمال القليلة غير الكوميدية التى أخرجها عبدالوهاب فى مسيرته، ومن أبرز هذه الأفلام أيضا الأخ الكبير الذى يبدو مهضوما ومسليا لكن ساحر النساء يبدو فيلما غريبا بالنسبة لمن كتبه وأيضا فى مسيرة المخرج، ولا يمكن تحديد دور كتاب السيناريو الأربعة ومنهم نجيب محفوظ ومحمود صبحى، لكننا على كل حال أمام عمل مثير للجدل حول شخص محدود الثقافة قضى مدة عقوبة فى السجن وخرج ليجد فى اللعب على مشاعر النساء مهنته المفضلة باعتبار أنه راح يطالع ويتعلم الكثير حول مسألة السحر والدجل مستعينا بموضوع مهم هو أن النساء الناضجات يحملن فوق ظهورهن مآسى عديدة خاصة الثريات منهن أو المتزوجات برجال مقتدرين، ويقوم الرجل باختيار ضحاياه فى إيقاع كل واحدة بطريقته وذكائه، ويدخل الفيلم فى تفاصيل عديدة سواء عن حياته داخل السجن أو عن الفترة التى أتقن فيها عالم الدجل حتى صار مقنعا إلى أن دخلت المرأة التى تجسدها هند رستم إلى حياته فراح يغزل حولها خيوطه بإتقان شديد وهو يوهمها بقدرته على علاج زوجها الذى يجسده محمد علوان مخرج الإذاعة وفى النهاية يتمكن من سلبها جميع أموالها كما أنه بفعلته هذه يساعد على قتل الزوج.
علاقة غريبة تربط بين هذا الفيلم وبينى لأكثر من ستين عاما منذ أن شاهده أول مرة فى عرض مستمر فى إحدى دور السينما مع أفلام أخرى أثناء شهر رمضان وبسبب كثرة الأفلام، فإننى شهدت هذا العمل غير مكتمل وظللت أبحث عنه كى أشاهده كاملا لسنوات وفى كل مرة تتعثر المشاهدة حتى الأمس، حيث عدت للمشاهدة وعندما بدأت كتابة تعثرت الكلمات معى بصورة لم تحدث لها مثيل من قبل وتوقفت عن الكتابة أكثر من مرة كى أعود إليها من جديد، ليس هناك تفسير لهذه الحالة بدليل أصرارى الكامل على تعريف القارئ بهذا العمل شبه المجهول لدى الكثير ممن يعرفون أفلامنا المصرية، فكل شىء يوحى أننا أمام فيلم نجوم والدليل أن «الأخ الكبير» كان ناجحا على مستوى الفنى والجماهيرى وهو موجود دوما فى عروض الشاشات الإلكترونية أما ساحر النساء فهو يعرض بشكل شحيح للغاية، على كل فإننا أمام فيلم قاتم يتحدث عن عالم الدجل وهو الموضوع الذى عزفت عليه الأفلام المصرية فى تلك الفترة من الخمسينيات؛ حيث يوجد رجل يضحك على النساء ويسلبهن الأموال ولعل أبرز مثال لذلك هو المبروك إخراج حسن رضا وأيضا إسماعيل يس فى مستشفى المجانين إخراج عيسى كرامة، ولعل صورة هند رستم على أفيش فيلم اليوم يوحى لنا أننا سنراها امرأة لعوب بالغة الإغراء أسوة بأفلامها الأخرى فى تلك الفترة ومنها توحة ولا أنام وجريمة حب لكن عزيزة هنا هى زوجة رجل مريض ميئوس فى شفائه وهى تسعى إلى حمزة البهلوان باسمه المستعار كى تتلقف منه استعادة الصحة لزوجها وتقع بين براثن الرجل الجذاب، ليس ابدا من الناحية العاطفية، ولكن أملا فى إنقاذ زوجها، ما يؤدى إلى أن يفوز الدجال بالجواهر التى يملكها الزوج ويؤدى هذا إلى انهيار كيان مشيد بشكل نموذجى، تلك هى الحالة النفسية التى يسقطها عليك الفيلم باعتبار أن ساحر النساء هذا قد كسب من كل عشيقاته السابقات حتى وصل إلى عزيزة دون أن يدفع الثمن وحتى إذا دفع الثمن قد يعود إلى السجن الذى كان بالنسبة له مدرسة تعلم فيها جيدا أصول الكسب المادى الكبير أى أنه من حلقة مفرغة إلى أخرى تشبهه.
هناك لغز ما فى هذا العمل كتبه أربعة مؤلفين وخرج مخرجه عن خطه المألوف فبدا الفيلم نشازا فى مسيرته وبدت الأقنعة التى ارتداها أبطال الفيلم غير متماسكة على الوجود، مما أفقدها عنصر الاقتناع، هذا رأى على الأقل فيما شاهدته والغريب أننى رغم كثرة مشاهدة الفيلم ورغم كتابة هذا المقال أعترف أنها مشاهدات منقوصة وتحتاج الكتابة إلى إعادة صياغة مع الأقرار، بأن هذا لم يحدث أبدا لكل هذه الآلاف من الأفلام التى شاهدتها وكتابة عنها ولم يحدث قط إلا مع ساحر النساء.
فريد شوقى استطاع فى تلك السنوات أن يستعين بهند رستم ليكون ثنائيا جمعهما معا فى أكثر من عشرة أفلام كانت تلك الفترة بالغة الحساسية بالنسبة للزوجين اللذين انفصلا فنيا مسبقا فراح هو يعمل بكثرة مع نجمات أخريات، ويؤدى أدوارا، أغلبها خفيف، أما هى قد وجدت نفسها كممثلة من الطراز الأول فى أدوار منها امرأة فى الطريق، ومن بين الأفلام التى جمعت الثنائى فريد شوقى وهند رستم الأخ الكبير وباب الحديد والعريس الثانى والزوج العازب وشياطين الليل، وكما نرى فإن الكيمياء بين البطلين تتساقط من عمل إلى آخر، وإذا كان الممثل فى أغلب هذه الأفلام هو الذكر قوى صاحب الحيلة مالك أمره فى مواجهة المرأة، فإن هند رستم فى دور عزيزة بدت وكأنها تفقد مخالبها الأنثوية التى شاهدناها فى أفلامها الأخرى خاصة أمام فريد شوقى ومنها دماء على النيل والأخ الكبير، كل هذه الأمور تدفعنا لمشاهدة الفيلم أكثر من مرة وربما العودة للكتابة بوجهه نظر مغايرة.

التعليقات